مؤتمر جنيف / 2.. إيران وتوازنات ملف الصراع السوري..
* الدكتور حسن عبد ربه المصري
بعد نحو يومين من توقيع مجموعة 5 + 2 لإتفاقها المرحلي مع إيران – 24 نوفمبر – لضبط برنامجها النووي السلمي ، أعلن بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة أن مؤتمر جنيف / 2 سيعقد في الثاني والعشرين من شهر يناير القادم !! وجدد الدعوة التى كان قد اطلقها قبل نهاية شهر يونية الماضي لجميع الأطراف ذات الصلة بملف الصراع السوري للمشاركة فيه بلا شروط مسبقة..
من هنا بدأت موجات التفاؤل..
أعلن نبيل العربي أمين عام الجامعة العربية أن إنهاء تجميد عضوية سورية بالجامعة ” مرهون ” بالنتائج التى ستتمخض عن هذا الإجتماع ، مؤكداً أن الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة هو الممثل الرسمي للسوريين..
وصرح رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر سليم أدريس أن مطلب تنحي الرئيس بشار الأسد بعيداً عن السلطة ، لم يعد شرطاً مسبقاً من جانب المعارضة للمشاركة في مؤتمر جنيف / 2 وقال أن قواته مستعدة للقتال الى جانب القوات النظامية لتخليص البلاد من الجماعات الإسلامية المتطرفة التى ترتبط بتنظيم القاعدة..
وبنفس المنطق المتفائل الذي يتسم بالواقعية إعترف لوران فابيوس وزير خارجية فرنسا بأمرين على جانب كبير من الأهمية.. الأول أن المعارضة السورية التي تدعمها بلاده تعاني من صعوبات جمة ” قد تؤثر سلباً على مؤتمر جنيف / 2 ” بسبب تشتتها وتزايد عوامل الفرقة فيما بينها.. والثاني ان الرئيس بشار ليس أبله بحيث يتنازل عن سلطاته في ظل تفكك القوى التي تتصارع معه ، خاصة بعد أن ثبت أنها معادية لقطاع عريض من الشعب السوري..
ونقلت وكالة رويتريز للأنباء عن مصادر قريبة من رموز هذه المعارضة أنها تلقت أثناء تواجدها في لندن – أوائل شهر ديسمبر الحالي – رسالة من عواصم غربية مُفاداها أن محادثات مؤتمر جنيف / 2 ” قد لا تُفضي الى خروج الرئيس السوري من السلطة ” وأن عليها أن تنأى بنفسها عن الجماعات الإسلامية المتشددة التى تعمل لغير مصلحة قوى المعارضة الجادة..
بالتوازي مع هذا التفاؤل..
قامت الحكومة التركية بإلغاء إستضافتها لإجتماع كان من المفترض أن يجمع بين دبلوماسيين غربيين ( أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين ) وقيادات من الجبهة الإسلامية يوم 17 من الشهر الحالي في اسطنبول ” لأن أنقرة وباريس لا تريدان إضعاف الجيش السوري الحر “..
أفادت تقارير لمنظمة العفو الدولية أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف باسم ” داعش ” في سورية والذي هو على صلة قوية بتنظيم القاعدة ” يمارس إنتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ويفرض على سكان الرقة وحلب حالات إعتقال وإستبداد لا قبل لهم به !!..
هذا بينما قررت لندن وواشنطن تعليق مساعداتهما العسكرية للجيش الحر على أثر تليقهما لتقارير تؤكد أن ميليشيات إسلامية متطرفة استولت على مقار ومخازن سلاح تابعة له ، بالإضافة الى ‘حكام سيطرتها على معبر حدودي يمثل نقطة إرتكاز حيوية بين الجانبين السوري والتركي..
هذا التفاؤل وما تزامن معه من تراجعات على مستوى..
1 – العلاقة بين العواصم الغربية ومعها تركيا وبعض العواصم العربية من ناحية وقوى المعارضة السورية الجادة وكذا الجبهة الإسلامية والجماعات القتالية المتحدة معها من ناحية أخرى..
2 – وما عسكته الأوضاع الميدانية من تقدم ملحوظ لقوات الجيش السوري النظامي في محيط الأراضي التى كانت تسيطر عليها الأطراف المناوئة له بغض النظر عن تواجهاتها أيديولوجياتها..
يُبين بوضوح عمق الصراع بين جميع هذه الأطراف وتعدد نقاط الخلاف الجوهري فيما بينها وخشية العواصم الغربية بالذات من تنامي نفوذ الميليشيات الإسلامية المتطرفة التى تقاتل فوق الأراضي السورية وتنذر بنشر الفوضي وعدم الإستقرار ليس فقط في دول الجوار السوري ، ولكن على مستوى عدد من الدول الأوربية التي وضعت خطط مسقبة لكيفية التعامل مع العائدين من أبنائها الذين يقاتلون في صفوف الجماعات الإسلامية المتشددة..
ولنا فيما أوردته صحيفة الإندبندنت البريطانية في عدد 23 من الشهر الحالي خير دليل.. إذ نقلت عن ماري تريز وزيرة الأمن الداخلي أنها سحبت الجنسية من 37 بريطاني ” ثبت تورطهم في الحرب الأهلية السورية ” وأنها في سبيلها لإستكمال هذه الخطوة بعد أن ينتهي مكتب التحقيقات التابع للوزارة من ” تدقيقاته ” في كل ما يتعلق بملفات ما بين 40 و 240 مواطن بريطاني ثبت بالأدلة المادية أنهم يقاتلون في سورية ” طالما أن ذلك سيعود بالمصلحة العليا على الأمن البريطاني “..
أين طهران بثقلها الإقليمي من كل ذلك ؟؟..
أقول.. هي موجودة في القلب من هذه النقاط جميعاً كحقيقة وليس كظل..
وأضيف أنها العنصر الأكثر فاعلية الذي يعرف عقلاء الداخل والخارج أنه قادر مع آخرين على التأثير الإيجابي..
وأؤكد أنها جاهزة برؤية واضحة واعية ، للمساهمة بجدية في ترسيخ خطوات الحل السياسي الذي يصبو إليه المواطن السوري بعد ما يقرب من أربع سنوات من الإقتتال..
وبالرغم من ذلك لا زالت واشنطن وبعضاً من حلفائها الغربيون والعرب يتدالون حول حقها في المشاركة في مؤتمر جينف / 2 ، حتى أن الإجتماع التحضيري الذي عقد بجنيف مساء الجمعة 20 من الشهر الجاري لم يسفر عن إتفاق واضح حول هذا الأمر..
فبينما ترحب الأمم المتحدة بمشاركة عملية من جانب طهران ، ترى واشنطن أنها ستكون مشاركة غير صائبة..
الموقف الأمريكي من هذ الزاوية غير مبرر.. لماذا ؟؟..
لأن ما كشف عن فساد السياسة الأمريكية تجاه الجيش السوري الحر وما نجم عنها من تضخم حجم نفوذ جماعة النصرة وحلفائها على حساب ما يوصف بالقوي المعارضة الجادة ، يبدو أنه يقف حجر عثرة في طريق نجاح مؤتمر جنيف / 2 ومن ثم العبور بسورية الى مرحلة الأمن والإستقرار التى ينشدها الجميع..
ولأن ما كُشف من ضعف مستويات التوافق الدولي والإقليمي حول رؤية رشيدة تضمن عدم وقوع الوطن السوري بين فكي الجماعات الإسلامية المتطرفة التى حولت الأرض السورية الى ميدان للمواجهات التى لا تراعي مصلحة الغالبية العظمي من أبناء الشعب السوري ، يُنبأ بأن الأزمة السورية في مجموعها لم تقترب بعد من الحل السياسي..
ولأن الإعتراضات الشديدة الرافضة سواء من جانب عواصم غربية أو عربية متحالفة مع واشنطن لمطلب إشراك تنظيمات إسلامية في مفاوضات مؤتمر جنيف / 2 تحت إلحاح أن لها نفوذ على الأرض ، يعني أن فرص تشكيل وفد متماسك من الجبهة المعارضة للنظام الحاكم في دمشق أضعف مما كان متوقعاً..
لهذا..
يرى فريق من المراقبين الأوربيين أن فكرة إستبدال وجود وفد إيراني رسمي على مستوى الأطراف المشاركة في جينف / 2 بـعشرة خبراء يتواجدون ” خارج القاعة ” للإستفادة برأيهم وخبرتهم في ” تسهيل مسار المفاوضات ” بين الجانبين ، لن يحقق غرض ” التوصل الى إتفاق سياسي للأزمة السورية ” بنسبة كبيرة وربما أن يؤدي الى حلحلة القضية بعض الشيء وينقلها الى وضع أقل سوءاً..
طهران التى إستثمرت بشكل جيد مفردات إتفاقها المرحلي مع مجموعة 5 + 1 على المستويين الخليجي والعربي لتأكيد نواياها السلمية ، لا تبدو في هذا التوقيت متسرعة لأن تفرض نفسها على الأطراف المتداخلة في الملف السوري الساعية لتقريب وجهات النظر بين النظام الحاكم والمعارضة الجادة..
واذا كانت منظمة الأمم المتحدة كما قال الأخضر الإبراهيمي ترحب بدور لطهران في الوقت الراهن ولا تملك حيال رفض واشنطن وحلفائها لوضع هذا الدور موضع التنفيذ ، أي سبل.. فعليها إن لم تنجح الجولة التالية من جنيف / 2 أن تبادر الى إعلان أسباب ذلك على مستوى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة إبراءاً لمسؤوليتها الأخلاقية والسياسية تجاه الشعب السوري من ناحية والمجتمع الدولي من ناحية ثانية.. لأن جولة مفاوضات جنيف / 2 إن لم تشغل أملا في نهاية النفق المظلم ، فستزداد تعقيدات الملف السوري وهناك إحتمالات شبه مؤكدة أن تمتد ذراع الميليشيات الإسلامية المتطرفة الى دول الجوار القريبة والبعيدة..