التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

محمد الصكار ومكانته في الثقافة العراقية 

بغداد – ثقافه – الرأي –
متجدد بين الخط العربي والشعر والتشكيل
 
صلاح حسن السيلاوي
ها هي السماء العراقية تفقد ضوءا آخر، فكأن تزاحم الشموس بين هامات أفلاكها يدفع بوابات الرحيل على الاتساع مثلما يوسع آفاق الخلود المعنوي فيها، حتى أن تلك البوابات باتت دون من يلامسها ثم تبتلع حياته، انه الوجع ذاته، حيث نصغي إلى نايات غربتنا ورحيلنا المتكرر، فمرة يكون العراقي عابرا بين المنافي، موقدا بين نوافذها الضيقة أصابع أحزانه التي تدون ذاكرة من حروب وحصارات وصراعات مريرة، ومرة أخرى نصغي إلى ذلك النحيب الذي يطرق مسامعنا حاملا نعوش المعاني التي طالما كانت متجددة وساطعة بوجه الظلمات، ها هو محمد سعيد الصكار يجدد برحيله اليوم ذاكرة الألم العراقية، ويرفدها بمخزون الأسى الذي لا تبدو عليه ملامح النضوب. ولتسليط أضواء جديدة على مكانة الراحل المتعدد الإبداعات في الثقافة العراقية، وثقل فقدانه في الوسط الثقافي استطلعنا عددا من الشعراء بشأن ذلك.
تغيير مفاهيم الخط العربي
الشاعر رياض الغريب يعتقد ان رحيل الصكار يمثل خسارة للوسط الثقافي العراقي، ذلك الرجل الموسوعي الذي جمع بين الشعر وجماله وفن الخط والزخرفة التي أبدع فيها، ويشعر الغريب بالأسف لأن غياب الراحل عن المشهد العراقي طيلة عقود كان بسبب موقفه السياسي وابتعاده منذ سبعينيات القرن الماضي ، لافتا الى أنه يشكل نقطة ارتكاز في تغيير بعض المفاهيم حول الخط العربي، وهذه النقطة حسب الغريب اثارت له العديد من المشاكل، فضلا عن مقالاته فهو مقترن كاسم لامع بالاعلام.
وأضاف الغريب بقوله ان ما أنجزه الصكار مهم جدا ويجب ان يدرس بشكل يليق بهذا المنجز، وأن لا يتم إهماله كونه نقطة مضيئة في جسد الثقافة العراقية. أرى أن الراحل بمنجزه لا يقل شأنا عن أسماء أخذت مكانتها في مشهدنا الإبداعي وهذا يتطلب جهدا لكي نعيد لهذه القامة الثقافية وجودها بيننا.
عابر بين اللغات
الشاعر محمد الفرطوسي تكلم عن حياة الصكار وسيرته الثقافية التي تضمنت حصوله على العديد من الجوائز كانت منها جائزة دار التراث المعماري, مشيرا الى أهمية حراكه الشعري الذي عبر الى اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والدانمركية والبلغارية.
وبيّن الفرطوسي أن الراحل الذي علق جسوره الابداعية بين عالم الشعر والخط العربي كان لحياته في البصرة التي وصلها قادما من المقدادية طعم التمر ، وأن تنقله في مدن البلاد والعالم جعل لصوته تفرد الرائي الخبير في الأماكن ومعاني تنوعها وتأثيرها في الذات، فمن شرق بغداد إلى البصرة فحلب، التي عمل فيها معلما ثم إلى باريس التي أقام فيها منذ 1978 وشكلت في حياته الكثير لا سيما على مستوى التأثير في الإنسان الغربي. لافتا الى إرث الصكار الكبير والواسع والمتنوع، الذي لابد من قراءته والاهتمام بتنوعه وتميزه. 
وتحدث الفرطوسي عن أهمية ان تقوم المؤسسات الثقافية بتكريم الراحل بأسلوب معنوي جديد ، منتقدا ما اسماه بــ( النحيب على القبر) مستغربا من التقليدية التي باتت تعيشها بعض المؤسسات الثقافية التي تكرر الاحتفاءات والبكائيات لكل رمز يرحل من دون ترك أثر واضح ومهم بعد كل تلك الموجات العارمة من الحديث عن الرموز الراحلة، موضحا أن التقليدية المعنية تنتهي عندما يكون هنالك سعي جاد لطباعة مؤلفات كل رموزنا الراحلين والبحث عن منجزاتهم التي لم تستطع أن ترى النور، فضلا عن مطالبة الدولة بتكريم أسرهم من أجل إرسال صور اجتماعية واضحة تبين أهمية الفعل الثقافي وتحفز أفراده على الاقتراب من المشاريع الإبداعية بكل أشكالها .
وذهب الفرطوسي إلى أن سيرة الراحل الثقافية والسياسية والفكرية تجعل منه مثلا لمن يسعى إلى تطوير الحياة، وهضم مفاهيمها مؤكدا الجانب الذي يجب فيه على الدولة بمؤسساتها المعنية أن تبرزه من أجل صناعة حياة ثقافية واجتماعية قيمة، ألا وهو جانب الثراء المعرفي الذي لا يأتي إلا من خلال ترصين الواقع الإبداعي وحماية أفراده من الضياع في بلدان المنافي، مثلما حصل مع الصكار، ويحصل الآن مع غيره، وبيّن الفرطوسي كلامه عن ذلك الضياع بأنه يقصد اغتراب ذات المثقف عن بيئتها وانقطاعها عن المحفزات التي تجعله قادرا على التواصل والصناعة موضحا أن هجرة المثقف العراقي تشبه قلع الشجرة من أرض إلى أخرى، فأما أن تموت أو تزهر، وبين تلك وهذه هي تأخذ زمنا طويلا أحيانا كي تتألم مع التربة والبيئة الجديدتين.
نفوره من مرارة الزمن العراقي
الشاعر قاسم الشمري رأى أن الصكار الذي ولد في العام 1934 كان نافرا عن نطاق زمنه الذي لم يكن يخلو من سلبية وترد يحيطان بحياة المجتمع العراقي، مشيرا إلى أنه حاول من خلال تنامي موهبته واتساع معرفته في الخط وسعيه الواضح في الشعر، حاول أن يترك بصمة متميزة لوجوده الإبداعي، وقد استطاع ذلك، لافتا إلى أن الراحل تميز كثيرا بعد أن هاجر إلى أوروبا فقد تمكن من الاختلاط بالحياة الفرنسية والانتفاع من المفاهيم والقيم السائدة هناك بعد فهمه لها، مؤكدا ذلك من خلال معرفة الجمهور الثقافي الفرنسي به لا سيما المتخصصين بالثقافة العربية والمحبين لها، ومن الجميل الذي يعده الشمري مهما في سيرة الصكار انه تمكن من خلق جمهور متذوق للخط العربي في فرنسا هذا البلد المتذوق، للثقافة والمعروف عنه اهتمامه بثقافته وتاريخه. 
مبينا أن الخط العربي عنده كان يمثل عملا فنيا يصل في أحيان كثيرة إلى مناطق اشتغال الرسام حيث كان متلقي الخط عنده سواء العربي أو الأجنبي منه يتذوقه بوصفه لوحة فنية عالية الدقة فضلا عن منجزه الشعري الممتد على مدى ثلاثة دواوين كان آخرها الصادر باللغة الفرنسية 1995.
ومن ميزات الراحل حسب الشمري تعدد إمكانياته ومواهبه بين الصحافة والشعر والتصميم والخط والنقد الأدبي والمسرحي والسينمائي، وتقديمه لاستشارات في الخط والزخرفة لمؤسسات متعددة في بلدان كثيرة.

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق