إزاحة بندر وحدود القرار الأميركي
غالب قنديل
يعيش كثير من المحللين تحت وطأة ترقب انقلاب اميركي افتراضي يقود التحول من استعمال القاعدة إلى محاربتها نتيجة الخوف من ارتدادات هزيمتها في سوريا وفي السياق وردت بعد إزاحة بندر بن سلطان مثل هذه التوقعات الواهمة عن انقلاب الدور الإقليمي للنظام السعودي واستدارته من إشعال الحرائق إلى إخمادها والانضمام إلى جبهة مكافحة الإرهاب .
أولا كان تعيين بندر رئيسا للمخابرات السعودية قرارا اميركيا اتخذه ديفيد بيترايوس حين كان مديرا لوكالة المخابرات الأميركية وبعد يومين من زيارته الخاطفة للمملكة صدر الأمر بالتعيين وتم عزل الأمير مقرن عن رئاسة المخابرات ومما لاشك فيه ان القرار كان إيذانا بانتقال الحرب الأميركية على سوريا إلى مرحلة حشد فصائل القاعدة واستعمالها بأقصى درجة ممكنة ومدها بالسلاح والمال السعودي سواء عبر القنوات الحكومية أم من خلال الجميعات والمرجعيات التي أفلح بندر في تكوينها وتصديرها كجبهة إسناد للقاعدة منذ أيام إقامته في واشنطن وتزعمه لآلة الجهاد الأفغاني بقيادة بن لادن في ثمانينات القرن الماضي.
الخطط التي وضعها بندر كقائد تنفيذي لحلف العدوان الذي تتزعمه الولايات المتحدة وتشارك فيه دول الناتو وتركيا وقطر والسعودية منيت جميعها بالفشل وشرعت تلوح مخاطر جدية نتيجة ارتدادات الهزائم نحو البلدان المصدرة للإرهابيين في الغرب والشرق وهو ما طرح مشكلة تشغل اهتمام العديد من الحكومات المتورطة في العدوان على سوريا والهلعة من نتائج فشله وعودة الإرهابيين إليها مزودين بخبرة قتالية وبأنماط مركبة من التنظيم يصعب النيل منها بعد تمكنها وفي المقدمة تبدو المملكة السعودية اول الواجفين من هذا الخطر خصوصا وأن الذين أوفدتهم وسهلت لهم الهجرة إلى سوريا يعدون بالآلاف .
ثانيا قاومت الولايات المتحدة جميع مساعي روسيا وإيرن وسوريا بجعل مكافحة الإرهاب أولوية مشتركة بين المحورين الدوليين المتقابلين ورفضت واشنطن بكل صفاقة تثبيت هذه الأولوية في جنيف ونبذت فكرة الاتحاد ضد الإرهاب التي اقترحها وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف وخالفت بذلك جميع توقعات المتفائلين فذهبت إلى غسل صورة فصائل الإرهاب والتكفير السورية ومتعددة الجنسيات التي تجمعت في إطار جبهة النصرة القاعدية التي رفع اسم زعيمها من لوائح الإرهاب يوم امس بالذات والجبهة الإسلامية التي جاهر جون كيري باعتبارها تنظيما غير إرهابي وقد تغزل مجلس العلاقات الخارجية الأميركية بزعيمها أبي خالد السوري المقتول أمس أيضا في حلب وهو كان موفدا شخصيا لأيمن الظواهري زعيم القاعدة وبذلك تبنت واشنطن حلفا إرهابيا يضم القاعدة وتنظيم الأخوان المسلمين وتجمعات الإرهابيين والمرتزقة التي تشكلت حولهما .
إزاحة بندر وتفويض محمد بن نايف عملية لا تلغي تبني القاعدة والأخوان ودعمهما كأدة للعدوان وهي تتزامن مع مشروع الشريط الحدودي الإسرائيلي الذي تدعمه السعودية وترعاه الولايات المتحدة وهذا المشروع يتطلب رعاية التشكيلات المتبقية تحت يافطة ما يسمى بالجيش الحر وحماية أمن إسرائيل وهو الطريق لرسم خارطة استنزاف طويل الأمد للدولة السورية انطلاقا من جبهة الجولان .
ثالثا تتركز غاية تقديم بن نايف على أبناء عمومته في معادلات الداخل السعودي ومستقبل الحكم هناك والتحسب الوقائي لأخطار ارتداد جماعات القاعدة التي تخرج عن السيطرة ( مثل داعش ) على أمن النظام السعودي هو الحافز الأهم في ذلك وهذا هو الاختصاص الممتاز لمحمد بن نايف الذي لا يلغي سكة تشغيل القاعدة في الخارج طالما أمر العمليات الأميركي مستمر وهو لن يتبدل إلا حين ترغم الولايات المتحدة على الإقرار بالفشل والهزيمة وحين تسقط مناوراتها للتهرب من مبدأ الشراكة الدولية الندية مع قوى العالم الصاعدة بزعامة روسيا بعد انهيار الهيمنة الأحادية .
الإدارة الأميركية في الطريق إلى ذلك المآل المحتوم ما تزال تختبر وحلفاءها اوهاما كثيرة في سوريا واوكرانيا وبصدد مستقبل مكانة إيران ودورها ويقينا لن ترغم على الاعتراف بالهزيمة إلا عبر تقدم الدولة السورية وحلفاءها في طريق تصفية ادوات العدوان وتفكيك بعضها بالمصالحات السورية ومع تعاظم خطر الارتداد القاعدي على الأمن الأميركي مباشرة.