التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

ولا زالت عزلة إسرائيل مستمرة ، رغم إنكارها الكذوب.. 

الدكتور حسن عبد ربه المصري
هُوجمت بضراوة بعد فترة قصيرة من نشر مقال الأسبوع الماضي في هذا المكان (عدد الخميس 21 أذر سنة 1392) ..
هاجمتني بعض الأقلام وعدد من الأشخاص في محاولة غير مجدية لنقض ما وثقته حول عزلة دولة الإحتلال والعنصرية الدولية بسبب موقفها غير السوي من جمهورية إيران الإسلامية وملفها النووي السلمي ، وللتديل على أنها في كامل لياقتها الدولية ومرحب بها على مستوى العواصم العالمية ..
ولم يمض إلا يومان حتى كانت وسائل الاعلام الأوربية تؤكد ما توصلت إليه من إستنتاجات ، وتزيد عليه أن حكومة ننتنياهو تبذل أقصى ما في طاقتها لكي تكسر أطواق العزلة التي تحيط برقبتها دون جدوى ، وتُجمع في نفس الوقت على أن الإتفاق المرحلي الذي وقعته طهران مع مجموعة 5 + 1 ” هو إنجاز إيراني على جانب كبير من الأهمية ، تم إقراره وفق مسار دبلوماسي متكامل المعالم ” ..
تزامن مع هذه الهجمة ..
أولاُ .. نشر عدد من التقارير الأوربية التي أزاحت النقاب عن الكثير من تصريحات نتنياهو التي قالها داخل حجرات مغلقة مدعياً أن تهديدات حكومته بشن هجوم عسكري ضد إيران خدم بشكل مباشر مسار التفاوض معها سياسياً !! و أن الإدارة الأمريكية تُثمن ما يمارسه هو شخصياً من ضغوط على طهران لكي تستجيب في نهاية المطاف لما يُفرض عليها !! وأن الدور الإسرائيلي المساهم في إخضاع إيراني لا يمكن التقليل من قيمته .. إلخ .. مما دفع بعض المعلقين الى القول أن مجمل هذه الأقاويل غير ” منطقي ” من ناحية وإلى الإعتراف بأن السبب الرئيسي الذي مهد الطريق لإبرام الإتفاق المرحلي بعد جولتي جنيف الأخيرتين هو إستعداد الطرفين (الإيراني والدولي) للتوافق على نقطة في منتصف المسافة الفاصلة بينهما، بما يحقق المرامي المستهدفة من وراء التفاوض ..
ثانياً .. تأكيد بعض مراكز الدراسات الإستراتيجية الأمريكية أن تل أبيب قدمت منذ منتصف العام الحالي عدة تعهدات لواشنطن أعربت خلالها انها ليست في موقف المعارض لمبدأ تأكيد خطوات المسار السياسي مع طهران تحت رئاسة روحاني ، و حرصها على القول أن لغة التهديد التي طالما اطلقها نتنياهو لم تكن لتقلق إدارة الرئيس أوباما لأنها كانت تعلم أنها موجهة للرأي العام داخل دولته وليست الى العالم الخارجي ..
ثالثاً .. إستنكار وسائل الإعلام الإسرائيلية الحاد لما سبق أن صرح به بعض مستشاري نتنياهو في أوائل شهر نوفمبر الماضي ” أن إمكانية التوصل الى إتفاق دبلوماسي مع إيران حول برنامجها النووي ، يحتاج الى وقت أكبر مما هو متوقع ” ..
ولم يقف الأمر لدى بعضهم عن مستوى العنف في نقد مثل هذه التنبؤات المكذوبة ، بل تعداه الى وصف قدرة نتنياهو على إقناع وزير خارجية أمريكا بوجهة نظره في كل ما يتعلق بهذا الأمر بأنها ” أحلام طائشة لا وجود لها إلا في مخيلة من يدعيها ومن يروج لها ” ..
رابعاُ .. وأخيرا ، تَهكم بعض المعلقين على تصريحات موشيه يعلون وزير حرب إسرائيل التى قال فيها ” لا يجوز لدول الغرب أن تتوصل الى صفقة دبلوماسية مع إيران لأنها ستكون سيئة السمعة ” لأن معظم دول العالم رحبت بما تم التوصل إليه .. وأيضاً على وصف نتنياهو للإتفاق المرحلي بعد إقراره بأنه ” خطأ تاريخي لا يُلزم إسرائيل ” لأن العديد من العواصم التى تتأثر سلباً وايجاباً بما تتبناه مجموعة 5 + 1 من سياسات ، باركته وتعاملت فورا معه على المستويين الإقتصادي والسياسي ..
قال إفرايم هاليفي في مقال له بصحيفة ديعوت إحرونوت (20 نوفمبر الماضي) أن إستراتيجية إسرائيل التي أقامتها لعدة سنوات بالإرتكاز على ضرورة تضمين برنامج إيران النووي جداول أعمال القوى العظمى الثنائية والعالمية، إنتهت بالفشل .. فلا العقوبات التى فرضت على طهران منعتها من مواصلة جهود التخصيب على أكثر من مستوى ، ولا استطاعت تل أبيب أن تجعل من نفسها رقيبا على كبريات عواصم العالم ، ولا نجح نتيناهو في أن يفرض نفسه رقيباً على جولات المفاوضات مع الجمهورية الاسلامية الإيرانية ولا حتى ضمن المتابعين لمفاضات جنيف / 2 التي ستعقد قبل نهاية يناير القادم ..
ويعيب إفرايم – الرئيس السابق لجهاز الموساد – على رئيس الوزراء أنه أشاع أن نجاح مفاوضات الدول الكبرى مع إيران سيؤدي الى تفاقم الأوضاع في المنطقة وسيُوسع مدى الخلافات بين الأقطاب الرئيسية فيها ، وسفه من المقولات التي تتوقع أن تلحق بالمصالح الأمريكية الكثير من الخسائر الإقتصادية والأمنية والسياسية..
ليس من قبيل المبالغة أن نلفت النظر الى أن إيران ستبقى بعد إقرار الاتفاق المرحلي ” الرقم الصعب ضمن المعادلة الإقليمية للمنطقة ” لأنها الأكثر قدرة على إستخدام ما بين يديها من أوراق ، والأقدر على توظيف ما تحققه من وراء ذلك بما يعود بالنفع على شعبها.. لذلك ليس من المبالغة في شيء أن يشير المحلل الإسرائيلي إيلي مروم يوم 11 الجاري أن واشنطن إتصلت سراً بطهران لكي ” تنسق معها لإقناع الرئيس السوري بالموافقة على تدمير ما في حوزته من سلاح كيميائي ” لأن في ذلك إعتراف بدور إيران كطرف مؤثر على مستوى الملف السوري .. كما ليس من قبيل التخويف أن يقول أن سياسات تركيا بدت في الآونة الأخيرة ” متماشية الى حد كبير من توجهات إيران حيال ملف الصراع في سورية ” ، فالممارسات التركية على إمتداد العامين الماضيين – في رأيه – أثبتت فشلها على مستوى التعامل مع النظام الحاكم في دمشق لأنها لم تقرأه جيداً ولم تتعرف على مفرداته عن قرب ، لأنها رمت نفسها في أحضان السياسية الأمريكية بلا روية ..
لذلك يمكننا القول أن ما تحقق حتى اللحظة من نتائج أوليه لإتفاق إيران المرحلي مع مجموعة 5 + 1 ، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك..
1 – ان وزن طهران النوعي على مستوى الملف السوري سيقود من الآن وحتى موعد عقد مؤتمر جنيف / 2 الى دعم الفريق الذي سيُمثل دمشق ، وإلى دفع القوى الأوروبية الى القبول بما تطرحه من أفكار لحلحلة موقف الأطراف السورية بعامة ، وإلى ترسيخ عوامل المرتكزات السياسية على حساب التقليل قدر الإستطاعة من ضغوط الحلول العسكرية..
2 – وأن ما سيحققه هذا الوزن من نجاحات سينعكس إيجابياً على الأوضاع في مصر وربما يؤدي الى تخفيف حدة المواجهات الدائرة داخلها ، لأن تراجع حظوظ جماعة الأخوان وكذا التيارات الإسلامية المتشددة على مستوى الساحة السورية سيؤثر سلباً على قدراتها التخريبية في عموم مصر وكذا على مستوى دول الخليج الفارسي ..
3 – وأن نجاح النظام الحاكم في مصر في التخلص من المعوقات التي تقف في طريق إستعادة القاهرة لدورها الريادي والإقليمي سيَلقي دعما من جانب طهران ، مما سيمهد الطريق الى نوع من التقارب التكتيكي بين العاصمتين لخدمة المشترك من توجهاتهما الإقليمية المشروعة على المستويين العربي والإسلامي..
4 – ويفرض على اسرائيل أن تتراجع عن مخطط إبتزازها للشعب الفلسيطينى ضمن مفاوضات السلام التى ترعاها واشنطن منذ أكثر من شهرين دون اي تقدم ملموس ، بدل أن تطالب الإدراة الامريكية بإبرام إتفاقية دفاع إستراتيجي معها ينص على أن أي هجوم عليها بالسلاح النووي ” يُعد إعتداء مباشر على الولايات المتحدة ” ..
أليس في ذلك دليل كافي على أن أوضاع دولة الإحتلال والعنصرية الحالية تجعلها في أمس الحاجة لعقد إتفاقية دفاع مشترك مع حليفتها الكبرى لكي تعوضها عن عزلتها السياسية؟؟ أليس في ذلك دليل لا يُنكر على أن الإستقرار والأمن الذي تبذل إيران أقصى جهدها لإرساء قواعده ، يصيب حكومة نتنياهو بالهلع والإضطراب خشية أن يؤدي كما يقول المحلل الشهير تسفي برئيل الى ” ضعضعة السلام القائم مع كل من مصر والأردن ” بعد أن يصبح لإيران دورا مؤثرا على مستوى الصراع الإسرائيلي الفلسطينيى ؟؟ ..
من جانبي أؤكد ..
أن عزلة إسرائيل ستتواصل ليس فقط بسبب موقفها العدواني حيال إيران وكرهها لأي تقدم على سلم أولوياتها مع دول العالم الكبرى ، ولكن لأنها دولة تقتات على الإحتلال و تعيش على العنصرية .. وكلتا الحالتين تساعدانها على توفير مناخ الاضطراب والقلق والتوتر في البيئة المحيطة بها..

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق