المشهد المصري… صورة ضبابية!
محمد منصور
– إذا أردنا إلقاء نظرة موضوعية واقعية شاملة على المشهد الحالي في مصر بعد 30 يونيو يجب أولا أن نعود إلى الوراء قليلا لنفهم طبيعة هذا المشهد في لحظة فوز الرئيس المعزول محمد مرسي بمنصبه وما قبلها. المشهد كان في حينه ببساطة، أن الاختيار في الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة كان بين مرشحين اثنين فقط هما محمد مرسي مرشح الأخوان المسلمين و”أحمد شفيق” رئيس الوزراء الأسبق ومرشح ما يعرف بـ “الفلول” .اجماع القوى الثورية على مرسي اوصله الى الحكم
– بعد فشل “الثوار” في التوافق على مرشح واحد في الجولة الأولى، اضطر أغلبهم إلى دعم مرشح الإخوان المسلمين. كان هذا الاضطرار ضرورة لرفضهم التام دعم أي شخص ينتمي لنظام مبارك على الرغم من عدم امتلاك محمد مرسي لأي مؤهلات أو إمكانيات تؤهله لتولي حكم مصر في هذه الفترة الصعبة. فاز مرشح “الإخوان” بنسبة ضئيلة جداً وبات رئيسا لمصر لتبدأ سلسلة من المهازل والإخفاقات على جميع المستويات داخليا وخارجيا. فالجميع رأى الرئيس المنتخب جالسا ليتحدث حول أمن مصر القومي على الهواء مباشرة مع أشخاص قال أحدهم إن ما يدور في هذه الجلسة يجب أن يكون سرياً ولا يعلم به أحد! وتفنن الرئيس المنتخب في إظهار ولائه التام لـ”جماعة الأخوان” ولجمهورها بداية من مخاطبته لـ ” أهله وعشيرته” مروراً بفض ميليشيات “الإخوان” لاعتصام المعارضين لمرسي أمام قصر الاتحادية وحفلة التعذيب والتحقيق على أسواره، والعفو عن عشرات المدانين بـ”الإرهاب” وصولاً إلى سلسلة من الإجراءات كان عنوانها الأبرز “موتوا بغيظكم” والتي هدفت لسيطرة “الإخوان المسلمين” بالكامل على مفاصل الدولة المصرية. وترافق ذلك مع فشل واضح في ادارة الدولة وشؤونها بشكل جعل الجميع في مصر يوقن بأنها مقبلة على لحظة تاريخية فارقة تكون فيها بين “إعلان أخونة مصر بالكامل” ووصولها إلى درجة “إمارة غزة” أو “نجاتها من الأخونة” وتصحيح البوصلة الوطنية في اتجاه مصر ديموقراطية تمتلك قرارها وتتلافى كل أخطاء الماضي!.
(2)
– اختارت جموع المصريين يوم 30 يونيو الخيار الثاني وأعلنتها صريحة برفضها لحكم مرسي وجماعته ومن ثم قامت بتفويض وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي لمواجهة الإرهاب الذي كان محتملا بعد استجابته للأمر الشعبي لعزل مرسي. هذا الإرهاب الذي بات أهم ملامح مرحلة ما بعد 30 يونيو. فمصر دخلت منذ هذا اليوم في دوامة من العنف والدماء من قبل أنصار “الإخوان المسلمين”وحلفائهم من الجماعات التكفيرية في سيناء وفي العمق المصري. درج “الإخوان” على نفي صلتهم بهذا العنف، ولكن دلائل عديدة تؤكد ذلك من أهمها تصريح القيادي في الإخوان محمد البلتاجي أفاد فيه بأن ما يحدث من عمليات إرهابية في سيناء سيتوقف تماما في اللحظة التي يعود فيها المعزول مرسي إلى منصبه!
ـ دماء كثيرة سالت في كل أنحاء مصر ، قتل المئات في عملية فض اعتصامي “رابعة” و”النهضة” إثر تبادل النيران بين قوى الأمن ومسلحي الإخوان الذين كانوا مشاركين في الاعتصام، وسقط على مدار الأسابيع الماضية العشرات من جنود وضباط الجيش والشرطة المصرية في عمليات إرهابية في سيناء والشرقية والقاهرة والإسماعيلية وبدأت السيارات المفخخة في الظهور والتسبب في دمار كبير وضحايا كثر ليكون الشعار الأساس لهذه المرحلة هو “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ضد الإرهاب”.
(3)
– تسبب عزل مرسي في إحداث شرخ كبير بين القوى الثورية التي معظمها متفق سابقا على دعم مرسي ضد شفيق، هذا الشرخ أدى إلى سلسلة تحولات في التحالفات السياسية تشبه إلى حد كبير التحولات التي حدثت طوال فترة الحرب الأهلية اللبنانية. فبعد أن كان الجميع موحدين لحظة فوز مرسي بات الآن الانقسام هو سيد الموقف، فأطراف ثورية مثل ” الاشتراكيين الثوريين” و”شباب 6 أبريل” باتت تجاهر بكراهيتها لما يرونه “حكما عسكريا لمصر” ورفضهم التام لكل ما تمخض عن 30 يونيو وما بعده. في حين أن أطرافا ثورية على رأسها “حركة تمرد” التي كانت من الأسباب الرئيسية لعزل مرسي إلى جانب قوى مدنية وحزبية ودينية ترى أن المعركة الآن هي بين الدولة والإرهاب ولا بد للدولة أن تنتصر.
– برغم هذا الواقع، إلا أن الحكومة المصرية المؤقتة والرئيس المصري المؤقت نجحوا في تحقيق بعض التقدم، فمسودة الدستور المصري تم إكمالها بتوافق كبير، والعلاقات الخارجية المصريّة باتت تشهد صعوداً لافتا وخصوصا أن وزير الخارجية المصري سجل نشاطا ملحوظا ونجاحات واضحة تجلت في تعزيز وارتفاع وتيرة العلاقات المصرية ـ الروسية وما يمثله هذا من تبشير بتطور كبير ستتحصل عليه مصر في المجال التجاري والصناعي والعسكري. أيضا الجانب الأمني شهد تقدما “بطيء” الوتيرة لكنه مهم في هذه المرحلة نظراً لأن الأمن في الشارع المصري فعلياً كان مفقوداً منذ ثورة 25 يناير. وما زال الجانب الاقتصادى هو الأكثر تضرراً في مصر برغم محاولات الحكومة تدارك هذا الواقع، لكن برغم هذا، يمارس الجيش المصري دورا مهما في هذا المجال بمشاركته في مشروعات خدمية أو تنموية إلى جانب تقديمه للمساعدات العينية لعدد من القرى الفقيرة. أما الجانب التعليمي، فقد تضرر التعليم الجامعي كثيرا بفعل محاولات “الإخوان” المستميتة لتعطيل الدراسة في جامعات عديدة مثل جامعة الأزهر.
(4)
– إذاً التوصيف الدقيق للمشهد المصري هو “معركة النفس الطويل” بين الدولة المصرية التي أفرزتها ثورة 30 يونيو وجماعة الإخوان المسلمين التي لفظها المجتمع وعادت لتصبح “جماعة محظورة” مرة أخرى. المعركة تقع على عدة جبهات. داخليا تجري في الجامعات والشوارع وأقسام الشرطة وأرض سيناء، وخارجيا في مواجهة كل من قطر وتركيا اللتين اتخذتا قرارا استراتيجيا بدعم الإخوان حتى النهاية. يدعم مصر في هذه المواجهة دول الخليج التي تقع في تناقض تاريخي بحربها ضد ” الإخوان” في مصر ودعمها لهم في سوريا! لحظة الذروة في هذه المعركة ستكون في الاستفتاء على مسودة الدستور والذي سيتم خلال الشهر المقبل. مرور هذا الاستفتاء بنجاح وحصول الدستور على ثقة المصريين، ومن ثم إجراء الانتخابات التشريعية أو الرئاسية بنجاح وإتمام خارطة الطريق كاملة سيعنى ببساطة “شهادة وفاة” لأي تحرك مقبل لـ”الإخوان” على الأرض المصرية . إذاً المعركة تقترب من منعطفها الأخير وصاحب النفس الأطول هو المنتصر … لِننتظرْ ونَرَ.
طباعة الخبر
ارسال الخبر الى صديق