رحيل محمد سعيد الصكار مجدد رسم الحرف العربي
ثقافة ـ الرأي ـ
ودع الفنان والشاعر العراقي محمد سعيد الصكار الحياة في مغتربهالفرنسي أمس عن عمر ناهز الثمانين عاما بعد أسبوع من الاحتفاءبه من قبل معهد العالم العربي بباريس.
ويُعد الصكار من الرواد المعاصرين في الفن والخط العربي، وقد جمع بين الخط والرسم، وأنجز لوحات فنية فاخرة.
وأثار الصكار الجدل في مشروعه “الأبجدية العربية المركزة” في أول محاولة لإدخال الحروف العربية في الكتابة الإلكترونية وكسر قيود الحرف العربي وتطويره بما يتلاءم مع معطيات التحديث في الطباعة القائمة على أسس علمية متطورة. واختصرت أبجدية الصكار وكثّفت عدد الحروف العربية الطباعية معتمدة على جذورها المشتركة.
ووصفه جاك لانغ، رئيس معهد العالم العربي بالرجل الاستثنائي الذي استطاع أن ينقل الثقافة العراقية والعربية من خلال خطوطه وأشعاره وكتبه التي تجاوزت 14 كتاباً، وهي تزين مكتبة المعهدوورشات العمل التي أراد بها أن ينقل هذه المهنة إلى جيل الشباب.
ولد الفنان والشاعر الراحل في مدينة المقدادية من محافظة ديالى، لكنه نشأ وسكن البصرة، التي أقام فيها وهو في سن الثالثة عشرة، ويعتبرها سيدة الأوائل ومن المدن العزيزة على قلبه، وقد ظهرت في فنه وشعره.
بعدها أقام بفرنسا واتخذها مدينة لفنه وحياته في الاغتراب، مع عدم انقطاع عن المدن العربية التي أقام فيها عدة معارض للوحات في الخط والفن، حوّل أبيات شعر للجواهري وغيره إلى لوحات أخذت مكانها على جدران بيوت التواقين لفنه.
كان محمد سعيد الصكار مملوءا بالحياة والحيوية، على الرغم من مرضه الذي زامنه لفترة طويلة، ومن أخلاقه أنه لا يعرف الضغائن على أساس سياسي أو اجتماعي، فكم ظل مرتبطاً بصداقة مع المختلفين معه سياسياً، وعندما يسأل عن ذلك يُجيب قائلاً: هم أصدقاء والسياسة والأحزاب شيء آخر.
عُرف بكونه أنيق المظهر وخفيض الصوت حريصاً على التعامل الحضاري والثقافي، وظل مخلصاً لأصدقائه القدماء، وتجد هذا في شعره الذي كثيراً ما يحيي المجالس به، وهو ما يمكن التعبير عنهبالإخوانيات. انتمى إلى اليسار العراقي، ولم يبق مشدوداً لتنظيم حزبي، بعد أن تفرغ لفنه وشعره، وما يكتبه من خواطر حيَّة في الصحف العراقية والعربية.
وقد صدرت له عدة مجاميع شعرية، منها “أمطار” 1962 و”برتقالة في سَوْرة الماء” 1968، وله مجموعة شعرية صدرت باللغة الفرنسية سنة 1995. ومن مؤلفاته النثرية: “الخط العربي للناشئة”، “أيامعبدالحق البغدادي”، وهي ما يشبه سيرة حياة صدرت عن دار المدى في منتصف التسعينات. كما ترجمت بعض قصائده إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية والدنماركية والبلغارية.
حصل على جائزة وزارة الإعلام العراقية لتصميم أحسن غلاف 1972، وجائزة دار التراث المعماري لتصميم جداريات بوابة مكة 1988، وكان آخر تكريم للفنان والشاعر محمد سعيد الصكار في باريس تبناه معهد العالم العربي بالتعاون مع السفارة العراقية هناك، وكان ذلك قبل أسبوع من وفاته، عبر حفل شعري سينمائي موسيقي له، وذلك بمناسبة عيد ميلاده الـ80. ورغم معاناته من أمراض الشيخوخة وتحذيرات أطبائه من صعوبة ترك مشفاه، حضر الصكارإلى الحفل على كرسي متحرك تدفعه زوجتــه وهو يردد “حبري أسود فلا تطلبوا مني أن أرسم قوس قزح”.
وبفقد محمد سعيد الصكار يكون العراق قد خسر أبرز فنانيه، في وقت يصعب فيه التعويض عمّن يفقد من مفكريه وفنانيه وأدبائه.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق