ثلاثة من رؤساء أمريكا و “لغز” اسمه بوتين
قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، إن الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، والسابق، جورج دبليو بوش، والحالي باراك أوباما، فشلوا جميعا في إيجاد حل للغز الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
وذكرت الصحيفة- في سياق مقال تحليلي نشرته على موقعها الإلكتروني أنه على مدار 15 عاما، حير “بوتين” الرؤساء الأمريكيين الثلاثة في الأثناء التي يحاولون فيها فهم واكتشاف الزعيم الروسي.
وهذا نص مقال بيتر بيكر والذي نشرته الصحيفة الأمريكية تحت عنوان: 3 رؤساء ولغز إسمه “بوتين”.
وجده الرئيس الأميركي بيل كلنتون هادئ ومثير للقلق ولكنه تنبأ أن يصبح قائدا قوياً ومقتدراً. وأراد الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش أن يجعل منه صديقا وشريكا في الحرب على الإرهاب ولكنه أصبح واهماً بمضي الزمن. حاول الرئيس باراك أوباما التغلب عليه ببناء محمية له في الكرملين النهج الذي كان ناجحاً لبعض الوقت، ولكن تدهور باطراد إلى أن أوصلت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة إلى النقطة الأسوأ التي هي عليه الآن منذ انتهاء الحرب الباردة.
طوال خمسة عشر عاماً حير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرؤساء الأميركيين الذين حاولوا فهم سلوكه ليجدوا انفسهم يسيئون الحكم عليه مراراً وتكراراً. تحدى افتراضاتهم ورفض جهودهم في مصادقته، جادلهم وحاضرهم وضللهم واتهمهم وجعلهم ينتظرون ويخمنون, وخانهم وشعر بأنهم خانوه.
كل واحد من الرؤساء الثلاثة حاول بطريقته الخاصة أن يشكل صداقة تاريخية جديدة مع روسيا وإن تكن صداقة محيرة ليجدوا جهودهم قد أحبطت من قبل متقن فنون القتال النحيل والقوي العقيد السابق في جهاز الاستخبارات الروسية. وتخيلوه شيئاً ما وهو لم يكن كما تخيلوه، وافترضوا أن بإمكانهم ترويض الرجل الذي يرفض أن يروّض. لقد نظروا إليه من خلال عدساتهم، مصدقين أنه يرى مصالح روسيا كما يعتقدون أنه يتوجب عليه. واستهانوا بإحساسه العميق بالضيم.
للحد الذي لم توجد أي تصورات متبقية لواشنطن، ومن الصعب تخيل وجود أي منها بخصوص هذا الشأن، وأخيراً تحطموا نهائياً بغزو بوتن لشبه جزيرة القرم والعقوبات المتبادلة التي تبعت ذلك. بينما تتجمع الآن القوات الروسية على الحدود الأوكرانية، تغير الجدال الآن؛ من كيفية العمل مع بوتن إلى كيفية مجابهته.
قال مستشار الأمن القومي السابق للرئيس أوباما: لقد أعلن عن نفسه، إنه هو من يجب التعامل معه، فليس من السياسة أن تتمنى أن يكون بعيداً.
وبالرجوع إلى الوراء، الآن، فإن مساعدون للرؤساء الثلاثة، اقترحوا تقريباً مؤاخذات متشابهة؛ أن رجلهم كان ساذجاً، فيما يخص السيد بوتن ورأه للغرض الذي كان عليه، وكانت لديه فرصة أقل لينشئ صداقة أقوى. وربما يعود ذلك إلى أن بعض سياساتهم جرحت تلك الفرص من خلال إشعال حنق السيد بوتن. وتلكم السياسات ربما تكون؛ توسع حلف الناتو، الحرب على العراق، أو حرب ليبيا، ولكن في النهاية قالوا: إنهم كانوا يتعاملون جوهرياً مع قائد روسي على خلافات مع الغرب.
وقال السيد دونيلون مستخدماً مصطلح إدارة أوباما المستخدم في سياستها: أعلم أن هناك انتقادات على ذلك وأن هناك إعادة تعيين النصح الخاطئ، لا، لم يكن هنالك إعادة تعيين للنصح الخطأ. أدت إعادة التعيين للوضع السابق إلى انجازات مباشرة كانت تصب في تحقيق مصالح الولايات المتحدة.
ادعى بعض الخبراء المختصين أن الرئيس أوباما والرئيسان السابقان رأوا ما كانوا يريدون رؤيته. “ركز الغرب على فكرة أن الرئيس بوتن رجل انتفاعي واقعي والذي سيتعاون معنا كلما كانت هنالك مصالح مشتركة وكافية” هذا ما قاله جيمس م. جولدجير، عميد الدراسات الدولية بجامعة أميريكان, ثم أضاف قائلاً: لقد تركنا ذلك الاعتقاد يرجح على هدفه المعلن في مراجعة وتنقيح عملية تسوية وضع ما بعد الحرب الباردة والذي فقدت روسيا السيطرة على منطقة مهمة وشاهدت ذلك بينما وسّع الغرب من ميدانه.
اتجه الرؤساء في التفكير في الحكام المستبدين أمثال الرئيس بوتن، وكأنهم زملائهم من رجال الدولة، وهو ما قاله دينس بلير، أول رئيس للأمن القومي في عهد أوباما وأضاف قائلاً: كان ينبغي عليهم التفكير في الدكتاتوريين بنفس الطريقة التي يفكرون فيها في السياسيين المحليين المنتميين للحزب الآخر. الخصوم الذين يبتسمون في المناسبات التي تأتي مواكبة لأهدافهم ويتعاونون فقط عندما يكون ذلك التعاون يعود بالنفع عليهم والذين هم من صميم قلبهم يسعون لإضعاف الولايات المتحدة، سيركّعون الولايات المتحدة إذا أتيحت لهم الفرصة، وسيمرون فقط إذا كانت لدى الولايات المتحدة قوة أكبر مما لديهم.
كما قال إرك إس. إدلمان الذي كان وكيل وزارة الدفاع في عهد بوش بأن القادة الأمريكيين بالغوا في تقدير قدرتهم على تهدئة غضب الرئيس بوتن على الغرب. كانت هنالك نزعة مستمرة من جانب رؤساء الولايات المتحدة والقادة الغربيين أن يروا بصورة أكثر اتساعاً، الشعور بالضيم أو الظلم كخلفية للحالة التي يمكن تعديلها من خلال مراعاة المصالح الوطنية الروسية. في الحقيقة هذه الجهود أخذت بثبات على أنها ضعف.
وبعد خمسة عشر عاماً لا يوجد في واشنطن من يعتقد أن الرئيس بوتن مازال شريكاً. ففي مقابلة في يوم الأحد لبرنامج “لقاء الصحافة” على قناة إن بي سي الأمريكية قال مايك روجرز النائب الجمهوري لشعبة الاستخبارات بمجلس النواب: يذهب (بوتن) إلى فراشه وهو يفكر في بيتر العظيم ويصحو وهو يفكر في ستالين. نحن بحاجة لفهم ماهية هذا الرجل وما يريده. ربما لا يكون متوافقاً مع ما نؤمن به عن القرن الحادي والعشرين.
خيبة أمل بوش
كان الرئيس كلينتون أول الرؤساء الذين اصطدموا بالرئيس بوتن، على الرغم من أنهم لم يتشابكوا لفترة طويلة. لقد أمضى فترة كبيرة من رئاسته يبني علاقات قوية مع الرئيس الروسي بورس يلتسن، سلف الرئيس بوتن، وبذلك يكون قد أعطى فائدة الشك لخلفه الذي تم انتقاءه ليصبح رئيساً للوزراء في العام 1999م ورئيساً ليلة رأس السنة الجديدة.
كتب الرئيس كلنتون في مذكراته “خرجت من الاجتماع معتقداً أن الرئيس يلتسن اختار خلفاً له يتمتع بالمهارات والقدرة على العمل الشاق والضروري لإدارة الحياة السياسية المضطربة لروسيا بشكل افضل من مما قدر عليه سلفه الرئيس يلتسن الذي أعطى اهمية أكبر لمشاكله الصحية.” وعندما تمت المصادقة على نتائج الانتخابات التي اختير فيها بوتن رئيساً في شهر مارس من العام 2000م دعاه الرئيس كلنتون لتهنئته، وكما كتب الأخير في مذكراته ” رفع سماعة التلفون وظلّ يفكر أنه قوي بشكل كاف ليحكم قبضته على روسيا.
وعلى الرغم من أن الرئيس كلنتون كانت لديه مخاوفه وخاصة عندما شن الرئيس بوتن حرباً على جمهورية الشيشان الانفصالية واتخذ اجراءات صارمة ضد وسائل الإعلام المستقلة. حثّ بشكل سري الرئيس يلتسن على أن يراقب خلفه في الحكم. كما شعر كلنتون بتجاهل بوتن له والذي بان غير مهتم بالعمل مع رئيس أميركي أزفت فترة ولايته على الانتهاء.
وعلى الرغم من أن الموقف السائد في ذلك الوقت هو أن الرئيس بوتن يعتبر المجدّد الذي بإمكانه دمج شكل الديمقراطية الخام مع الرأسمالية التي قدمها يلتسن لروسيا. تحرك بوتن سريعاً في اجراء إصلاحات لأراضي الدولة والنظام الضريبي ورموز القضاء. وكما أوضح ستروب تالبوت، نائب وزير الخارجية في عهد كلنتون في كتابه عن تلك الفترة أوضح أن جورج ف. كينان، المختص في شئون الكرملين، اعتقد أن الرئيس بوتن كان صغير وفطن وواقعي بشكل كاف ليفهم بأن الانتقال الروسي الجاري يتطلب منه ليس فقط استمالة هيكلة السلطة ولكن تغييرها.
وجاء بوش إلى البيت الأبيض وهو متشكك في الرئيس بوتن واصفاً إياه “بالمتألق البارد” ولكنه ارتبط به في أول لقاء جمعهما في سلوفينيا في يونيو 2001م، وبعد ذلك مباشرة قال تعليقه المشهور الآن وهو البحث في حقيقة الروح الروسية. وتمكن الرئيس بوتن من التواصل مع الرئيس المتدين بوش عبر إخباره قصة عن الصليب الذي منحته إياه أمه وكيف أن ذلك الصليب كان الشيء الوحيد الذي لم تلمسه نيران حريق ببيته في بلدته تلك.
لم يكن الكل مقتنعين بذلك. فنائب الرئيس بوش، دك تشيني عندما رأى الرئيس بوتن قال: (أعتقد أنه مخابرات أمن الدولة، مخابرات أمن الدولة، مخابرات أمن الدولة.) ولكن الرئيس بوش كان مصمماً على محو ذلك الخلاف التاريخي ورحّب بالرئيس بوتن أثناء زيارته لكامب ديفيد ودعاه لزيارة مزرعته في تكساس.
أحبّ الرئيس بوتن أن يتباهى بكونه أول رئيس أجنبي دعا الرئيس بوش عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م وبأنه سمح للقوات الأميركية بالدخول إلى آسيا الوسطى كقاعدة للعمليات التي تشنها ضد أفغانستان.
ولكن الرئيس بوتن شعر بأن الرئيس بوش لم يكن يبادله ذلك وتعرقلت هذه الصداقة بفضل الحرب على العراق وتسريع الكرملين للإجراءات الصارمة التي اتخذها ضد المعارضة بالداخل. وبحلول الفترة الرئاسية الثانية للرئيس بوش، تعارك الرئيسان حول الديمقراطية في روسيا والذي وصل قمته في لقاء نكِد جمعهما في سلوفاكيا في عام 2005م.
وفي وقت لاحق اشتكى الرئيس بوش إلى رئيس وزراء بريطانيا توني بلير قائلاً له : ( وكأن المبتدئ يناظرك برفعة) وفقاً لما ورد في ملاحظات تلك المحادثة. واستمر الرئيس بوتن في دحض حجج الرئيس بوش وردها عليه. قال بوش: جلست هنالك لمدة ساعة وخمس وأربعين دقيقة، واستمر ذلك الوضع على ما هو عليه. وفي أحد المواضيع، جعلني المترجم أفقد صوابي للحد الذي جعلني أصل إلى الطاولة وكنت راغباً في صفع الجحيم الخارج من ذلك الرجل. لقد كان يكيل الاتهامات لأمريكا بلكنته الساخرة.
وفي العام التالي اصبح الرئيس بوش أكثر إحباطاً من الرئيس بوتن. ففي عام 2006م أخبر الرئيس بوش رئيس وزراء الدنمارك عن الرئيس بوتن قائلاً: إنه (بوتن) غير مطلع. وكأنك تجادل طالب في الصف الثامن عن حقائقه الخاطئة.
وبعد اسابيع قليلة اخبر الرئيس بوش قائد زائر بأنه فقد الأمل في عودة الرئيس بوتن. وقال له: لم يعد الرئيس بوتن ديمقراطياً بعد الآن. إنه قيصر وأعتقد أننا خسرناه.
القاتل القاسي والبارد
ولكن الرئيس بوش كان متلكأً في الاستسلام حتى عندما كان كل من حوله لم يعد يرى تلك الفرصة التي رآها بوش. عند عودة وزير دفاعه الجديد من اول اجتماع عقده مع الرئيس بوتن أخبر زملاءه بانه بخلاف الرئيس بوش “نظرت في عيني الرئيس بوتن، وكما توقعت، رأيت قاتلاً صلباً وبارداً”
في العام 2008م وضع الرئيس بوش كلا من أوكرانيا وجورجيا في طريق الانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) الأمر الذي أدى إلى إحداث شرخ في التحالف وأغضب الرئيس بوتن. وفي ربيع عام 2008م، كان الرئيسان في بيجين لحضور الألعاب الأولمبية الصيفية عندما جاءت الأخبار بتحرك القوات الروسية باتجاه جورجيا.
كتب الرئيس بوش في مذكراته استذكاره لمواجهته للرئيس بوتن وتوبيخه له لأنه تم إغضابه من قبل ميخائيل ساكاشفيلي، وبعد ذلك من قبل الرئيس الجورجي المناوئ لموسكو. اخبر الرئيس بوش الرئيس بوتن “لقد قلت لك بأن ساكاشفيلي ذو دم حار” فرد عليه بوتن قائلاً “وأنا أيضاً ذو دم حار” فرد عليه الرئيس بوش قائلاً “لا أنت ذو دم بارد.”
استجاب الرئيس بوش لأحداث جورجيا بإرسال مساعدات انسانية لجورجيا ونقل قواتها من العراق إلى جورجيا وبإرسال سفينة حربية امريكية إلى المنطقة وعدم الاستمرار في الاتفاق النووي المدني مع روسيا.
وكان الرئيس بوش قلقاً من أن يكون الهدف التالي هو شبه جزيرة القرم. تمكن الرئيس بوش من ايقاف روسيا من ضم وابتلاع جورجيا دفعة واحدة. ولكن عشية انهيار بنك ليمان براذرز وبدء الأزمة المالية العالمية لم يقم بتطبيق أي من العقوبات التي الرئيس اوباما اليوم يقوم بتطبيقها على روسيا.
“نحن والأوروبيون رمينا بهذه العلاقة في المرحاض في نهاية العام 2008م” هذا ما استذكر قوله مستشار الأمن القومي للرئيس بوش، السيد ستيفن ج. هادلي ثم أضاف قائلاً: لقد أردنا ارسال رسالة مفادها أن ذلك غير مقبول استراتيجياً. كان من المحتمل أن نفعل أكثر من ذلك مثل فرض عقوبات اقتصادية.
فإذا لم يتخذ الرئيس بوش أي افعال عقابية قوية وممكنة فإن خلفه قد جعلها موضع النظر. وعقب توليه منصبه بأشهر قرر الرئيس أوباما إنهاء العزلة المفروضة على روسيا بهدف بسبب أحداث جورجيا من أجل بناء العلاقات معها. وبشكل مغاير للرؤساء السابقين حاول الرئيس أوباما أن يشكل علاقة ليس من خلال مصادقة الرئيس بوتن ولكن عن طريق تجنبه.
وبالخضوع الجوهري لمدة الرئاسة الروسية الدستورية التي حددت لكل فترة رئاسية تنحى الرئيس بوتن كرئيس ونصب معاونه ديميتري أ. ميدفيدف في منصبه بينما أحتفظ لنفسه بمنصب رئيس الوزراء. لذلك قرر الرئيس أوباما أن يتعامل مع ميديدف وكأنه الرئيس الفعلي حقاً.
تمكنت شبكة الويكي ليكز لاحقاً من الحصول على برقية دبلوماسية احتوت على الاستراتيجية التي توجز في ما يشبه الأولويات الفرنسية: توطيد العلاقات مع الرئيس الروسي ديميتري ميدفيدف على أمل أن يصبح الرئيس المستقل لفلاديمير بوتن.
وقبل زيارته الأولى لموسكو نبذ الرئيس أوباما الرئيس بوتن واصفاً إياه بأن لديه “قدم واحدة في الطرق القديمة لإدارة الأعمال التجارية” وأمتدح الرئيس ميدفيدف كقائد من الجيل الجديد. وبعد بضعة أيام من اللقاء الافتتاحي للرئيس أوباما مع الرئيس بوتن الذي شهد خطاب كلاسيكي مسهب من قبل الروسي حول كل الطرق التي أساءت فيها الولايات المتحدة لموسكو.
من ضمن أولئك المتشككين في استراتيجية أوباما هو مستر قيتس الذي ظل في منصبه كوزيراً للدفاع، و هيلاري رودهام كلنتون وزيرة الخارجية الجديدة. لقد كانت السيدة كلنتون مثلها مثل السيد قيتس لديها شك عميق في الرئيس بوتن. وسرياً قامت بتقليد رجولة الرجل في وضع الواقف المباعد بين رجليه اثناء لقائتهما. وعلى الرغم من أنهم لم يعولوا على الكثير من فرص النجاح إلا أن كل من كلنتون وقيتس وافقا على أن هذه السياسة تستحق المحاولة وببسالة قامت بإهداء نظيرها الروسي بزر ريموتكنترول “إعادة التعيين للوضع السابق” الذي ظل يستذكر على نطاق واسع بسبب الترجمة الروسية الخاطئة.
مناورة أوباما
بدت مقامرة أوباما على الرئيس ميدفيدف ذات جدوى لبعض الوقت. فلقد أحيا اتفاقية بوش النووية المدنية، ووقعا معاهدة الأسلحة النووية، وختموا معاهدة تسمح للقوات الأمريكية بالطيران عبر المجال الجوي الروسي في طريقها لأفغانستان وتعاونا في فرض عقوبات على إيران. ولكن لا يمكن أن يتم تجاهل الرئيس بوتن وبحلول العام 2012م عاد الرئيس بوتن للرئاسة وقام بتنحية ميدفيدف وأوضح بأنه لن يسمح للرئيس أوباما أن يتجاهله.
وتجاهل الرئيس بوتن جهود الرئيس أوباما لبدء محادثات جديدة وأعطى حق اللجوء السياسي لإدوارد ج. سنودن المسرب لمعلومات الأمن القومي. الغى الرئيس أوباما زيارة مقررة لموسكو في إشارة لعد وجود رابط شخصي مع بوتن. فالقائد الروسي لديه “نوع من الترهل” الذي جعله يظهر و”كأنه تلميذ ممل في آخر الصف.” وفقاً لملاحظة أوباما.
وفي نهاية المطاف، ووفقاً لما قاله العديد من المختصين الروس فإن الرئيس أوباما لم يلحظ كيفية رؤية الرئيس بوتن للثورة الأوكرانية الموالية للغرب التي أطاحت بحليف موسكو في الشهر الماضي.” من دون وجود ألفة وثقة لها معنى بين الرئيسين أوباما وبوتن، فمن شبه المستحيل استخدام اتصالات تلفونية رفيعة المستوى لحل مشاكل حقيقية” هذا ما قاله أندرو ويس، المستشار المختص بشؤون روسيا في عهد كلنتون وهو الآن نائب رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. ” وبدلاً عن ذلك يبدو أننا نتخذ وضعية ما ونمرر كلام بعضنا البعض.”
وبينما حاول الرئيس اوباما فهم ما عليه فعله لإنهاء أحداث أوكرانيا، تواصل مع قادة آخرين لا زالت لهم علاقة بالرئيس بوتن ومن ضمنهم المستشاره الألمانية آنجيلا ميركل، والتي أخبرته شخصياً بأنها تعتقد أن الرئيس بوتن في “عالم آخر.” ومن ضمنهم أيضاً وزير الخارجية جون كيري الذي صرّح علناً بأن خطاب الرئيس بوتن حول القرم لم “يتطابق مع الحقيقة”.
لقد أثار ذلك جدالاً في واشنطن: هل تغير الرئيس بوتن على مر السنوات الخمس عشرة الأخيرة وأصبح قلقاً بطريقة ما، أو ما إذا كان ينظر ببساطة إلى العالم بمفاهيم قوية مختلفة عما ينظر إليه الغربيون، مفاهيم تجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل ان نجد لها قواسم مشتركة؟
“بوتن ليس واهماً، ولكنه يعيش في روسيا القديمة – نسخة من الماضي التي قام بصنعها” هذا ما قالته فيونا هيل ضابط مخابرات رفيع مختصة بروسيا في عهد الرئيس بوش والمؤلفة المشاركة في تأليف كتاب بعنوان “الرئيس بوتن: الرجل الفعال في الكريملن” وقالت أيضاً : حضوره يتحدد بها ولا توجد رؤية منطقية للمستقبل. إلى اين بالتحديد سيذهب من هنا، هل سيذهب إلى ابعد من إعادة تأكيد نفوذه والسيطرة على مناطق النفوذ والناس؟ ثم ماذا؟
هذا هو السؤال الذي سيسأله الرئيس لبعض الوقت في المستقبل، ولربما سيسأل نفس السؤال الرئيس القادم .