التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, نوفمبر 19, 2024

الشيخ خوّام …المتمرد بوجه الظلم والطغاة 

الراي / عبدالرضا الساعدي 
حينما أُعلن رسميا عن انتداب العراق من قبل بريطانيا ، في الثالث من مايس عام 1920.. لم يدر بخلد المحتلين الإنكليز وأعوانهم ، أن ثمة من سيقف بوجههم ، بوجه المخططات والمظالم التي تحاك على هذا البلد وشعبه ..لم يدر بخلدهم أن هناك رجالا ذوي عزم وإباء لن يرضيهم قبول الذل والهوان والاحتلال.
وهذا ما حصل، حين هبّ رجل عراقي غيور يحمل صفات الثائر المتمرد على الباطل المتمثل بالمحتل وأعوانه وحاشيته ، فكانت ثورته في الخامس من مايس عام 1935م والمسماة ب(ثورة الخوّام)، لتكون امتدادا طبيعيا وأصيلا لثورة العشرين المدوّية والتي قادتها عشائر العراق ضد المحتل البريطاني الغاشم آنذاك.
هو صوت ثوري إنبثق من رحم شخصية عراقية أصيلة محببة ، رافضة للهيمنة الإستعمارية والتبعية للأجنبي. كان ذا شخصية صادقة وشجاعة وسخية ، وكان مناصرا للمحرومين والمغيبين والمهمشين ، هكذا هو الشيخ خوّام الذي برز كواحد من أبرز الشخصيات العراقية التي ظهرت في فترة الاحتلال البريطاني والحكم المدني والانتداب.
لم يكن مغامرا ،كما يريد البعض أن يصوره، لأنه دخل في مواجهة غير متكافئة مع أعظم جيش حينها، بل أنه كان يريد أن يوصل رسالة لكل الظلمة والطغاة والجبابرة في العالم ، بأن شعب العراق لن يكون لقمة سائغة لمن يريد أن يبتلعه في أرضه ودياره ، ولأن هذا الشعب تعلم أيضا من منطق الثورة بمفهومها الحسيني ، أن القلّة القليلة يمكن أن تضرب أروع الأمثلة في التمرد الشرعي الرافض والواقف بشرف بوجه الظلم والطغاة  من أجل إعلاء كلمة الحق ، حتى وإن كانت الغلبة العسكرية والمادية لصالح الأعداء ،إنها مسألة مبدأ وقيم وبطولة غير عادية يتسم بها هؤلاء المؤمنون بعدالة قضيتهم وقدسية أرضهم ومستقبل شعبهم.
  لقد ثار الشيخ (خوّام) بعد أن وجد أن الثورة هي الطريق الوحيد الى نيل المطالب المشروعة للمحرومين والمهمشين وإلى فتح أبواب الحرية للتخلص من الذل والعبودية ..  ، سيما وأنه أحد الرجال المهمين المساهمين  في ثورة العشرين ، كما أنه يمتلك تصورا ووعيا كافيا ، إضافة إلى الخبرة والتجربة.
لقد كان تحديا بارعا للمجلس العرفي العسكري حينها الذي يصف هكذا مواقف عادة، بالتمرد ، والرجل الذي يتبنى ويقود هكذا تحدي ب ( المتمرد ) ، وكأن وجود الأجنبي شرعيٌ على أرض المقدسات ، ومن يخرج عليه فهو مخالف لهذه الشرعية ، ولكنها الثورة التي تغلي في نفوس الأباة ومن بينهم الشيخ ( خوّام) ، مهما كانت المسميات والتوصيفات التي أرادها ويريدها المستعمر الأجنبي ، ولهذا حينما قال له رئيس المجلس العسكري بأنك أيها الشيخ دمرت نفسك وعشيرتك وأتباعك دون أية نتيجة، ردّ عليه بالقول :
بأن الدمار أن نرى العراق يقاد ويدار من قبل الغرباء والشعب يرسف بالاغلال والقهر والعبودية..
مقولة تجسد الرفض والتمرد بأسمى معانيه ، على الظلم والهيمنة والعبودية بلا شك ، وهي قضية كبيرة وليست تلاعبا بالألفاظ والدعاية السياسية ، كما يفعل البعض من السياسيين لأغراض دعائية يراد منها نيل المناصب والغنائم ، لأن مثل هكذا تضحيات يقدمها هذا الشيخ وأمثاله ، لا تقبل الكذب والدعاية والتضليل ، فهو يجود بنفسه وماله وراحته وعشيرته جميعا ، كي يقول كلمة الحق المتمردة دائما على الباطل الذي يريد من نهجه أن يبقى حاكما مستبدا دائما على الفقراء والمحرومين البائسين ، لكي يتسيد على مقادير الأمور في بلاد الرافدين.
كل هذه الخصائص المذكورة في هذه الشخصية ، تدلل على أن الشيخ خوّام ، لم يكن يهدف إلى منصب وغنيمة ومنفعة خاصة ، بل أن الهم الكبير المشترك مع الآخرين المسحوقين من أبناء بلده ، ومحاولة البحث عن خلاص من هذا الهم ، هو جذوة القضية والهدف الذي سعى من أجله ، بغية رؤية صورة أخرى مغايرة يعيشها أبناء الشعب المظلوم ، وهذا يتطلب منه ومن غيره من الرجال الغيورين، أن يتصدر صوته تحديا جديدا على ساحة المواجهة بين طرفين غير متكافئين في كل شيء وهما : الشعب والسلطة الغاشمة المحتلة.
إذن .. الرؤية البعيدة للشيخ في ثورته وفي جلّ تضحياته التي قدمها ، كانت تبدو هي بيت القصيد الذي أراد إنشاده على مسمع التاريخ ، أي نشيد الحق المدوي بوجه الباطل ، بوجه الظالم ، بوجه الطاغية المتمترس بسلاحه وقوته المادية فقط ، بينما كانت أصداء النشيد تتوالى وتتردد من بعد ذلك ، ويمكن أن نراها في ثورات عدّة بين العام 1935 وحتى عام 1958 ، ما تعنيه تلك الفترة الحساسة من تاريخ العراق الذي كان ينتفض بين الفترة والأخرى ،بفضل وجود شخصيات وطنية وثورية عازمة على التغيير ، وعازمة على تخليص البلد من ربقة الخضوع والضم الذي تنشده الدول العظمى دائما للشعوب التي تمتلك إرثا حضاريا عريقا، كي تمسخ هويته وتمزق وحدته وتضيع حاضره ومستقبله.
هكذا أدرك الشيخ خوام الحقيقة ،في مرحلة هي من أصعب وأدق المراحل التي شهدتها البلاد آنذاك ،منذ
عام(1914) حيث كنا خاضعين لـما يعرف ب(إدارة المناطق المعادية المحتلة) أسوة بجميع الأجزاء المحتلة الأخرى التي كانت تحت سيطرة الامبراطورية العثمانية، وحتى اتفاقية سايكس بيكو 1916وما تلاها أحداث محلية وعربية وإقليمية .. كل ذلك لغرض رسم القبضة الأجنبية في البلاد والمنطقة عموما ، تلك القبضة التي تنهب وتقتل وتزرع العملاء وتهدم كل شيء ، كي تحقق الحلم الصهيوني الكبير فيما بعد.. لكن وجود مثل هؤلاء الرجال الذين تركوا أثرا مهما في ضمير وعقل الناس في هذا الوطن العزيز ، كفيلة بأن تردّ صيحتهم الرافضة، الغاضبة والمتمردة على الظلم والطغيان ، على كل أصوات الخنوع والذل والمهانة ، وتوقظ النائمين أيضا في غفلتهم ، كي تبقى البلاد آمنة محمية من قبل أبنائها الخلّص الميامين.
طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق