التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

باحثون يدعون إلى إعادة قراءة الحداثة الشعرية العراقية 

ثقافه – الرأي –
على خلفية ملتقى السياب الإبداعي الأول
 
البصرة – صفاء ذياب
دارت في أروقة ملتقى السياب الإبداعي الأول، الذي أقيم في مدينة البصرة يومي الخميس والجمعة الماضيين، أحاديث كثيرة بشأن أهمية هذا الملتقى والبحوث التي خرج بها النقد على مدى جلستين نقديتين، وأكد بعض الحاضرين على أن هذا الملتقى كان يجب أن يعقد قبل هذا الموعد بكثير، خصوصاً أن بعض اتحادات الكتاب في الدول العربية عقدت ندوات وأماسي بمناسبة مرور خمسين عاماً على رحيل السياب، واختيار اتحاد الكتاب العرب هذا العام للاحتفاء بالسياب وتجربته التي غيّرت من خريطة الشعر العربي.
توصيات
خرج الملتقى بتوصيات، قرأها الروائي أحمد خلف في الجلسة الختامية، يأمل المشاركون أن تُفّعل خلال هذا العام والأعوام المقبلة، منها أن يكون موعد انعقاد الملتقى في شهر كانون الأول من كل عام، فضلاً عن تشكيل لجنة تضم ممثلين من وزارة الثقافة والحكومة المحلية والاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق واتحاد أدباء البصرة لمتابعة شؤون الملتقى والاستعداد لفعالياته بما يليق ومدينة البصرة بوصفها عاصمة للثقافة العراقية، مثلما هي العاصمة الاقتصادية للعراق، والتحضير لفعاليات الملتقى قبل ثلاثة أشهر من تأريخ انعقاده لغرض تهيئة المستلزمات المتعلقة بالملتقى، إضافة الى إنشاء مركز دراسات السياب، تتولى تأسيسه جامعة البصرة بالتنسيق مع اتحاد أدباء البصرة يهتم بالفنون والعلوم والآداب، وأخيراً الاهتمام ببيت السياب في مدينة أبي الخصيب وتحويله إلى متحف ثقافي عربي لاستقبال الزوار العرب والأجانب. وفي هذه الفقرة فوجئ الأدباء، في الجلسة الصباحية لليوم الثاني التي أقيمت في بيت السياب، بما فعلته الحكومة المحلية ببيت السياب ومنزل الأقنان الشهير، من إعادة إعماره بدلاً من ترميمه، وكأن الأدباء دخلوا بيتا جديدا لا علاقة له بالسياب وبيته الذي كتب به كثيراً.
أيام السياب النقدية
الشاعر فراس الصكر يرى أن أهمية انعقاد ملتقى باسم السياب يأتي من اعتباره رائداً لحركة التجديد الشعرية، من جانب آخر كان رمزاً وطنياً وجزءاً من التراث الوطني العراقي، ويعتقد الصكر أن مجرد التفكير للاحتفاء بالسياب بحاجة الى وقفة، فكيف يمكن أن يكون هذا الاحتفاء؟ وكيف يمكن أن يكون هذا التكريس نوعياً لا كرنفالياً كبقية المهرجانات التي تنتهي ما ان ينتهي فعلها الثقافي؟ “أعتقد أننا مطالبون كعراقيين أن نقدم ما هو أكثر من المهرجان. هنالك تيار شعري بإمكاننا أن نجلو الغبار عنه ونضع اليد على مفاصله الثقافية المهمة، وهذا ما لم يدرس في شعر السياب. أعتقد أن القراءات الشعرية غير كافية، وأن جلستين نقديتين خجولتين غير كافيتين، نحن بحاجة إلى أن نقيم أيام السياب النقدية، وأيام السياب الشعرية، والأيام الفكرية، من أجل التفكير بشكل جاد لنقدم ما يمكن أن نضيفه لريادة السياب وحركته التجديدية”.
ويشير الصكر إلى أن هذا المهرجان كان بإمكانه أن يشكل إضافة، لكننا يجب أن نفكر بطبيعة هذه الإضافة وحجمها، لا يمكن أن يقدم مهرجانً ويمر مرور الكرام من دون اعتباره جزءاً من الحراك الثقافي، باعتباره حركة إبداعية قُدّمت فيها أوراق وأفكار، وهناك الكثير من الأحاديث الجانبية التي ستثري؛ بالنتيجة، الحراك الثقافي، لأنها معنية بالمبدعين العراقيين. مضيفاً أنه كان بإمكان هذا المهرجان أن يكون حدثاً كبيراً لو خطط له أكثر مما ينبغي، أو نفذ على وجه أفضل. 
الشاعر والناقد غسان حسن لا يبحث عن مهرجان تقليدي يتضمن قراءات شعرية وتقديم بحثين أو ثلاثة، “كنت أتمنى لو كانت هنالك دراسات رصينة طبعت في كتاب يوزع على الحاضرين، لتتسنى لنا مناقشة التجربة السيابية المتكاملة وأثر السياب وتراثه وفكره في الأجيال الشعرية”، السياب؛ من وجهة نظر حسن، تجربة متكاملة استفادت منها الأجيال المتعاقبة. “كنت أتمنى أن يسلط الضوء على بعض المفاهيم الشعرية، سواء كانت في القصائد الكلاسيكية أو التفعيلة أو القصيدة الجديدة. هناك صيرورة في الشعرية العراقية أخذت منحى يكاد يقترب من العالمية، هناك الكثير من الأمور الفنية كنت أتمنى أن تكون حاضرة هنا، وأن يكون الملتقى مهرجاناً إبداعياً بحجم وكبر قامة السياب”.
البنى التشكيلية
من البحوث التي قدمت في الجلسات النقدية، طرح الدكتور جاسم محمد جسام، بحثاً قرأ من خلاله البنى التشكيلية في شعر السياب، مبيناً أنه حاول إعادة قراءة السياب وتصديره من جديد من خلال مجموعة من المسارات والرؤى. وفي البحث المقدم الذي يتحدث عن البنى التشكيلية في المتن السيابي، طرح جسام سؤالين مهمين، الأول يتعلق بـ”هل ان السياب قدّم مساراً بنائياً جديداً على مستوى البناء الشعري”، والثاني “ما مدى تأثر السياب بالشعر الغربي وانعكاس ذلك على المتن السيابي”، وقد طرحت من خلال البحث مجموعة من الأبنية المشكلة للنص ومنها البناء المعقد أو المركب، الذي تتداخل فيه المسارات البنائية على مستوى الأسطورة والرمز والصورة الشعرية والبناء العضوي الذي نجد فيه أن هناك ما يشبه عملية المزج بين القصة أو السيرة والفنون التشكيلية والسينمائية في النص”، ومن خلال هذه الأبنية تحدث جسام عن البنية الكلية للنص في شعر السياب الذي يجده شاعراً غير عادي، كرس فتحاً مهماً على مستوى البناء في القصيدة، وتمكن من خلال ما قدمه، أن يقدم أنموذجاً شعرياً أهّل فيما بعد الشعر العربي والعراقي لأن يقدم نماذج على مستوى الشكل والبنية والثيمات من خلال استخدامه للأساطير والرموز والصور الشعرية التي فيها من الجدة الشيء الكثير. “ما أريد أن أقوله في النهاية أن البحث أثبت تأثر السياب تأثراً كبيراً بالأدب الغربي، خصوصاً أنه اطلع على الشعر الانكليزي، وهذا التأثر انعكس بشكل واضح في متنه الشعري، كما أنه حاول أن يقدم شكلاً ومساراً بنائياً جديداً أصبح جلياً فيما بعد. السياب كان نقطة تحول في الشعرية العربية”.
المدينة الحلم
في حين حاول الدكتور جاسم الخالدي أن يطرح في دراسته “المدينة الحلم في شعر السياب” مفاهيم جديدة بشأن فكرة السياب عن المدينة وتمثلاتها، إذ حاول أن يبحث عن مدينة الحلم في شعره، “بدايات السياب لم تكشف عن ملامح هذه المدينة بشكل واضح، لكن عندما نذهب إلى قصائده اللاحقة، لا سيما في قصيدته “السوق القديم” نجد أن هذه المدينة تظهر ملامحها، وإشكالية المدينة والقرية في شعره، وكانت هذه المدينة ممثلة ببغداد، لكنها لم تستطع أن تسحب السياب لها ولم تجعله يتعايش معها، لهذا كانت بالنسبة لديه مبغى كبيراً، ومع مرور الزمن لم يستطع أن يتخلص من تأثير القرية عليه، وإذا تمكن من خلق أساطيره الخاصة بالقرية، لكنه لم يستطع أن يخلق أساطيره الخاصة بالمدينة”. ويضيف الخالدي أن ملامح المدينة الحلم كانت واضحة في قصيدته “إرم ذات العماد”، متخذاً الطابع الأسطوري، لكنه باشتغالاته على مجمل المدينة بقي دائراً في مجتمع القرية، وبقيت جيكور هي الحلم والطفولة والطهر والحياة جميعها، وبقيت بغداد المدينة تشكل عنده الضياع، لذلك تأتي قصائده عبارة عـن عنوانات، مثـل السراب والضياع. 
مجمل القول، بحسب الخالدي، ان السياب لم يستطع الخروج من عقلية القرية، حتى المدن التي زارها السياب مثل لندن وباريس والكويت، كانت أماكن للقول الشعري لديه، لكنها لم تكن دافعاً لكتابة قصيدة يتحدث فيها عن هذه المدن، ولم يبن من خلالها مدينة الحلم التي ينشدها.

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق