التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

استطلاع في الميدان الثقافي الجامعي 

قد يبدو غريبا مثل هذا العنوان لأول وهلة .. إذ  أن مجرد ذكر هذا المحفل المهم والكبير: (الجامعة ) ، حتى يتبادر الى الذهن تلك الواحة الشاسعة من العلم والمعرفة وتلك الأسماء اللامعة التي أطلّت من بين ممراتها الى  أجواء العالم الأرحب ،  كرموز أو نجوم في سماء هذا البلد الذي صنع أول حرف وأسس أول مكتبة في تاريخ البشرية كلها .. ولكن هل الحال كما يتبادر الى الذهن ؟ أو كما يتصور البعض ممن هم خارج هذه الأجواء الجامعية .. أو غيرهم ، ممن لا يملك فكرة واضحة عن المستوى الثقافي لدى طلابنا الجامعيين  ؟ ومن أجل معرفة حقيقة ذلك ، كنا قريبين من أهل الشأن والاختصاص وطلاب ذلك الوسط المعرفي أيضا.
يستهل استطلاعنا هذا ، ا. د ابراهيم العلاف ( أستاذ أكاديمي ورئيس اتحاد كتاب الانترنت العراقيين )، حيث يقول :الثقافة مسألة مهمة لطلبة الجامعات باعتبارهم أدوات تنويرية في المجتمع ، أو هكذا يراد لهم، والثقافة ميدان واسع يدخل فيه الأدب والفن والفكر والفلسفة والاقتصاد والاجتماع وحتى طريقة التحليل وطريقة التفكير والموقف من الكون والحياة والمجتمع …واسمح لي أن أقول بأنني لا أتصور طالبا مثقفا رجعيا ..الطالب الجامعي لابد أن يكون تقدميا متنورا متفائلا مؤمنا بفكرتي التقدم والحرية ..وللأسف الشديد فأنني وبعد 43 سنة قضيتها في الجامعة ؛ أجد الوضع الثقافي للطلبة ليس كما يجب ، فالطلبة متشبثون بالمقرر والكتاب المنهجي،  والأستاذ لا يستطيع أن يزيد على ذلك سطرا واحدا ..في الستينات من القرن الماضي كنتٌ طالبا في جامعة بغداد وكان الأستاذ يركز على أن نتعلم التفكير الصحيح ، والتحليل الصحيح وينصحنا أن نقرأ الفلسفة التي توسع مداركنا ..الذي يقرأ الفلسفة يرى الغابة ، والذي لا يقرأ الفلسفة لا يرى إلا الشجرة ..كان يطلب منا أن نقرأ شعرا ، ورواية ، ونقدا ، وكان يحسسنا بقيمة الفن التشكيلي والفن السينمائي والمسرحي ..كان يطلب منا أن نعرف من هو طه حسين والعقاد ويوسف إدريس وفائق حسن ويوسف العاني ومدني صالح ومصطفى جمال الدين ومصطفى جواد والوردي وصادق جلال العظم ونزار قباني وبابلو نيرودا وهمنغواي وسارتر وماركس وكامو ..أين طلبتنا اليوم من المشهد الثقافي العراقي والعربي والاجتماعي ؟ ..أنا حزين جدا فالوضع لا يسر،  وحتى اليوم هناك من لا يعرف استخدام الانترنت ولا يعرف كيف يستخدمه بالشكل الصحيح والمفيد ، وأحزن عندما أرى تعليقات البعض من طلبتنا في الفيسبوك ، فمعظمها سطحية ومليئة بالأخطاء النحوية والإملائية والمطبعية … وعن رؤيته في الحلول والتصورات لهكذا قضية ، يعتقد الدكتور العلاف :   نحن بحاجة إلى حركة واسعة وحملة وطنية كبرى من أجل القراءة الجادة المبرمجة الدقيقة ، وتعويد طلبتنا على الاطلاع وتنمية الذهن وتوسيع المدارك وتكوين المواقف الصحيحة من الحياة والإسهام الفاعل في تغيير المجتمع ، فطلبتنا هم أداة التغيير نحو الأفضل ، والذي لا يؤمن بالتغيير مصيره التعفن لا محالة .
أما الدكتور فهمي الصالح ( كاتب وأستاذ جامعي ) ، فقد أوجز كثيرا  أسباب انخفاض المستوى الثقافي لدى طلاب الجامعات ،  وكأن الصورة بعكس ذلك ؛ هي جزء من الحل الذي يعتقده ، إذ يشير إلى أن  :  صعوبة الحياة جعلت من المستوى الثقافي للطلاب محدود الأثر ، وكثرة ارتباكات التعليم والعطل وغياب الفعاليات غير التقليدية ، وعدم اشتراك المثقفين والأدباء مع الوسط الجامعي ، واستضافتهم والاستماع لتجاربهم. ويضيف قائلا : القائمون على المؤسسة الثقافية في الوزارة اعتادوا الروتين والنمطية – وهذا أيضا قد حجّم جهد الثقافة ، كما وأن الوضع الأمني ، أكبر مهدد للنشاطين الثقافي والتعليمي.
وللطلبة الجامعيين من الشعراء والكتاب ؛ رأيهم أيضا في هذه القضية المفتوحة للنقاش ، حيث لم يكن الانطباع العام لديهم بأفضل من أساتذتهم ، بل ربما كان أكثر حدّة وأسفا ، وفي هذا الصدد يعبّر الشاعر علي عبد الزهرة ، عن رأيه قائلا: يؤسفني أن أقول بأنه موجع ومفجع وكارثي..  لا فكر ، وعجز تام عن طرح أسئلة جادة , أو حتى صياغة جمل مفيدة !! .. كائنات تعيش في التاريخ ولا تشعر بأن لها علاقة بزمننا الراهن . ! ويرى (علي ) بأن الحل يبدأ عندما ندع العقل يتحرر , ويسأل , ويبحث عن أجوبة . ونرتقي عندما نحطّم الأقفال الموضوعة على أبواب العقول , وأن  نكون شجعاناً , لأن الثقافة شجاعة. 
ويختتم نوفل الفضل ( قاص وكاتب مسرحي )، هذا الجزء من استطلاعنا معتقدا بأن نسبة المثقفين لا تتجاوز 5%من مجموع الطلاب في الجامعات العراقية ، والأدهى والأمرّ في الموضوع ؛ أن معظمهم لا يكترثون حتى لتخصصاتهم ولأسباب طويلة وعريضة منها ، الوضع الأمني المتدهور، كذلكً هيمنة وسائل التكنولوجيا مثل الهاتف والفيس بوك وغيرها عديدة ، حيث ابتعد الطالب كلّ البعد عن المطالعة التي هي أساس الثقافة ، يضاف الى ذلك ، أننا لا نمتلك إعلاما ذكيا ومتطورا ، فهو مسلط فقط على السياسة والبرامج الفكاهية وما شابهها. ويرى نوفل الفضل بأن ابتكار أساليب الترغيب وإشعال روح المنافسة بين الطلبة ، وكذلك إقامة المسابقات وإعطاء الطالب المتميز حقه وتسليط الإعلام عليه وماشابه ، كل ذلك قد يكون مدخلا أوليا ومهما في طريق طويل ، من أجل تحقيق الهدف الثقافي وتطويره في الأجواء الجامعية لدينا.

 
 
طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق