الخيار العسكري للسّعوديّة: لقد فعلتها في البحرين
علي عبد سلمان
لا يملكُ السّعوديون عديداً كافياً من الجنود لخوْض حروبٍ خارجيّة والاشتباك الطّويل عسكريّاً، وهم دخلوا البحرين بالدّبابات على خلفيّة يقينهم بأنّهم لن يجدوا مقاومة عسكريّة مكتملة. كما أنّ تجربتهم مع حرب الحوثيين في اليمن غير إيجابيّة، وهي لا زالت تُحرّك الكوابيس في الدّماغ العسكري السّعودي. “
يذهب الباحثون في الإستراتيجيّا إلى أنّ مملكة آل سعود تمرّ بأسوأ دوراتها التّاريخيّة. لقد خسرت ما يُسمّى بمجالها الحيوي، وهي الآن في طوْر “العصف الإرتدادي”، والدّخول في المناكفات. بحسب هذه الرّؤية، فإنّ السّعوديّة لم تعد تملكُ القدرة على إظهارِ المزيد من “ضيقها” في الخارج، وستضطرّ مع الوقتِ إلى الإنكفاء على مشاكلها الدّاخليّة، لتكون في نهايةِ المطافِ مُحاصَرةً بتناقضاتها الخاصة والإفرازات المعقّدة والمتكرّرة لأيدلوجيّتها الوهّابيّة التي تُملي على السّعوديين نزعات التّدمير والانزلاقِ في التّدخّلات الخارجيّة.
هذا الأمر دفع صحفاً (إسرائيليّة) لتوقّع أن تتّجه السّعوديّة إلى الخيار العسكري باتّجاه قطر، خصوصاً بعد انتقال العلاقة بينهما من حدود “الإزعاج” إلى “الأزمة الإستراتيجيّة” كما يقول (الإسرائيلي) “إيلي أفيدار” – المقرّب من الحكومة (الإسرائيليّة) – في مقالٍ نُشرَ في صحيفة “معاريف”، والذي يتحدّث عن النّزوع السّعودي المناوئ، والعنيف، نحو محيطها بالإشارةِ إلى دخولها العسكري إلى البحرين، ودفْعها الوحداتِ العسكريّة إلى العاصمةِ المنامةِ، ما يفيد بأنّ السّعوديّة بحسب أفيدار “ستفعل كلّ شيء للحفاظ على ورقةِ الدّومينو البحرانيّة في مكانها”.
خلافاً لذلك، يذهبُ محلّلون إستراتيجيّون إلى استبعادِ أن يُحرّكَ السّعوديّون عساكرهم خارجَ الحدود، لا باتّجاه قطر ولا غيرها. يستند هؤلاء إلى عدّة معطيات. فمن جهة، لا يملكُ السّعوديون عديداً كافياً من الجنود لخوْض حروبٍ خارجيّة والاشتباك الطّويل عسكريّاً، وهم دخلوا البحرين بالدّبابات على خلفيّة يقينهم بأنّهم لن يجدوا مقاومة عسكريّة مكتملة. كما أنّ تجربتهم مع حرب الحوثيين في اليمن غير إيجابيّة، وهي لا زالت تُحرّك الكوابيس في الدّماغ العسكري السّعودي. من جهةٍ أخرى، يصرّ الخبراء في المنطقة على القول بأنّ الأمريكيين لازالوا يقبضون دولَ الخليج بأيديهم “النّاعمة” ولكن الغاضبة، وهم ضدّ اندلاع حربٍ تقليديّة غير محسوبة النّتائج.
لا شكّ بأن نظام آل سعود استعادَ حضوره داخل مصر من خلال “انقلاب عسكري” تحت غطاء ثورةٍ شعبيّة، كما أنّه يتشّبثُ باحتلالِ البحرين إلى آخر الأنفاس، غير أنّه يفعلُ ذلك تحت تأثير “الصّدمة” من انهيار مشاريعه الكبرى في المنطقة، وشعوره بالتّداعيّات العكسيّة المتتالية، ما يعني بأنّه يُعاني من وضعيّة “الغريق” الذي يتشبّث ببقايا القوّة المتآكلة، ويستعيضُ عن الخسارات باستعراضِ جبروته في الدّاخل، وإعلاء صوت الصّراخِ الفوضوي في الخارج.
في هذا المنعطف، تكتسب ثورةُ البحرين اعتباريّتها الإستراتيجيّة، وخصوصاً مع تنامي العمل الثّوري الجاد الذي يتجاوزُ المضائق السّياسيّة التي ينصبها الخليفيّون وآل سعود، وبمعوناتٍ مباشرةٍ من الغرب.
كانت الّثورة عقبةً حقيقيّة أمام منْح السّعوديين طاقة الانتصار المعنوي، وتسبّبت الثورةُ مع الوقتِ في “تضعضع” قدرة التّوسّع السّعودي. ومرّة أخرى، ينبغي الإشارة إلى الأثرِ “العميق والممتدّ” الذي صنعته القوى الثّوريّة في تخليقِ هذه المعادلة. لقد كان العسكرُ السّعودي يحلمُ بانجازٍ عسكريّ “كامل” في البحرين، ليبني على ضوئه بقيّة الأحلام التي راودت بندر بن سلطان. ولكن، كلّ ذلك تحطّمَ، بدايةً، من ساحات البحرين وصمودِ ثورتها.
وبهذا المعنى، كسر ثوّار البحرين “العصا” السّعوديّة، وجعلوها مغلولةً، وغير ذي جدوى من النّاحية الحيويّة، وهو ما يجعل الثّورة البحرانيّة الثّورةَ العربيّة الوحيدة التي نجتْ من “مسايرة” مشروع التّدجين الأمريكي، كما أنّها وفّرت لنفسها القوّة الذاتيّة لتكون طرفاً لا يُستهان به في أيّ حديثٍ يخصّ الشّؤون الإقليميّة الكبرى. وهذا ما ينبغي على كلّ الذين يستعجلون “التفاوض” مع النّظام أن يستوعبوه جيّداً.
طباعة الخبر
ارسال الخبر الى صديق