السعودية وتركيا وقطر.. اختلفوا في الكثير واتفقوا على العراق!
عادل الجبوري
رغم أن الشهور الستة الماضية شهدت مظاهر ومعالم تفكك وتشظٍّ واضحة للمحور السعودي-التركي-القطري، عبرت عنها المواقف والتوجهات المتناقضة بشأن جملة من الملفات الاقليمية، الا ان مواقف الاطراف الثلاثة حيال العراق بقيت على حالها، وكأن الرياض وانقرة والدوحة التي افترقت على الساحة السورية، والساحة المصرية، وساحات وميادين اخرى، اتفقت على عدم التقاطع والافتراق بخصوص العراق، واذا حصل شيء من هذا القبيل فيفترض الا يؤثر على الخطوط والعناوين العامة، وحتى في حال رأى اي طرف ان مصالحه تقتضي التخفيف والتهدئة، كما هو الامر بالنسبة لتركيا، فيكون ذلك بلا تصعيد ضد مواقف الطرفين الاخرين.
ومع انطلاق الماراثون الانتخابي، للانتخابات البرلمانية المقرر اجراؤها نهاية الشهر الجاري، راحت الاطراف الثلاثة تعمل على تفعيل ادواتها، وتحريك اجنداتها، للوصول الى واحد من هدفين:
الاول: عرقلة اجراء الانتخابات وادخال العراق في فوضى سياسية وامنية تكون مقدمة لافشال العملية السياسية الديمقراطية وانهيار النظام السياسي الحالي.
الثاني: تقديم الدعم لجهات سياسية معينة، استنادا لاعتبارات طائفية-مذهبية، وفي نفس الوقت العمل على احداث شروخ وتصدعات وتقاطعات في داخل منظومة المكون الشيعي، لاضعافه الى اقصى قدر ممكن.
وتنقل اوساط مطلعة على بعض خفايا الامور، ان الرئيس الاميركي باراك اوباما طلب من الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز خلال زيارته الاخيرة للملكة اواخر شهر اذار/مارس الماضي، تخفيف التدخل السعودي في العراق المراد منه افشال الانتخابات البرلمانية، وتؤكد المصادر ان الملك عبد الله لم يعد اوباما بشيء ايجابي، وانما اكتفى بالرد “يصير خير”!.
ولعل من بين ابرز مؤشرات التدخل القطري والسعودي السيئ خلال الموسم الانتخابي، هو تشكيل شبكات تُوجه وتُدار من قبل جهات سياسية مدعومة وممولة من الرياض والدوحة لشراء بطاقات الناخبين الالكترونية في محافظات الجنوب والفرات الاوسط ذات الاغلبية الشيعية، ومن ثم اتلافها.
وفي هذا السياق، يقول نائب رئيس مجلس محافظة ذي قار ناصر تركي “ان الاجتماعات الامنية مع الجهات الاستخبارية وقيادة شرطة المحافظة اكدت توارد مثل هذه المعلومات”، داعيا “المواطنين وخاصة في القرى والارياف الى عدم التعامل مع هذه الجهات، والى التمسك ببطاقاتهم والمشاركة بقوة في الانتخابات التشريعية المقبلة”.
بينما تتحدث تقارير استخباراتية عن قيام بعض دول الخليج ومنها السعودية وقطر وكذلك بعض المنظمات المتشددة في كل من دولة الامارات والمغرب العربي والاردن بتنفيذ اجندات لتمزيق العملية الانتخابية في العراق من خلال شرائها البطاقات الالكترونية من اجل تجيير اصواتها الى جهة معروفة الولاء والتعامل معها عبر التواصل المستمر طيلة السنوات الماضية لتمزيق بناء الدولة العراقية.
وفتاوى المرجعيات الدينية في النجف الاشرف بتحريم بيع وشراء بطاقات الناخبين الالكترونية لم تأت من فراغ، وانما جاءت بفعل خطورة المتاجرة ببطاقات الناخبين التي تعني المتاجرة بالعملية الانتخابية الديمقراطية في العراق، وتضليل وخداع الناس.
وما يعزز حقيقة بيع بطاقات الناخبين، تأكيد مواطنين، بأن هناك اشخاصا باعوا بالفعل بطاقاتهم بمبالغ وصلت الى ثلاثمائة دولار للبطاقة الواحدة.
المؤشر الاخر على التدخل السعودي القطري بصورة سلبية، اقدام اشخاص غير عراقيين على الترشيح للانتخابات بعد تزوير وثائق عراقية ثبوتية، وهذا ما قام به شخص قطري بمساعدة جهات سياسية عراقية، اسمه نواف حمود نواف الزكروطي الشمري، حيث طرح ترشيحه ضمن قائمة ائتلاف الرماح الوطني في محافظة نينوى، وهذا يعد اختراقا خطيرا للغاية، يعكس عمق التدخلات الخارجية السلبية.
إلى جانب ذلك، فان تدفق الاموال السعودية لجهات وشخصيات سياسية عراقية معينة، يشير بوضوح الى ان الرياض ادركت منذ وقت غير قصير انها عاجزة عن تغيير الواقع السياسي العراقي بما ينسجم مع مصالحها وتوجهاتها، لذلك راحت في الوقت الذي ترسل الارهابيين الانتحاريين، وتصدر الفتاوى الطائفية التحريضية، وتوظف وسائل الاعلام التابعة لها لتشويه صورة العراق، وتعمل على محاصرته وعزله سياسيا ودبلوماسيا، واضعافه اقتصاديا، راحت تضخ الاموال لتغيير المعادلات لصالحها، سواء خلال موسم الانتخابات او في غيره، بيد ان معدلات ذلك الضخ اخذت تزداد وترتفع وتيرتها قبيل الانتخابات، ووفقا لتسريبات من داخل كواليس المكون السني، ان خلافا حادا نشب بين رئيس كتلة الكرامة الملياردير خميس الخنجر من جهة، واعضاء من كتلته من جهة اخرى بشأن تقاسم اموال تقدر بملايين الدولارات جاءت من الرياض، وهذه ليست المرة الاولى التي يختلف فيها سياسيون من المكون السني بشأن اموال واردة من الخارج، وتحديدا من السعودية وقطر.
وبالرغم من كل تلك التحركات، الا ان احدا لا يعتقد ان الرياض والدوحة، ومعهما انقرة، قادرة على تغيير موازين القوى في الساحة العراقية، لان الانتخابات ومهما اعترتها نقاط ضعف وتجاوزات وتلاعب وتزوير، سترسم معادلات تعكس طبيعة التركيبة السكانية بعناوينها المذهبية والطائفية والقومية، وتعكس واقع وحجم القوى السياسية على الارض.