التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, نوفمبر 21, 2024

عيـد الحــب.. قــراءة ثقـافيــة 

أدباء يحتفلون بيوم (الفالنتاين)
 
بغداد – صفاء ذياب
لم يكن القديس “فالنتاين” يعلم أنه حين يضحي بحياته سيعلن أول يوم للحب في التاريخ، وأن ما فعله سيكون تقليداً لكل من يدقُّ قلبه محبة وعشقاً وطلباً للسلام. هكذا تحول الموت لطيور حمراء تطلق كل عام في يوم القديس”فالنتاين” الموافق غدا الجمعة 14شباط، وهو ما نتمناه جميعاً، نحن مواطنو هذا البلد الذي تعب من الموت والطريق المجهول الذي نمشي فيه من دون أن نعرف نهايته. فهل ستتحول آلامنا إلى أعياد للحب، مثلما فعلها فالنتاين؟ وكيف سنقرأ عيد الحب هذا قراءة ثقافية، فأغلب الناس تؤكد أن الثقافة محبة، وأن الحب ثقافة روحية قبل أن يكون لقاءً بين قلبين يهيمان ببعضهما. في استطلاعنا هذا نحاول أن نقف على عيد الحب ثقافياً، كيف يقرؤه أدباؤنا، وكيف يمكن أن نعيشه لنهرب من ملامح يومنا القاسية. 
أعياد الإنسان..أعياد الطائفة
الناقد السينمائي أحمد ثامر جهاد، الذي يوافق عيد ميلاده مع عيد الحب، يقول إنه كان للحب يومه المتفرد. طقس حضاري عالمي له غواية خاصة ودلالة شفيفة، وربما الأهم أن لهذا العيد طاقة استفزاز كافية لإثارة حفيظة غير القادرين على الحب في أيما مكان من عالمنا العربي.
ويضيف جهاد مستذكراً “أن العالم الذي يعيش ابتهاجاته بشكل طبيعي، كان متفاجئاً قبل سنوات من قدرة نفر من الشباب العراقي على الاحتفال بـ(الفالنتاين) وسط بغداد، فيما دخان الموت يتصاعد هنا وهناك. موت مروّع ليس بعيداً عن شعلة الحب الحمراء التي أراد بعض الشباب إذكاء لهيبها في قلوبنا الموجوعة”.مشيراً إلى أنه لم يعد في المجتمع العراقي اليوم، تقليد ثقافي أو اجتماعي راسخ يمكن الركون إليه أو الاحتماء ببهجته. وربما لم يكن فعلنا المدني، يوماً ما، على قدر من الرسوخ والتجذر قياساً ببلدان عربية أخرى. يمكن القول إن الممارسة المدنية ارتحلت، مرغمة، من المجال العام إلى المجال الخاص. من الشارع إلى المنزل. من قدرة الجهر بها إلى التستر عليها. في مقابل ذلك، اتسعت أعياد الطائفة، وتمددت في الفضاء الاجتماعي العام، مزيحة كل ما لا يتوافق مع نسقها الحزين وحسها الفجائعي بالحياة. “لكن على الرغم من ذلك، ثمة بيننا من هو قادر على الاحتفاء بالإنسان، منزوعاً من كل توصيفاته المنحازة، إيماناً بآدميته لا غير. وعلى كثرة السكاكين التي تنحر أجساد الفرحين في غير مكان من وطننا هذا، ثمة من يجمع الآن الزهرات الحمر، ليؤلف منها باقة للحب أنيقة. تلك اليد الطيبة ستبقى مصرّة على التعبير عن شغفها الإنساني، طالما ما زال بيننا من هو قادر على أن يحب”.
فلاحو الفرح
من جانبه أعلن الشاعر مروان عادل حمزة على صفحته في الفيسبوك أن عيد الحب سيكون اليوم الرسمي لطرد الطائفية والطائفيين من حياته ودعا الجميع ليحذوا حذوه. 
وفي الوقت نفسه يقول حمزة إنه “ممن يتهيّؤون لهذه المناسبة قبل شهور, أحضّر لها ألوانها وطقوسها. ألوّن بيتي وضحكتي, وأصدّر فكرتها للجميع, وفي معهد المعلمين الذي أُدرّس فيه اقترحت على زملائي في التدريس قبل أسبوع أن يختار كل واحد منهم زميلة أو حتى زميلاً يقدّم له هدية في عيد الحب, فرحّب كلهم تقريباً وفرحوا بالفكرة، واتفقنا على أن نكون كلنا فلاحي فرح نزرع الابتسامة في قلوب من
حولنا”.
لكن حمزة، في الوقت نفسه، يختنق وهو يرى العالم يبتكر أعياداً لمسرات تولّد مسرّات! أعياداً تؤسّس لاحترام حياتهم وتفصيلاتها. بينما نقبع نحن في زوايانا نبتكر مناسبات للعويل! عويل ينتج عويلاً! نحفر في التاريخ ننقّب عن أسباب سوداء” نُسخّم” بها أيامنا وأيام أطفالنا؛ على حدِّ قوله.
مضيفاً أن الحب هو الذي انفرط من بين أصابعنا المتنافرة، أصابعنا التي صارت بعضها يكره بعضها، أصابعنا السوداء ببصماتها التي ترسم خرائط أحزاننا. من هذا المنطلق يدعو حمزة المثقّفين بكل صنوفهم، أن يعدوا هذه المناسبة مناسبة مقدّسة، وأن لا يجعلوها تبدو وكأنها مناسبة للمراهقين كما يروّج الجهلة. “دعونا ندافع عن أحلامنا، عن سعاداتنا، عن كرامتنا. الإنسان محبة، قلب الإنسان حب. وإلا فإنه مجرد ما يتركه السوداويون من ظلام”. 
ثقافة المحبة
ويتساءل الروائي سعد سعيد جواباً عن سؤالنا: هل المحبة ثقافة؟ “كان بإمكاني أن أرد لو لم يكن تعريف الثقافة نفسها، غامضاً وشديد التعقيد. ولكنني أؤمن بأن المحبة أسلوب حياة راقٍ. المحبة جزء مهم جداً من الحضارة التي تمثّل قمة ما أراده الإنسان عندما هجر فرديته واتجه إلى تكوين المجتمعات، بل لعلِّي أستطيع أن أضيف بأن المحبة دين، ومن لم يستطع أن يحب فلا دين له”. مضيفاً: إن كانت محبة الآخرين ثقافة، فإن العشق لا بد وأن يكون قمة تلك الثقافة الراقية. وهذا بالضبط ما دعا الغرب المتقدم إلى تكريس يوم للعشق كان رمزه القديس (فالنتاين)، وإذ نرى زحف هذه المفاهيم إلى مجتمعاتنا، فـ”أنا أعجب لموقف البعض السلبي من هذا الأمر، ولهم أقول.. هي ثقافة الأقوى والتأثر بها أمر محتوم، وإن شئتم أن ترفضوها فقد كان لزاماً عليكم أن تكونوا أقوى، لتفرضوا عليهم ما شئتم من مفاهيم، ولكنكم لستم كذلك، فعلى الأقل شجعوا شبابنا على اقتباس القيم الإيجابية الصحيحة”.
جسور ثقافية
ويتحدث الشاعر مكي الربيعي عن المحبة باعتبارها أصلاً للثقافة، فـ”بما أن الثقافة محبة، قبل أن تكون درساً معرفياً، وقبل أن يكون لتداولها مفهوم يرتبط بالوعي الجمعي، فهي بفطرتها تمضي نحو تلمس طريقها إلى القلوب. إذ من الصعوبة بمكان أن يتقبلها الآخر، ما لم تكن تحمل بيدها وردة، وقبلة، وقلباً مليئاً بالجمال”. مشيراً إلى أن المحبة أشبه ما تكون بخربشات بيض، أقفاصها مفتوحة على فضاء شاسع، وطفولة تطلق الحمام. إذن “لا يمكن للثقافة أن تعيش، من دون أن يكون للحبِ حضورٌ فيها على أساس ما تقدم، يمكن أن نقرأ عيد الحب، بطريقة غير تلك التي اعتاد الناس على تداولها، كمناسبة تعبر عن ارتباط بين قلبين وحملة زهور يحثون الخطى للوصول إلى حبيباتهم”. ويعد مكي الحب؛ ثقافياً، شيئاً أعمَّ وأشمل وأكبر من أن يُختصر بين قوسين. فهو يعني الإنسان بكامل طاقته الكامنة غير المكتشفة، والخيال الممتد من أقصى القارَّة إلى أقصاها، وهو الجسر الموصل بين حقيقتين يحاول السواد تغييبها”.
بانتظار الحب
لكن الشاعرة صابرين كاظم لم يكن لديها تعليق عن عيد الحب، “ليس خلال هذه الفترة بالنسبة لي. أتمنى لو كنت أتوفر على شيء يصلني به لأخبرك عنه، لكنه مؤجل الآن. ربما الحياة هنا حادَّة وقاطعة وكأن الوقت يقطِّعنا إلى أشلاء مثلما يفعل المكان وأهله. يبدو أن الحب مؤجل ولن يحصل لأنه يتطلب ما ليس فينا وﻻ أحد تعالى ليصله”.
كل أيامنا محبة
التشكيلي والشاعر عمار بن حاتم يعتقد أن الإنسان إذا ما وقع بالحب أصبحت أيامه كلها أعياداً. وهكذا “يقول البعض إن الحب لا يحتاج إلى عيد للاحتفال به، وربما يكون عيد الحب في الأصل مناسبة دينية، لكنها تحولت مثلما يعلم الجميع إلى مناسبة لإشاعة ثقافة المحبة والسلام كرد فعل ضد الكراهية والحقد والتعصب. وقد استمر الاحتفال بهذه المناسبة لسنوات طويلة كعيد لإشاعة الحب وهو يحمل بصمة إنسانية لا دينية. لكن منذ بضعة سنوات ظهرت بعض الأفكار التي كان يطلقها الجهلة تعارض الاحتفال بهذا العيد نتيجة انعدام الثقافة واتخاذ الدين ذريعة لمحاربة الاحتفالات بهذا العيد الذي نحتاجه فعلاً في أيامنا هذه”. ويرى بن حاتم أن ثقافة الحب وإشاعة مفاهيم المحبة والتسامح ضرورية لإعادة التوازن لهذا العالم المجنون الذي أصبح يغصُّ بالأحقاد والشر والضغينة، وهي مسؤولية المثقف. فالحب قد لا يكون بالضرورة بين شخصين، بل قد يكون علاقة مقدسة تربط الإنسان بجميع من حوله. ويتمنى بن حاتم أن يرى الجميع يحتفل بمثل هذا اليوم بالحب، وأن يرى أعياداً حقيقية واحتفالات كبيرة وأمسيات شعرية وقصائد يكتبها الشعراء، احتفالاً بهذا العيد. و”حقيقة أنا أشعر بالسعادة عندما أستمع لأغنية تتغنى بعيد الحب أو أقرأ قصيدة مكتوبة لأجل هذا العيد أو أرى عشاقاً يحتفلون بهذا العيد”.

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق