رفض الإعتراف بيهودية دولة إسرائيل ، سلاح شديد التأثير !! ..
الدكتور حسن عبد ربه المصري * لاحظ المراقبون الدوليون ان وزير خارجية أمريكا تبنى بلا تحفظ ولا روية مطلب دولة إسرائيل الإحتلالية العنصرية الذي يربط ” اطار اتفاق ” التفاوض حول السلام بينها وبين الشعب الفلسطينيى بـ ” حتمية الإعتراف” بأنها ” دولة لليهود فقط ” لكي يستكمل مشروع السلام بينهما خطواته التحضيرية .. ولاحظوا أيضا أنه تولى نيابة عنها الترويج لهذا المطلب بين حلفاء واشنطن الغربيون وأصدقاؤها من العرب .. هذا التبني لم يبدأ من فراغ ، بل ترتب على تنسيق وتوزيع للأدوار بين أطراف معددة .. فمن ناحية بدأت آلة الإعلام الإسرائيلي الجهنمية في تشكيل هجمات ثقيلة بكل الوسائل تتهم الفلسطينيون بانهم ” يزورون التاريخ ” لكي يدللوا على أحقيتهم في أن يكون لهم مكان فوق أرض ” كنعان ” .. ونشروا الكثير من التقارير التي تصفهم بانهم ليسوا من سلالة كنعان ولا هم من اليبوسيين ولا حتى من أبناء الفلسطينيين القدماء !! وذلك بغية التوصل في نهاية المطاف الى أنهم لم يسكنوا أرض ” كنعان / فلسطين ” قبل الفتح الإسلامي لإقليم الشام .. اللافت للنظر أن بعض مراكز الدراسات الغربية ، والأمريكية على وجه التحديد ، تبنت هذه الأفكار المرسلة غير الموثقة تاريخياً وبدأت تنشرها وتؤكد صحتها لكي تبلور للرأي العام الأوروبي بصفة خاصة ، أن ” أجداد الجيل الفلسطيني ” الذي سكن هذه الأراضي في العصر الحديث جاءوا إليها مع قوات الفتح الإسلامي واقاموا فيها الى جانب سكانها اليهود الأصليين الذين كانوا يشكلون الأكثرية العددية منذ نحو ثلاثة الآف عام .. وتمثلت الناحية الثانية ، في تبني مؤسسات صنع القرار والمراكز البحثية في واشنطن ونيويورك لهذه الخلاصات المكذوبة .. حيث عملت منذ أكثر من عام على نشر مجموعات متتالية من البحوث والدراسات غير العلمية التي توصي بتبني فكرة ” الإعتراف بيهودية دولة إسرائيل ” خدمة لمشاريع السلام في المنطقة ، بغض النظر عما تمتلأ به مستندات وزراة الخارجية البريطانية ومنظمة الأمم المتحدة من إحصاءات رسمية يرجع تاريخها الى ما قبل إصدار وعد بيلفور عام 1917 وتؤكد أن اليهود كانوا يمثلون فقط 5% من سكان فلسطين ” تحت الإنتداب البريطاني أما بقية سكانها فكانوا من المسلمين والمسيحين العرب .. من هنا جاء تبني جون كيري لهذه الدعوة .. ومن هنا يمكن ان نتفهم حرصه على الدعوة إليها في كل محفل شارك فيه ، وإصراره على أن يفرد لها جانباً من محادثاته بعمان مع الملك عبد الله الثاني في اوائل شهر يناير الماضي ضمن القضايا الأخرى التي تناولها ، بعد أن أعلن الرئيس الفلسطيني رفضه لها .. جُوبه كيري برفض أردني صريح وواضح لأمرين على جانب كبير من الأهمية .. الأول رفض أي تواجد إسرائيلي بالقرب من نهر الأردن ، لأنه أمر يتعلق بالسيادة الأردنية على منطقة الأغوار والنهر حيث تمثل المنطقة حدوداً مشتركة مع دولة فلسطين المزمع إنشاؤها ، والثاني رفض الإقرار بيهودية دولة إسرائيل ، لأنها تخالف المنطق والتاريخ وحقوق الشعب الفلسطينى .. أمريكا تسعى لدور أردني في مرحلة ما بعد الإعلان عن ” إطار الاتفاق ” بين الجانبين الفلسطينيي والإسرائيلي لصلة عمان المباشرة بجميع الملفات الشائكة التي ستتضمنها جلسات التفاوض التي ستنتظم بينهما وفق الجدول الزمني الذي سيوضع لتفعيل بنود الإطار .. فهي طرف أصيل في معظم ما يتعلق بالحدود التي ستجمع بين الدول الثلاث ، وهي طرف فاعل فيما يتعلق بكافة ملفات الأمن الحالية والمستقبلية ، وهي التي تشرف منذ عقود على مقدسات مدينة القدس العربية ، وكذا ملف اللاجئون وتعويضاتهم والنهر والوادي .. الخ .. الرفض الأردني لتواجد قوات إسرائيلية في منطقة الأغوار لهدف السيطرة عليها أمنياً لمدة تترواح بين 5 أو 3 سنوات يرتكز على مبادئ السيادة الشرعية للدولة ، ولم يزعزعه ما قاله كيري عن موافقة مسبقة من جانب أبو مازن لمثل هذا الحل المرحلي .. اما رفض الموافقة على يهودية دولة إسرائيل فنابع من مبادئ القانون الدولي التي لا يوجد فيها نص يبيح قيام دول ما على أسس دينية او مذهبية ، لذلك سارعت مؤسسات الدولة الى إعلان تأييدها ودعمها له .. وزير الخارجية ناصر جودة أعلن تعقيباً على زيارة كيري أمام مجلس النواب رفض بلاده المطلق ” لأن تصبح إسرائيل دولة يهودية ” وتمسكها حكومة وشعبا بحق الشعب الفلسطيني في تأسيس دولته المستقلة ذات السيادة .. وجاء بيان المجلس مكملاً لهذا التصريح حيث أكد على الثوابت الأردنية حيال القضية الفلسطينية والرفض الصريح لمبدأ يهودية دولة الإحتلال والعنصرية .. دعوة كيري لا تتصادم مع حقائق التاريخ والجغرافيا بل تتعارض مع مبادئ القانون الدولي ، كيف ؟؟ .. لأن المؤسسات القانونية الدولية توافقت منذ نحو 20 عاما على القانون الإسرائيلي الذي صدر في ذاك الوقت مؤكداً على ” ديموقراطية ” الدولة .. الأمر الذي يعترف بدورها في حماية والدفاع عن كيانها وتواجدها وحقها في تأمين شعبها ” وفق الأطر والمبادئ الديموقراطية ” التي تمنح الحقوق المتساوية لكل مواطن يعيش على ارضها ” بغض النظر عن لونه أو جنسه أو دينه ” .. علينا ان نشير هنا أن هذا التوافق حول ذاك القانون جاء بعد أن كشفت بعض التقارير الحقوقية الدولية عن تعنتها تجاه مواطنيها من غير اليهود وإجحافها بحقوقهم الإنسانية وتغاضيها عما يتعرضون له من إرهاب وسخرة وتهميش وترويع وحرمان من أبسط متطلبات الحياة الكريمة على يد اجهزتها الأمنية والسياسية ، وما يعانونه من عنصرية في التعليم والعلاج وتدني فرص العمل والعيش الكريم على يد مجتمعها المدني ، وموقف حكوماتها ” السلبي ” حيال هذه الأنتهاكات التي تضعها ضمن الدول الأشد إضراراً ” بحقوق مواطنيها في الحياة ” .. لذلك بادرت بعض المؤسسات الحقوقية الأوربية الى تفنيد دعاوى ” يهودية دولة إسرائيل ” من منطلق أنها تهدم تطور مجتمعها المدني الإيجابي من ناحية وتقضي على التساوي في الحقوق والواجبات بين مواطنيها خاصة من غير اليهود من ناحية ثانية ، ويُسقط عنها صفة الديموقراطية من ناحية ثالثة خاصة بعد أن أقرـ مؤخراً خطة للتعليم ترتكز فقط على تعزيز مفهوم دولة اليهود القومية لدى تلاميذ مدارسها .. لم تهتم مراكز البحوث السياسية الأمركية بتراجع دولة إسرائيل على مؤشر الأداء الديموقراطي الدولي كما لم تهتم به الإدراة الامريكية ووزير خارجيتها .. لأن جل تركيزهم جميعاً كان ترسيخ “يهودية الدولة ” الذي يمنحها الحق في تقنين مخططات التخلص من مواطنيها غير اليهود ، ويفتح لها المجال لجلب نحو أربعة ملايين يهودي لتعزيز نسبة اليهود المقيمين فوق الأراضي التي اغتصبتها من الفلسطينيون سكانها الأصليين .. أقول عن إيمان ويقين .. لن تتمكن دولة الاحتلال والعنصرية من فرض إرادتها على الشعب الفلسطينيى لكي يعترف لها ” بيهوديتها المزعومة” .. و لن تتمكن حكومة نتنياهو من انتزاع إعتراف بهذه ” الفرية ” من عمان أو من القاهرة أو من غيرهما .. لذلك .. علينا أن نضم جهودنا الى جانب إخواننا من الفلسطييين لتعزيز مبدأ رفض هذه الدعوة عالمياً وخاصة على مستوى الحكومات المناهضة للعنصرية وللإحتلال .. لأن هذا الرفض يُعد من أقوي أسلحة المقاومة السلمية خاصة بعد أن نجح ناشطون فلسيطنيون داخل الخط الأخضر وعلى مستوى الضفة والقطاع في محاربة دولة إسرائيل بنوع جديد من الأسلحة الفعالة مثل إعادة ترميم المباني التي تقوم سلطات الإحتلال بهدمها أو بتخريب أراضيها الزراعية ومصادر ماؤها .. وكذا بتوسيع نطاق الحملة الدولية لمقاطعتها على المستوى الأكاديمي والتجاري والنقابي وفي بعض الأحيان الإستثماري والإنتاجي .. ولأنه سيعزز من مساحات كشف زيف النظام العنصري الذي يحكمها ، فهو ليس بالديموقراطي ولا بالذي يراعي حقوق الإنسان ولا الذي يعترف بالتعددية الثقافية .. ولأنه سيمنح القوة والمساندة الإيجابية للجانب الفلسطيني المفاوض ، حتى لا تنفرد به قوى البغي لكي يستجيب لهذه الدعوة التي ستحرم شعبه من حق الحياة ..
|