مؤشرات نكِدة في إسرائيل
قد يلجأ البعض إلى الاعتقاد بأن إسرائيل تعيش رفاهيتها بكل سرور وأنها في أفضل حالاتها، وأنها تتمايل فرحاً وبهجة بما يحدث في مصر وسوريا والسودان والعراق ولبنان وليبيا واليمن وغيرها، بالنظر إلى أوضاعها الداخلية المضطربة، سواء المتعلقة بشؤونها الداخلية أو المرتبطة بعلاقاتها فيما بينها، أو بالنظر إلى علاقاتها المنسوجة جيداً مع بعض الدول العربية الفاعلة، والتي من شأنها أن تمنع كوارث مستقبلية ضد إسرائيل. وخاصة تلك التي تربط معها بعلاقات غير معلنة أو التي تحكمها معاهدات واتفاقيات سلام، مثلما هو الحال مع مصر والمملكة الأردنية.
ولقد استمعنا إلى محللين وخبراء محليين – فلسطينيين وإسرائيليين- وغربيين أيضاً، يعتقدون ذلك بالقول، أن إسرائيل قد أفادت من تطورات الأوضاع العربية القاسية، وأنها جاءت لمصلحتها، ويسوقون ظواهر ودلائل مختلفة سياسية واقتصادية وأمنية تشير إلى ذلك، وأهمها، كأن عززت إسرائيل من مواقفها السياسية والتفاوضية، وطورت أنظمتها الاقتصادية وضاعفت من قدراتها العسكرية، مستفيدة من أن بعض الأنظمة العربية باتت تئن تحت وطأة مشكلاتها الداخلية، وبعضها منهمكة في البحث عن مصالحها، وبعضها تقف على مسافة واحدة بشأن الصراع الدائر، وآثرت الانسحاب من مواجهة المشروع الصهيوني، وأخرى مرتبطة بالنظام الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي لا يساهم بأي حال في معاداة إسرائيل.
صحيح، يمكن القول بأن إسرائيل قد أفادت من الأوضاع الحالية، ولكنها بقدر ما أفادت فهي تخسر وخسارتها أكبر، فكما اطمأنّت إلى الدول التي تربطها بها علاقات سلام، فهي لا تأمن تطورات المستقبل وسواء من جهة التقلبات الشعبية المفاجئة، أو تلك المحتملة من نظام الحكم نفسه. وكما تأمن انهيار اقتصاداتها وإضعاف جيوشها، فهي لا تأمن حركات وجماعات وتنظيمات مسلحة غير رسمية، بسبب أنها أشد رهبة وقسوة، ولأنها غير مرئية يمكن مقاتلتها بسهولة، كما أنها لا تحتكم إلى قوانين محددة، يُعوّل عليها للحد من عدائها الأزلي لكيانها.
وهذه مائلة أمامها وليست ببعيدة عنها، وتشكل كابوسها الأسوأ سواء منذ الماضي وفي المستقبل، بما لها – على اختلافها- من رهبة وبأس عظيمين وتلقي قبولاً أكثر مما بالنسبة إلى الجيوش النظامية لدى الشارع العربي بوحهٍ عام، وإسرائيل نفسها لا تزال تذكر، أن بضعة نفرٍ فلسطينيين طيلة سنوات الانتفاضة الأولى 1987- 1993، كانوا يكافحونها بضراوة وفي نفس الوقت يحكمون الشارع الفلسطيني كأفضل ما تكون عليه الأجهزة الأمنية لدى أفضل الدول وأكثرها عدّة وعتاداً.
منذ قيامها تعيش إسرائيل على الحافة، بل وليس من النافلة، القول بأنها تعيش الآن أسوأ حالاتها، فعلاوة على صداعها المزمن الآتي من جنوبها على طول الخطوط المحاذية للقطاع، بفضل حركات المقاومة(حماس والجهاد وأخرى) فإن هناك عدة أبواب مفتوحة على مصارعها ضدها، لا تتعايش معها بسهولة، وتشكل أسباباً لا تدعوها يوما ما إلى أن تكون في مأمن.
ومن جهةٍ أخرى، فإن إسرائيل يُسعدها استمرار المناكفات الحاصلة بين الدول العربية ويسعدها أيضاً استمرار انسكاب الدم بين المتناحرين في الدولة الواحدة، ولكنها في ذات الوقت لا يسعدها أن ترى الاضطراب متواصلاً، فهي تريد الاستقرار أن يتم، بسبب أن فوائده أعلى من فواقده بالنسبة لاستمرارها وبقائها مسجلة في كشوفات الأمم المتحدة.
وبالعودة إلى الوضع الإسرائيلي التفاوضي، فهو لا يبدو اليوم كما يرام، لاستبعاد أن تسفر جهود الولايات المتحدة عن إحراز تقدم في عملية التسوية الجارية، انطلاقاً من قراءتها التفاوضية القائمة على مبدأ التفاوض من أجل التفاوض، وهي بصدد تنفيذ فكرتها على أن يكون الجانب الفلسطيني هو من يقوم بعملية تفجير ذلك التفاوض.
من ناحيةٍ أمنيّة، حذر وزير الجيش الإسرائيلي السابق “إيهود باراك” خلال حديثه في مؤتمر لدراسات الأمن القومي في تل أبيب، من هجوم (إرهابي) بيولوجي وكيميائي غير مسبوق، كما حذر من أن (أعداء إسرائيل) سيكون باستطاعتهم امتلاك صواريخ دقيقة يمكنها من استهداف مبانٍ معينة، بسبب أن العلم يخدم مصلحة الأعداء العدائيين، ويقصد التنظيمات والحركات العادية لإسرائيل سواء كانت المرئية كحركتي حماس والجهاد الفلسطينيين وتنظيم حزب الله في الجنوب اللبناني أو التنظيمات الغير مرئية كالقاعدة وتنظيمات سلفيّة وجهادية أخرى، واعتقد “باراك” بأن إسرائيل ستستمر في رؤية العديد من الصواريخ، والتي ستكون أكثر دقة بكثير وخلال فترة وجيزة، والتي سيكون من الصعب عليها غلق هذه الفجوة.
أيضاً وفي معضلةٍ أخرى، فقد تنبأ عدد من الخبراء العسكريين وفي جهاز المخابرات الإسرائيلية (الشاباك)، بأن الدولة ستواجه جيلاً من الاستشهاديين، في حال استمرار الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وفي حال تلاشي الآمال في التوصل إلى اتفاق بشأن القضية الفلسطينية، وما سيترتب عليها من تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية الخاصةّ بهم، لا سيما وأن هناك مؤشرات تدلل على تراخي قبضة السلطة الفلسطينية، بفعل الإحراج الذي تشعر به بسبب أنها فشلت في جلب الكثير مما تصوّره وأمِلهُ الكثيرين من حيث الإنجازات والمكاسب، سيما في ظل تواصل الاستيطان والتهويد ومواصلة الدولة استفزازها المشاعر الفلسطينية على مدى الوقت.
كما أن حروب (السايبر) التي تشنها جهات مجهولة، تشكل أعباء أخرى تتحملها مختلف القطاعات المؤسسية في إسرائيل، بدءاً بالمؤسسات الأمنية والعسكرية، والاقتصادية ومجموع المؤسسات الأخرى، والتي من شأنها شل الحركة تماماً بعامّتها في إسرائيل.
لذا، فإننا سنستمر في سماع الأنين الإسرائيلي، وسنرى التقرحات الإسرائيلية تتعاظم على مدار الوقت، حتى في ظل حصل اتفاق سلام – على الرغم من استبعادي له – مع الفلسطينيين أو مع العرب والبلاد الإسلامية بوجهٍ عام، بسبب أن تلك التقرحات لا علاج لها، ولا شفاء منها، والتي من شأنها، تشجيع أن تظل جهات مختلفة تطالب بفلسطين التاريخية، لا تنقص سنتمتراً واحداً، وهذا أكثر ما تخشاه إسرائيل.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق