جامعة بغداد تنظم ندوة عن فلسفة محمد باقر الصدر
بغداد ـ ثقافة ـ الرأي ـ
نظم قسم الفلسفة في كلية الآداب بجامعة بغداد ندوة عن فلسفة السيد محمد باقر الصدر بعنوان (الصدر رائداً للفلسفة العربية والإسلامية المعاصرة) تزامناً مع الذكرى الرابعة والثلاثين لاستشهاده وأخته آمنة الصدر”بنت الهدى” التي توافق التاسع من نيسان الحالي، قدّم فيها أربعة من أساتذة القسم محاضرات بحثوا فيها أهم ما قدمه من طروحات جديدة في الفلسفة الإسلامية المعاصرة ومناقشة لأهم الأفكار التي قدمها ماركس.
موقف الصدر من الفلسفة الغربية
قدّم الندوة الدكتور صلاح الجابري، متحدثاً عن تفرد الصدر في بعض الطروحات التي شكلت؛ فيما بعد، أساساً للفلسفة الإسلامية المعاصرة، ومن ثمَّ طرح الدكتور علي عبود المحمداوي رؤيته بشأن مكامن الإبداع في فكر الصدر، منطلقاً من موقف الصدر من الفلسفة الغربية، التي كانت نابعة من التصورات الماركسية والحلول التي قدمتها للمشاكل الاجتماعية، مشيراً إلى أن الصدر يختلف في الكثير مع ماركس، من خلال قراءته لحركة التاريخ، فيرى أن الإرادة الإلهية محرك للتاريخ، لكن ماركس يرى أن المحرك الرئيس هو الصراع الطبقي. و”الفرق الشاسع بين الرؤيتين هو ان المحرك التاريخي لدى ماركس هو الميتافيزيقي في حين كان الواقع لدى الصدر هو المحرك الرئيس، هذا المنطلق جعل الصدر يحاول أن يعيد فحص كل النظريات، ومن ثمَّ يعطي وجهة النظر البديلة وهي الثقافة الإسلامية”.
وأضاف المحمداوي أن الصدر لم يكتف بأن يوجه نقده للماركسية والعقل الغربي بمطلقياته، من خلال تميزه بالمركزية الذاتية، التي حاول تفكيكها، وكان عليه أن ينتج خطاباً فلسفياً مقابلاً للخطاب الفلسفي الغربي، موجهاً نقداً للذات، الذي هو مكمن الإبداع الحقيقي لديه. مبيناً أن أهمية فكرته هذه نابعة من كونه خرج من داخل البنية الدينية المنغلقة المحافظة ومن ثمَّ ثورته على التقاليد السائدة في المدرسة الدينية. والأهم من هذا أن ما كان يوجّه للماركسيين والشيوعيين هو الكفر والإلحاد، في حين حاول الصدر إعادة فحص مقولة ماركس، والبحث فيها وفي هفواتها.
نظرية الصدر في السياسة
كما أشار المحمداوي إلى تعدد روافد الإبداع لدى الصدر، منطلقاً من موقفه من الاستقراء ومشاكله الخاصة، “إذ حاول أن يخرجها عبر نظرية الاحتمالات، وهذه هي تقريباً تنتهي إلى احتمال بقيمة كبرى عند كل الفلاسفة، لكن عند الصدر حاول أن يحولها إلى اليقين، وكيفية أن تكون النتيجة الاستقرائية يقينية، ومن ثم أدخل الأثر النفسي، أو كما يسمى عند رايشنبارغ الأثر السيكولوجي للموضوع، وكيف أمكنه أن يضاعف النسب المقالة ليوصلها إلى اليقين من خلال إدخال الأثر الذاتي”، كاشفاً أن فرضية الصدر هذه تقترب من نظريةرايشنبارغ وربما متطابقة معها، ومن ثم فإن الصدر قد استعار هذه النظرية بأصولها وإطارها النظري من خلال الاستقراء، داعياً الأساتذة والطلبة لدراسة وفحص هاتين النظريتين للخروج بالنتائج المرجوة.
أما بشأن نظرية الصدر في السياسة، فلا يرى المحمداوي أن الصدر كان يعتقد بالاقتصاد الحر أو الحرية السياسية المطلقة، “بل هذه جزء من مكونات النظام الرأسمالي والليبرالي، ولا يمكن له أن يقر الصدر بذلك، لأنه يؤمن بالمرجعية، وكل الحرية السياسية مقيدة بإرادة المرجع الديني من خلال الموافقة على المرشحين والمجالس التشريعية ومجلس الخبراء. قراءة الصدر للديمقراطية تكشف لنا التداخل الكبير بين الصلاحيات والولي الفقيه، فنظريته السياسية من النظريات الإسلامية المعاصرة بالحكم، لأن الديمقراطية أن تكون السلطة والسيادة كاملة للأمة، في حين أن السيادة في نظر الصدر محددة بولاية الفقيه”، مبيناً أن إبداعه يكمن في أنه خرج بنظرية في النظام السياسي داخل البيئة الدينية ومن ثمَّ تأخذ صداها في التطبيق بنظام سياسي قائم على طروحات هذا المفكر وأنموذجها في الجمهورية الإسلامية في إيران.
ثلاثة أساليب في نظريته عن التاريخ
من جانبه تحدّث الدكتور علي جميل الموسوي عن علاقة الصدر بالتاريخ وفلسفته، فبحسب رأيه، تمكّن الصدر من أن يكشف لنا أساليب وأشكال وسمات القوانين التاريخية التي جاء بها القرآن الكريم، وقام بإبراز ثلاثة أساليب في نظريته عن التاريخ، الأسلوب الأول هو الفكرة الكلية لسنن التاريخ، الثاني بيان سنن التاريخ من خلال المصاديق والأمثال، الثالث الحث على التأثر بالأحداث التاريخية. ومن ثم انتقل إلى توضيح خصائص سنن التاريخ، وهي أولاً الشمولية والعمومية في السنة التاريخية وهو ما يشابه القانون العلمي وشموليته. ثانياً الربانية، وتعني ربط التاريخ بالله مباشرة، ولكن ليس على غرار ما كان في العصور الوسطى. ثالثا البشرية، وهو أن يكون للإنسان دور في سير حركة التاريخ وأن لا يكون سلبياً أو متلقياَ مجبراً على الفعل التاريخي.
الموسوي فصّل في انتقال الصدر إلى توضيح سمات الظواهر في إطار سنن التاريخ، وهنا تكمن الفكرة الفلسفية المهمة، ففي الفلسفة هناك ثلاث علل، وهي: ظاهرية وفاعلة ومادية، لكن الصدر استطاع أن يوضح ثلاثة أفكار لهذه العلل، فالعلة الفاعلة وربطها بالسنة التاريخية من خلال قوله إن لكل فعل فاعلا، ومن ثم ربطه بالحدث والغاية والتي هي من جهة مرتبطة بالماضي ومن وجهة أخرى مرتبطة بالمستقبل. وهنا تتميز السنة التاريخية عن الظاهرة العلمية بأن لها تصورا مستقبليا في ذهن الإنسان، من الممكن أن يقدمه لنا مستقبلاً. أما الموج وهو المجتمع، فيكون الأرضية التي من الممكن أن يقوم عليها الإنسان، وقد يكون هذا الموج صغيراً وأخرى كبيراً.
وفسّر الموسوي أشكال سنن التاريخ لدى الصدر، فهناك نقلة نوعية استطاع الصدر أن يقوم بها من خلال توضيح ثلاثة أشكال لهذه السنن، وهو ما يعرف في المنطق بالقضية الشرطية، فتمكن من فتح آفاق في هذا المجال، وتحدث عن شكل القضية الشرطية، ويعني بهأن يكون هناك حدث مرتبط بحدث آخر ويكون جزاء للشرط أو شرط الجزاء. الشكل الثاني وهو القضية الفعلية الوجودية المحققة ويعني بذلك أن ما يعتقد به من خسوف القمر وخضوع الإنسان وعدم تدخله في هذه القوانين، وهناك حتمية في هذا المجال. الشكل الثالث وهو شكل القضية الاتجاهية، فمن الممكن انحراف الإنسان عن هذه القضايا أو هذه القوانين، على غرار المستوى الديني مثل سنة الزواج أو الانحراف عن الدين.
الحرية ومفهومها لدى الصدر
في حين تحدثت الأستاذة نهاد العلوي عن الحرية ومفهومها لدى الصدر، فقد قسم الصدر دراسته في النظام الديمقراطي الرأسمالي إلى الحرية السياسية والاقتصادية والفكرية والشخصية والدينية. مبينة أن الحرية الفكرية هي أن يعيش الإنسان حراً في عقائده وأفكاره، أما الحرية الشخصية فتعبر عن حرية الإنسان في سلوكه بمختلف الظروف، والحرية الدينية تعبير عن الحرية الفكرية في الجوانب العقائدية. مبينة أن القاعدة الأساسية للحرية في الإسلام تقوم على أساس التوحيد والإيمان بالعبودية المخلصة لله تعالى، في حين أن القاعدة الأساسية للحرية في الغرب تقوم على أساس الإيمان بالإنسان. مضيفةً أن مفهوم دور الأمة لدى الصدر يعد من المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها الفلسفة الديمقراطية، إذ يقول الصدر إن الأمة هي صاحبة الحق في الرعاية وحمل الأمانة وأفرادها جميعاً متساوون في هذا الحق أمام القانون، وحق التعبير مكفول للجميع أمام هذا الحق، بمختلف أشكاله.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق