قطر والسعودية.. ورسل الانفطار الوشيك
فيما يرى بعض المتابعين للعلاقات الخليجية ان الازمة التي عصفت بين دول الخليج الأربعة قد ولدت نقطة لا عودة لما سبق، وقد تبدد أحلام السعودية في التوحد الأمني والاقتصادي والسياسي فيما بينها، يرى البعض الاخر ان هذه الازمة قد تندرج في باب الخلاف العابر، وان الأساس والروابط الخليجية هي أكبر من ان تتأثر بالأزمات الطارئة نتيجة لاختلاف عابر في وجهات النظر.
من وجه نظر أخرى، ولإحداث عملية توازن بين وجهتي النظر السابقتين، من دون ان تكون هناك مبالغة في الامرين معاً، يمكن القول ان ما حدث من ازمة سياسية استدعت السعودية والبحرين والامارات الى سحب سفرائها من قطر، في خطوة جماعية غير مسبوقة، إضافة الى دراسة إمكانية الحاقها بخطوات أخرى، قد أحدثت شرخاً في العلاقات الخليجية، وان الاصطفاف والتكتل بين دول الخليج، الذي كان سابقاً غير ظاهر الى العلن بصورة مباشرة، قد أصبح أكثر وضوحاً.
يضاف الى ذلك، ان المواجهة مع السعودية، الراعي الرسمي لتوحيد مجلس التعاون الخليجي، أصبحت حتمية في رفض فكرة انظام دول الخليج الخمسة تحت لواء السعودية، لكنها تمت عن طريق قطر، وان سبقتها عمان، لكن بشكل أكثر دبلوماسية، فيما تملصت الكويت من المواجهة المباشرة بخبرتها التوافقية المعروفة.
هذه الامر أدركته السعودية من البداية، وقد بدأت أولى خطواتها العملية لتلافي هذه الانشقاقات في حال حدوثها عن طريق إيجاد الدول البديلة بعد ان رشحت الأردن والمغرب للانضمام الى مجلس التعاون والوحدة المزعومة بين بلدانها، بعد ان استبعدت العراق وما يتبع دخوله في الاتحاد من مخاطر تغير موازين القوة داخل الاتحاد، كما يرى المراقبون.
وقد جاء العقاب الجماعي لقطر من باب تحذير الاخرين من اتخاذ مواقف جريئة قد ترفض فكرة السعودية وحلم ملكها عبد الله في ان يكون حاكم مطلقاً على دول الخليج، مما يعني ان الخليج سيشهد الانقسام الى فرقين متنافسين بين مؤيد ومعارض.
تعقد الروابط الخليجية
فقد أحدثت حملة السعودية على جماعة الإخوان المسلمين بعد حظرها في مهدها مصر انقساما في مجلس التعاون الخليجي إذ أثارت عدم الارتياح في دول أعضاء تقوم الجماعة بدور في حياتها السياسية اليومية، وفي إطار الخلاف مع قطر حول الموقف من بعض الجماعات الإسلامية في العالم العربي ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين استدعت السعودية سفيرها من قطر وأعلنت الجماعة -حليفة قطر- منظمة إرهابية.
وكانت السعودية قد وقفت بقوة وراء الجيش المصري الذي عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي العام الماضي بعد احتجاجات حاشدة على حكمه، وضخت بعدها مليارات الدولارات في الاقتصاد المصري المتعثر، وتنم معاقبة قطر على موقفها المؤيد لجماعة الإخوان عن الثقة التي تتحرك بها السعودية في دفع الأمور في الاتجاه الذي تريده حتى لو أحدث هذا شقاقا في مجلس التعاون الخليجي الذي يتكتم عادة توتراته الداخلية.
وحذت البحرين والإمارات حذو السعودية في سحب السفير من قطر، لكن الكويت التي تنشط بها مجموعة من الإسلاميين مندمجة داخل النخبة السياسية والاقتصادية أعربت عن عدم ارتياحها وعرضت الوساطة، أما سلطنة عمان التي عارضت خططا لوحدة خليجية أوثق فقد هونت من شأن الخلاف، ونقلت صحيفة عمان عن يوسف بن علوي بن عبد الله الوزير العماني المسؤول عن الشؤون الخارجية قوله “في اعتقادنا أن الخلاف أمر طبيعي بين الأشقاء ولا يمكن أن يثير ذلك قلقا كبيرا، وينبغي علينا أن لا نعتقد أن ما حدث أمر هائل وأن ذلك مصيبة كبرى”، وأضاف “نعتقد أن التباينات في الرؤى واردة لكن الوشائج لا تنحل، وليطمئن الجميع، العملية ليست طلاقا بالثلاث.”
وتشارك الإمارات السعودية رأيها أن جماعة الإخوان التي تتبع أساليب استمالة الطبقات الشعبية للفوز في الانتخابات تمثل خطرا على استقرار نظم الحكم والأمن في الخليج، لكن لم تعلن أي دولة أخرى من دول المجلس الجماعة منظمة إرهابية، وربما كانت البحرين قريبة سياسيا من السعودية لكن المتعاطفين مع الإسلاميين يشكلون جزءا من قاعدة التأييد للأسرة السنية الحاكمة في مواجهة التحديات التي تمثلها الأغلبية الشيعية بالجزيرة.
وينبغي للكويت أيضا أن تخطو بحذر حتى تتجنب تأجيج صراع مزمن بين حكامها ومعارضيهم السياسيين الذين يضمون بين صفوفهم شيوخ قبائل محافظين وإسلاميين، وقالت وفاء السيد الباحثة والمحللة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره البحرين “من المرجح أن يعقد الإعلان السعودي العلاقات مع الحلفاء الخليجيين وخصوصا مع تصاعد التوتر مع قطر”، وأضافت أن إدراج الجماعة في قائمة المنظمات الإرهابية “يعقد الأمور فعلا لأنه يعني أن أي أحد يمكن أن يخضع بشكل مباشر أو غير مباشر لهذه القوانين وأن يعتقل بكل سهولة.”
ويرجع قلق السعودية من الإخوان إلى التسعينات على الأقل عندما اتهمها زعماء بالمملكة بتحريض حركة الصحوة المعارضة، ويستشيط السعوديون غضبا من أصوات التعاطف مع الإخوان المنطلقة من قطر التي تبدو سعيدة بدور المحفز في التغيرات السريعة على الساحة السياسية العربية منذ انتفاضات 2011، ويمثل قبول الإخوان للاحتكام إلى صناديق الاقتراع تحديا للنظم الملكية الوراثية في الخليج ويقدم تفسيرا بديلا لدور الإسلام في السياسة.
ولا تصدق كثير من دول الخليج أيضا ما تردده جماعة الإخوان من أنها حركة سلمية لا تستخدم العنف، وكل هذا لا يشعر أنصار الإسلام السياسي في الخليج بالارتياح، وأعرب الإسلامي محمد الدلال -وهو عضو سابق في مجلس الأمة الكويتي- عن اعتقاده بأن التحركات السعودية تجيء ضمن سياسة منسقة مع مصر للقضاء على الجماعة التي نشأت قبل 86 عاما، وقال “هذا أمر غريب لأن جماعة الإخوان المسلمين ليست جماعة إرهابية وليست جماعة تتبنى العنف وبخاصة في بلدان مجلس التعاون الخليحي”، وأشار إلى أن الجماعات الخليجية المتعاطفة مع جماعة الإخوان لم تتسمى باسمها.
ويتساءل أنصار الإسلام السياسي في الخليج عما يعنيه قرار التصنيف السعودي من الناحية العملية في وقت تشدد فيه المملكة عقوبات جرائم الإرهاب، ويحظر البيان الذي أعلنته وزارة الداخلية السعودية قيام أي شخص “بتأييد التنظيمات أو الجماعات أو التيارات أو التجمعات أو الأحزاب (المدرجة في قائمة الجماعات الإرهابية) أو إظهار الانتماء لها أو التعاطف معها أو الترويج لها أو عقد اجتماعات تحت مظلتها سواء داخل المملكة أو خارجها”.
ويرجح سعود السرحان مدير الأبحاث بمركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية في الرياض ألا يؤثر البيان على علاقات السعودية مع دول الجوار التي يشارك فيها الإخوان في الحياة السياسية “ما داموا لا يحاولون التدخل في السياسة الداخلية السعودية أو يحاولون زعزعة الاستقرار في المنطقة”، وقالت السعودية والبحرين والإمارات إنها سحبت سفراءها من قطر لأنها لم تلتزم باتفاق ينص على عدم التدخل في الشأن الداخلي لأي دولة عضو بمجلس التعاون الخليجي.
وتنفي قطر هذا وتقول إن الخلاف يخص التباين في وجهات النظر بخصوص قضايا إقليمية أوسع مثل سياستها إزاء مصر، وربما كانت كل دول مجلس التعاون الخليجي لا تشعر بارتياح إزاء حدوث شقاق يتعارض مع هدفها المتمثل في التضامن السياسي والأمني لكن يبدو أن موقف البحرين هو الأكثر حساسية، فقد ساعدتها السعودية والإمارات على التصدي لاحتجاجات قادها الشيعة ومطالبات بمزيد من الديمقراطية منذ عام 2011، واتخذت جماعات إسلامية سنية مثل المنبر الإسلامي وائتلاف شباب الفاتح جانب الحكومة إلى حد بعيد في مواجهة المعارضة الشيعية. بحسب رويترز.
وقالت وفاء السيد المحللة بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية “البحرين في موقف صعب ومعقد للغاية” مشيرة إلى أن حكامها تربطهم علاقة خاصة بالسعودية لكنهم يعتمدون على الدعم السياسي لمؤيديهم السنة، وتساءلت “أي الأمرين أهم؟”، وانتقد نائب بحريني طلب عدم نشر اسمه تصنيف السعودية لجماعة الإخوان كجماعة إرهابية، وقال النائب الذي لا ينتمي للإخوان لكن يتبع التيار السلفي “هل الآن مثلا الإخوان سيعاملون كمعاملة القاعدة؟ هذا رغم خلافنا للإخوان ونقدنا أيضا لبعض المخالفات عندهم، هذه مساواة غير متساوية وهذا يجب أن نقوله بصراحة”، وأضاف “أعتقد أن من الصعب جدا في البحرين أن تصنف الجماعة بهذا التصنيف لأنه لا يوجد على الجماعة في البحرين أي دليل أو مؤشر على مسألة إرهاب”.
وفي الكويت كثيرا ما يكتب إسلاميون يشاركون الإخوان أيديولوجيتهم مثل أعضاء الحركة الدستورية الإسلامية في صحف كبرى ويظهرون على شاشات التلفزيون، وهم ينشطون أيضا في القطاع الخاص وعلى الساحة القانونية ويشكلون جماعة معارضة مهمة برغم أن نفوذهم قد ضعف منذ أواخر 2012 عندما قاطع معظمهم الانتخابات البرلمانية احتجاجا على تعديل النظام الانتخابي، وهناك سؤال يطرح نفسه، هل سيتعرض الكويتيون والبحرينيون المنتمون لجماعات مسموح بنشاطها في الداخل لخطر الاعتقال إن هم سافروا إلى السعودية أو غيرها؟
قال الدلال إن البيان السعودي سيجعل من الصعب تأييد الإخوان علنا خشية العقاب حتى إنه قد يستبعد الأشخاص الذين ينظر إليهم على أنهم مرتبطون بالإخوان من الحج والعمرة، وقال الإسلامي الكويتي “لا يمكن حتى التحدث مع منظمات حقوق الإنسان وفقا لهذا القرار، ولا يمكن المشاركة في أي مؤتمر دوليا”.
اختبار محوري
الى ذلك يمثل الصدع الذي شهدته العلاقات بين قطر وبعض جيرانها من دول الخليج العربية اختبارا محوريا للمجلس الذي وحد نظم الحكم الإقليمية في مواجهة العدو المشترك، وتكافح الدول الست الاعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ سنوات لتحويل هذا التحالف من معاهدة أمنية بسيطة إلى اقتصاد متكامل، لكن خطط تكوين اتحاد جمركي وربط شبكات الكهرباء وتشكيل قيادة عسكرية مشتركة لم تخرج إلى حيز النور أو تكتمل حتى الان.
ويعزو منتقدو المجلس نقائصه إلى مشاعر الغيرة ونزاعات حدودية أو ما يرون أنه هيمنة السعودية أكبر الاعضاء على المجلس، ويقول محللون إنه إذا لم يعد باستطاعة الحلفاء التوصل لاتفاق عام على كيفية التعامل مع المشاكل السياسية في المنطقة فإن الشكوك ستحيط بالغرض الاساسي من هذا التحالف، وتمكن المجلس الذي يضم في عضويته إلى جانب السعودية وقطر كلا من الكويت والبحرين والامارات وعمان من البقاء موحدا في أوقات الخطر من الثورة الايرانية إلى اجتياح العراق.
وتأسس المجلس عام 1981 لمواجهة الثورة التي أطاحت بشاه ايران قبل ذلك بعامين، ومع اندلاع الحرب العراقية الايرانية أصبح البقاء هو الشغل الشاغل للمجلس، والآن تبدو الدول الاعضاء أكثر انقساما من أي وقت مضى حتى في الوقت الذي يزدهر فيه الاقتصاد في دول المجلس الذي يرى في نفسه صورة نادرة للاستقرار في منطقة مضطربة، وكان العنوان الرئيسي لصحيفة الرأي الكويتية “هل ينتحر الخليجي؟”
فلم يسبق أن شهدت المنطقة خلافا علنيا مثلما ظهر من قرار السعودية والامارات والبحرين سحب سفرائها من الدوحة والاتهام شبه الصريح لقطر بأنها تتسبب في زعزعة الاستقرار الداخلي لهذه الدول، وفي فبراير شباط الماضي استدعت الامارات السفير القطري بعد أن ندد الداعية الإخواني يوسف القرضاوي بالأمارات ووصفها بأنها تعارض الحكم الاسلامي وهو ما اعتبرته الإمارات إهانة، ونقلت وسائل إعلام إماراتية عن وزير الخارجية القطري خالد العطية قوله إن تعليقات الشيخ القرضاوي لا تعكس وجهة النظر الرسمية لقطر، وقالت مصادر مقربة من القرضاوي إنه لن يتوقف عن التعبير عن آرائه.
وقال القرضاوي إن السعودية تؤيد من ابتعدوا عن الله والاسلام في مصر مشيرا إلى السلطات الحاكمة بدعم من القوات المسلحة بعد الاطاحة بالرئيس الاسلامي المنتخب، وتناصر السعودية وقطر جماعات متنافسة في صفوف المقاتلين المناهضين للحكومة السورية كما أنهما ودولا خليجية أخرى القوى الخارجية الرئيسية المؤيدة للأطراف الأساسية في كل من مصر واليمن.
وإذا اتحدت هذه الدول في العمل معا فبإمكانها التأثير في التغيرات التي تشهدها المنطقة، أما انقسامها فيجازف بجر منطقة الخليج إلى مستنقع ما بعد الربيع العربي، وقال دبلوماسي من إحدى دول الخليج العربية إن قرار استدعاء السفراء اتخذ بعد اجتماع لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي اتضح فيه أن قطر لن تغير نهجها، وقال الدبلوماسي “بعد هذا الاجتماع قرر السعوديون والامارات والبحرين اتخاذ هذه الخطوة”، وأضاف “هي خطوة سلبية للغاية في تجربتنا كمجموعة في هذه المنظمة.”
وقد سبق أن حدثت خلافات بين الأسر الحاكمة في الدول الست لكنها لم تصل إلى هذا الحد من العلانية أو ظهرت في مثل هذه الاوقات العصيبة، وعلى النقيض مما كان يحدث في الماضي فليس بوسع دول الخليج أن تعول على حلفاء عرب أقوياء بجيوش كبيرة لدرء المخاطر الخارجية، ويرى مواطنو دول الخليج في منطقتهم آخر حصن للأمن في العالم العربي في ضوء الصراعات التي يشهدها العراق وسوريا والفوضى في اليمن وليبيا وعدم الاستقرار في مصر وتأثر لبنان والاردن بما يجري في الدول المجاورة لهما.
ويسخر منتقدو مجلس التعاون الخليجي من فشله في انجاز ما وعد به مثل إصدار عملة موحدة، ورغم مشتريات السلاح الضخمة يظل أعضاء المجلس معتمدين في الدفاع عن بلادهم على تحالفات مع القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، ورغم قوة الأواصر التي تربط الدول الخليجية فقد شهدت خلافات تراوحت من ترسيم الحدود والسياسة الخارجية إلى انتقاد بعض الحكام في وسائل اعلام بدول أخرى.
وشهدت السعودية وقطر بصفة خاصة سلسلة من النزاعات وصلت إلى حد اشتباك حدودي عام 1992 أدى إلى سقوط عدد من القتلى بالإضافة إلى عدم وجود سفير سعودي في الدوحة لمدة خمس سنوات بدءا من 2002 بعد خلافات بسبب ما تبثه قناة الجزيرة، ووقع خلاف أيضا بين قطر والامارات في التسعينات عندما منحت دبي حق الاقامة لأمير قطر الأسبق الذي أطيح به عام 1995 كما وقع اشتباك بين قطر والبحرين، وحدثت خلافات على نطاق أصغر من آن لأخر بين السعودية وسلطنة عمان والامارات.
وكثيرا ما أدت هذه الخلافات بالإضافة إلى بطء وتيرة المجلس في العمل على إنشاء اتحاد أقوى إلى خلل أساسي يتمثل في ضخامة عدد سكان المملكة العربية السعودية الذي يتجاوز سكان بقية الدول مجتمعة، ويقول محللون سياسيون إن بعض الدول الأصغر ترى في المجلس أداة لدعم السياسات السعودية، وقال مصدر وثيق الصلة بالحكومة القطرية “القيام بدور الوساطة في المنطقة أزعج حكومات كثيرة تعتقد أننا صغار جدا، لكننا هنا لنقول أننا لسنا صغارا، نحن نؤمن بدورنا وسنستمر”.