الشاطر والغنوشي ……… مسألة جينات
رباب سعيد
أتابع ما يجري في تونس بمشاعر تغلب عليها الغيرة لا الحسد وأتأمل تطورات مشهدها السياسي مقارنة بنظيرة المصري فأجدني لا أملك سوي الدعاء لينعم علينا المولي بخروج أمن من طريق العنف إلي بر الوفاق كما أنعم علي الأشقاء التونسيين
أوقن طبعا أن الدعاء وحده لا يكفي وأن الأخذ بالأسباب سبيل لبلوغ الغاية ,لذا يتعين أولا التمعن في الحالة التونسية ,والبحث عن أجاباتأسئلة تساعد حتما في فهم المعضلات المصرية. السؤال الأهم لماذا اختارت حركة النهضة (الفرع التونسي للإخوان المسلمين) الإنحناءأمام العاصفة الشعبية بتقديم تنازلات ملموسة. أفضت إلي تشكيل حكومة مستقلين بدلا من حكومة النهضة وكتابة دستور جديد يحمي مدنية الدولة وعبور مأزق كاد أن يؤدي إلي اقتتال أهلي؟ بصيغة أخري ماذا يميز إخوان تونس عن إخوانهم المصريين؟
الإجابة ببساطة هي مسألة جينات إ بالطبع ليس المعنيالبيولوجي بل السياسي إنها تلك الخصائص التي اكتسبها زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وحرم منها القدر خيرت الشاطر ( الزعيم الحقيقي لإخوان المحروسة وليس الغلبان محمد بديع ولا الأكثر غلبا محمد مرسي)إ
تربي الغنوشي والشاطر علي فكر حسن البنا ومن قبله أخذا من تعاليم أبو الأعلي المودودي لكن ذلك حدث في بيئتين مختلفتين تماما وهنا لب المسألةإ
كلاهما في مصرفي صدر الشباب ميالاً للتيار الناصري ساعد الغنوشي علي ذلك وجوده في مصر للدراسة في جامعة القاهرة لمدة عامين قبل مغادرتها إلي دمشق وحصوله علي شهادة في الفلسفة عام 1968.. أنذاك كان الشاطر عضوا في منظمة الشباب الاشتراكيوهولم يغادر مدرسته الثانوية بعد إ أرادت مشيئة الله أن يرحل الغنوشي إلي أوروبا حيث تجول أولا بين فرنسا وألمانيا والنمسا ويوغوسلافيا وبلغاريا وتركيا ستة أشهر ثم أستقر لا ستكمال الدراسة في الجامعة الفرنسية الأشهر السربون بينما قدر للشاطر البقاء في مصر لدراسة الهندسة الإنشائية والخرسانية في جامعة الإسكندرية.
دامت فترة منفي الغنوشي قربة عشرين عاما أختار في بدايتها الطريق الذي لم يحد عنة حتي اليوم منذ قال عقب حرب يونيو 67 (انها الهزيمة التي تقدم الدعم اللازم للخطاب الأسلامي.. في أوروبا تعامل الرجل مع مجتمع مختلف. استفاد من تمدنه. وتحدث إلي أفراده بلغة يفهمونها … أرتاد ندواته الثقافية وأستمع إلي موسيقاه وتنزه فيحدائقه… تخرج أبناء وبنات الزعيم الإخواني في جامعات لندن وكامبريدج فأصبحت واحدة منهن متحدثة باسم النهضة في أوروبا وضيفة دائمة علي كبريات المحطات التليفزيونية بينما الإبنة الثانية كاتبة دائمة في صفحة الرأي بجريدة الجارديان إ
أنا لم أقابل الغنوشي ولكن اتتبع أخباره فأراه دائما محتفظا بإبتسامةحيادية تشبة تلك التي تعلو وجوه الإنجليز حين يتعرفون علي غريب ويتبعونها بعبارة نايس توميت يوإ تذكرت لحظتها مؤلفات الغنوشي التي ترجم معظمها إلي شتي اللغات باعتبارها تقدم وجها سمحا للإسلام مثل (حقوق المواطنة في الدولة الإسلامية )(ونحنو الغرب)(والحريات العامة في الدولة الإسلامية)…
أما الشاطر فقد أختار أن يكون رجل أعمال وتاجرا متعدد النشاطات… سافر إلي بريطانيا لدراسة الدكتوراه عام 1983,لكنه لم يكملها … أقام فترات مختلفة في اليمن والسعودية والأردن حكم عليه بالسجن عدة مرات حيث قضي في الزنازين قربة 12عاما في قضايا أبرزها قضية مليشيات الأزهر… من هنا تبدو المقارنة في غير صالح الشاطر الذي ظل أسير سجنه الحقيقي المتمثل في فقره الإبداعي ونشاطه السري وعالمه الضيق وتعامله مع السياسة بطريقة التاجر الجشع وليس رجل الدولة إ
ظهر الفرق جليا حين وصل الإخوان إلي الحكم في تونس ثم مصر في البداية لمع بريق السلطة في عيون الغنوشي والشاطر فمارسا سياسة التمكين وإقصاء الأخرين لكن الغنوشي استخدم دهاء السياسي فناور كثيرا وعندما أيقن أن غضب الشعب سينقلب ويالا علي جماعته تجرع السم ورضح لمطلب حل حكومة النهضة مراهنا علي المستقبل أما الشاطر فقد أختار طريقة فتوات الحارة مبرهنا علي أنه لا يملك من اسمه أي نصيب ربما كان معذورا بعدما وجد نفسه يحكم المحروسة من وراء ستار وتقدم له تقارير يومية تتعلق بالأمن القومي فقدم بدوره أمثلة عديدة علي غشوميته أبرزها أثناء اللقاء الذي عقد يطلب من رئيس مجلس الشعب أنذاك سعد الكتاتني وجمع الشاطر مع الفريق أول عبد الفتاح السيسي قبل مظاهرات 30يونيو بأيام قليلة حيث ظل الشاطر يتحدث 45 دقيقة مهددا ومتوعدا بأعمال إرهابية في سيناء والوادي بواسطة جماعات اسلامية لا يستطيع السيطرة عليها ما جعل السيسي ينفجر قائلا انتم عايزين تحكمونا يا تموتونا؟
لم يخجل الشاطر من علاقة جماعته بالتنظيمات الأرهابية وهو ما كشفته الوثائق التي نشرتها (جريدة الوطن) مؤخرا فيما لم يثبت أن جماعة الغنوشي في تونس اقتربت من تلك التنظيمات ..
ألم أقل إنها مسألة جينات؟