الطفل بين مغريات التكنولوجيا وتأثيراتها السلبية
* التكنولوجيا ألغت عنصر الإبداع والتفكير لدى الطفل
* العاب التكنولوجيا تصنع طفلا عنيفا
بعد أن كان الطفل العراقي مكتفياً بما ترفده له وسائل الإعلام المرئية من صدقة لا تتعدى قناتين أرضيتين وبعض البرامج القليلة وعددا من الألعاب الموجودة في الأسواق، حدثت قفزة يمكن أن نسميها انفجارية تلك التي حولت الطفل العراقي إلى مستلم ومتلقي لكل صنوف الحداثة والتكنولوجيا المتطورة، مما جعل همه الوحيد هو اقتناء كل ما تراه عينيه الصغيرتين في عقله الذي لا يتعدى اللعب والاستمتاع به، حتى انهالت على الأسواق كل أصناف الألعاب التي أزاغت عيون الأطفال وأرهقت جيوب الكبار.
ومن جهة أخرى انغلقت عقول الأطفال وتحجرّت إلا من أمر واحد وهو التلفاز وما يقدمه من أفلام كارتونية ومسلسلات وبرامج تجعل الطفل ينصرف عن الاهتمام بأي شيء سواها، حتى صار الهم الأكبر لكل طفلة هو اقتناء آخر ما ترتديه فلّة وباربي وأصبح الصبيان يتفننون ويتفاخرون في جمع اكبر عدد من اقراص الالعاب الليزرية والأسلحة.
ولو سألت العوائل العراقية اليوم سترى الشكوى واحدة، واضحة، المغريات الجديدة تصرف الطفل عن اهتمامه بالدراسة وتحجّم مدى عقله وتفكيره. حيث يشكو اغلب الآباء والأمهات من التأثير السلبي لوسائل التكنولوجيا الحديثة على الطفل مما أدى إلى تردي المستوى الدراسي له فضلا عن تعلمه لأشياء غير هادفة وانحسار قدرته على الإبداع في الوقت الذي يصرف كل تركيزه على شاشة التلفاز والألعاب الالكترونية.
وفي هذا الشأن ترى السيدة “مها عبد الحافظ” باحثة اجتماعية في شؤون الأسرة العربية والطفل: بأن الطفل في الماضي كان يتمكن من الإبداع والتفكير أكثر، كون عقله لم يكن مبرمجا على منهج واحد يتلخص في أفلام الرسوم المتحركة والعاب الكومبيوتر، حيث كان الوقت الذي تخصصه وسائل الإعلام للطفل قليل جدا بما يتناسب وتوقيت الدراسة مما جعل الأجيال في الماضي يهتمون بدراستهم وبتوجهاتهم العلمية وابتكاراتهم، كما كان الطفل في الوقت الماضي أكثر براءة وأكثر انغلاقا على العالم حوله.
وتضيف لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): أما اليوم فقد أسهمت كل المغريات بدءا من أفلام الرسوم المتحركة التي اتخذت من طابع العنف أسلوبا لها لما يخص الأولاد وجعلت من مسلسلات الرسوم المتحركة للبنات واجهة لتعليم الفتاة الصغيرة أساليب جديدة للأنوثة المبكرة، فأصبحنا نلحظ بان جل اهتمام الفتيات الصغيرات يكمن في الحصول على أفضل الفساتين ولعب فلة وباربي الانيقة التي تعلّم الصبية الصغيرة كيف تصبح امرأة في اسرع وقت.
بينما انصرف اهتمام الأولاد الى اقتناء احدث الأسلحة المنتشرة في الاسواق التي تشبه أسلحة المخلوقات الخارقة التي يشاهدونها في أفلام الرسوم المتحركة، وغالبا ما تكون دافعا لتعليم الطفل على العنف وتوجيهه الوجهة الخاطئة الا وهي استخدام السلاح منذ الصغر في حين نرى بان الدول المصدرة لتلك الثقافة الغريبة نفسها تنهج منهج مختلف في تربية أبنائها فتركز على الابتكار لدى الطفل من خلال الألعاب التي تختص بالرمل والطين الاصطناعي والأدوات التي تساعد الطفل على صناعة كل ما هو مفيد بعيدا عن العاب العنف.
وتسترسل الباحثة بالقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): ونرى اليوم بأن الأهل بدأوا يفقدون السيطرة على أولادهم بسبب ما يراه الطفل ويطمع في الحصول عليه مما يجعلهم حائرين بين أمرين، منع الطفل مما يجعله يلجأ إلى الكذب في سبيل الحصول على غايته حتى لو كان دون علم الأهل، او الرضوخ لإلحاح الطفل وتوفير كل ما يرغب به من العاب الكترونية والعاب أخرى وجعل التلفاز مهربا له من المشاكل التي تحدث بينه وبين إخوته، ونرى بأن الكثير من العوائل صارت تتخذ من زرع الطفل أمام شاشة التلفاز لوقت طويل أو توفير الألعاب الالكترونية له مخلصا مهما من إلحاحه لا سيما بعد انتشار ظاهرة الأم الموظفة في الوقت الذي زادت فيه متطلبات الحياة.
مخاطر صحية
من أولى المشاكل التي اجمع عليها أطباء العيون اليوم من خلال الدراسات والبحوث العلمية هي معاناة الطفل من ضعف البصر الذي يسببه التركيز الطويل على شاشات التلفاز والعاب الكومبيوتر، إذ يؤكد الدكتور “شاكر حسين” اخصائي العيون بان الطفل يصاب بضعف النظر نتيجة تعرضه لمجالات الأشعة الكهرومغناطيسية قصيرة التردد المنبعثة من شاشات التلفاز التي يجلس أمامها ساعات طويلة أثناء ممارسته اللعب، حتى انتشرت ظاهرة ارتداء الأطفال للنظارات الطبية إضافة إلى أمراض العيون الأخرى مثل الحساسية والرمد وغيرها.
ويضيف الدكتور “شاكر” لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): ولها ايضا مضار صحية أخرى حيث اشتكى العديد من الأطفال من آلام الرقبة وخاصة الناحية اليسرى منها إذا كان الطفل يستخدم اليد اليمنى، وفي الجانب الأيمن إذا كان أعسر .كذلك من أضرارها الإصابة بسوء التغذية، فالطفل لا يشارك أسرته في وجبات الغذاء والعشاء فيتعود الأكل غير الصحي في أوقات غير مناسبة للجسم.
وفي هذا الخصوص يعاني” جاسم احمد ” وهو أب لثلاثة أطفال: من أطفاله المولعين بمشاهدة أفلام الكارتون والتركيز في شاشات الهاتف النقال واللعب لفترات طويلة رغم أنهم يعانون من ضعف بصر ولادي وهو ما زاد الطين بله ، ولم تنفع كل أوجه النصح والإرشاد في عدولهم عن رغباتهم تلك فهم يتفهمون الأخطار ولكن المغريات التكنولوجية تؤجل الخطر المحيط بهم صحيا من ناحية أخرى.
عزلة الطفل
هل ان جلوس الطفل أمام شاشة الكمبيوتر والتلفاز يجعله منعزلاً وغير اجتماعي…؟ سؤال توجهت به (شبكة النبأ المعلوماتية) الى الأستاذ احمد الأطرقجي أستاذ علم الاجتماع والذي قال: إن الجلوس في حد ذاته أمام التلفاز والكمبيوتر لا يصنع طفلاً غير اجتماعي لأنه يتعامل مع جهاز، والجهاز لا يصنع المواقف الاجتماعية والوجدانية، إنما هذا الجلوس للتسلية فقط وتنمية الخيال إذا اختير البث المناسب، أما الذي يصنع طفلاً غير اجتماعي فهو الوسط الذي يعيش فيه الطفل، والتنشئة الاجتماعية لكن إذا جُعل هناك مزج بين التنشئة الاجتماعية الإسلامية الصحيحة وبين تنمية الخيال الواقعي لما يشاهده الأطفال فهذا هو المطلوب.
وعن البدائل التي تغني الطفل عن التلفاز والكمبيوتر يقول الاطرقجي لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): أولاً وقبل كل شيء لا يوجد بدائل تغني الطفل عن التلفاز وغيره، لأن الطفل في مرحلة عمرية يحتاج فيها إلى تنمية مداركه، ومن هذه المدارك تنمية خياله بالأشياء الموضوعية والواقعية، ولكن علينا أن نوفق بين وسائل الإعلام المرئية وبين وسائل الترفيه الأخرى مثل الألعاب التي تنمي الخيال والإدراك كالمكعبات وألعاب الرياضة الخفيفة مثل تنس الطاولة، وكرة القدم والسباحة. كل هذه الأشياء إذا حصلت استطعنا أن ننشئ طفلاً اجتماعيًا يتوافق مع نفسه وأسرته ومجتمعه، يستطيع من خلالها أن يعيش حياة مستقرة تنعكس على تكيفه مع الحياة بصفة عامة.
جيل عنيف
الدكتور “أسعد الإمارة” أستاذ مساعد في علم النفس يشرح لـ(شبكة النبأ المعلوماتية) الأبعاد المستقبلية لبعض الالعاب التكنولوجية التي يمكن ان تحول الطفل إلى شخص عنيف حيث يؤكد “الإمارة” بأن الدراسات النفسية المعمقة ترى إن الألعاب الافتراضية تتحول من رياضة بدنية إلى مسابقه ثم إلى منافسه تفسح الطريق لتأكيد الذات بتحول رفيق – اللعب- من خلال تدفق “سيل” العدوان إلى منافس ثم الى خصم ثم أخيرا الى “عدو” يجب قهره بكل السبل وتتراجع الروح الرياضية وينمو التوتر ويتزايد العنف ويكون السلوك العدواني هو السائد في كل الأحيان والأوقات والمواقف حتى في الحياة الاجتماعية وبين الإخوان في البيت الواحد.
ويضف “الإمارة” لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): اما إدمان الأطفال على استخدام تكنولوجيا الاليكترونيات فهو خطر لا يقل عن خطر إدمان المخدرات وإدمان الكحول والسجائر.. وكلاهما يجعل من آلية عمل الدماغ محجمة بحدود ذكاء الجهاز المبرمج وهو خطر لا تتوضح أعراضه إلا في المستقبل حيث تتحجم قدرة الطفل وتتبرمج وفق نظام محدد مسبقا للقدرات وبالتالي تموت خلايا وتنشط خلايا، ولكن الفاقد يكون اكثر من الجديد. ويخسر الأطفال بإدمانهم الألعاب الإليكترونية الكثير من قدراتهم على تنظيم المثيرات التي تزودها الحواس الأخرى لذا تتحدد عملية استقبال المثيرات وتنظيم المنبهات وتحويلها الى معلومات الا بوساطة برامج الجهاز الذي اصبح الطفل أسيره وادمن عليه.
ويضيف “الإمارة”: ويفقد الطفل من خلال الإدمان على الأجهزة الإليكترونية قدرته على اكتساب الثروة اللغوية وهي تكتسب من الوسط الأسري او الاجتماعي الذي يتعايش فيه، فيفقد الطفل في هذه المرحلة أشياء رئيسية مثل: سلامة النطق والتعبير، فهم مدلولات ومعاني اللغة المنطوقة او المكتوبة، عدم قدرة الطفل على التعبير والكتابة، ضمور في مقدار سعة القاموس اللغوي. وهذه الأعراض قد تقود الى أزمات نفسية مستقبلية ومنها إنه يتعامل بالمحسوسات لا بالمجردات وهي قدرة رياضية حسابية تتطور لتنشيط خلايا بالدماغ.
ويظهر على الطفل أيضاً أعراض تتعلق ببساطة المفردات وعدم الدقة والتحديد، بسبب انقطاعه عن التواصل الاجتماعي واكتساب الخبرات كمثيرات تحفز على تشغيل المعلومات بوساطة التفكير بأنواعه.. لان علماء النفس المعرفي يرون انه لا يمكن للتفكير ان ينمو بدون لغة، ولا يمكن ان نفكر من دون استخدام اللغة، ويقولون ان التفكير سابق على اللغة فكثيراً ما تنبثق الفكرة في أذهاننا ونبقى نبحث عن العبارات التي تؤديها وتنقلها وهناك الكثير من الأعراض غير السوية التي يتركها الاستخدام غير الصحيح للأجهزة الإليكترونية.