العداء السعودی لایران ومحور المقاومة.. الی أین؟
تسلسل الأحداث التاریخیة یؤکد عکس ما یدعیه الآخرون إذ لو کان الأمر کما یزعمون فلماذا کانت هناک علاقات وثیقة وحمیمة بین السعودیة وأخواتها وایران العهد البائد علی زمن “الشاه” المقبور والذی مضی علیه حوالی 36 عاماً حیث کانت الاطاعة والطاعة العمیاء من قبل عواصم بلدان الجزیرة العربیة لطهران آنذاک عندما کانت الأخیرة ذات صلة حمیمة ومتینة مع الکیان الصهیونی المحتل وکانت تمده بالنفط والمواد المعدنیة والأموال بناءاً علی طلب الأمیرکی بعد أن کانت تلعب “ایران الشاه” دور الشرطی فی المنطقة خدمة للمشروع الصهیوأمیرکی .
ولکن ما إن أنتصرت الثورة الاسلامیة المبارکة وسقطت القلعة الحصینة والرصینة للهیمنة الامیرکیة واللوبی الصهیونی فی المنطقة وباتت الأحوال تهدد وجود الکیان الصهیونی اللقیط وتحولت ایران من الداعم الی العدو الأول لهذه الغدة السرطانیة وتبدلت السفارة الاسرائیلیة فی طهران الی أول سفارة لفلسطین علی وجه المعمورة؛ حتی انطلقت صفارة الأنذار المبکر لتبشر المسلمین والعرب وأحرار العالم بقرب سقوط الصنمیة الصهیونیة العالمیة وزوال المحتل الصهیونی من الأراضی الفلسطینیة والعربیة المحتلة علی سواعد المقاومة الاسلامیة الشریفة وبطبیعة الحال بدعم وإسناد من الجمهوریة الاسلامیة فی ایران بعد أن وضعت نصرة جمیع المستضعفین فی العالم وعلی رأسهم الشعب الفلسطینی علی رأس أولویاتها السیاسیة والستراتیجیة بأمر من مفجر ثورتها ورائد مسیرتها وبانی شموخها وعظمتها الامام الخمینی /قدس سره/ .
ومن هنا کان لابد لمحور الشر الاقلیمی والدولی المکون من عرب الجاهلیة واللوبی الصهیونی بقیادة أمیرکا وبدعم بریطانی وفرنسی غرباً والاتحاد السوفیاتی السابق شرقاً من توحید قوته ومؤامراته لضرب الثورة الاسلامیة الفتیة عبر تحریک الواعز والعرق القومی وبشعار طائفی یقوده بطل العروبة وحامی بوابتها الشرقیة المجرم المعدوم “صدام” فیما أوعز للسعودیة وأخواتها الخلیجیات بدعم هذا المشروع الاجرامی التآمری مادیاً ولوجستیاً وأمنیاً وفتح جمیع المنافذ الحدودیة ومقار اصدار الفتاوی الجاهلیة والمنحرفة عسی ولعلهم یتمکنوا من أن یطفئوا نور الله.. “یُرِیدُونَ أَنْ یُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَیَأْبَی اللَّهُ إِلا أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ کَرِهَ الْکَافِرُونَ” – التوبة: 32، رغم ثمانی سنوات عجاف من الحرب الشرسة والظالمة والغیر متکافئة التی فرضوها علی الشعب الایرانی المسلم فخرجوا فی نهایتها خاسئین خاسرین مطأطئی الرؤوس یجرون أذیال الخیبة من ورائهم، خاصة بعد أن صدقت نبوءة الامام الخمینی /قدس سره/ بأن الطاغیة “صدام” سیهاجم الکویت ما أن ینتهی من حربه مع ایران وهذا ما حصل عام 1991 .
ولم یعتبر حکام المذلة والخیانة العربیة من هذا الدرس العسیر وأخذوا یواصلون تمادیهم بین الحین والآخر فی حقدهم وکراهیتهم للشعب الایرانی المسلم ومن یقف الی جانبه وتکرر السیناریو ذاته خلال حرب ال33 یوماً علی لبنان بین الکیان الصهیونی الغاصب وأبناء الضاحیة الجنوبیة لبیروت أبطال المقاومة الاسلامیة اللبنانیة الأشاوس؛ حیث لم یتوانوا فی دعم أبناء عمومتهم من بنی صهیون بکل الوسائل المتاحة وبالعلن دون خجل أو استحیاء حتی حرموا وبفتاوی وعاظ سلاطینهم حتی الدعاء لنصر أبناء حزب الله المسلمین علی العدو الصهیونی المحتل والکافر ومنعوا حتی تقدیم الدعم الاعلامی لهم ناهیک عن الدعم المالی وحبسوا وجرموا کل من قام بذلک فی هذه الامارة العربیة أو تلک .
لم یقف الصراع السعودی عند هذا الحد وبدا أکثر وضوحاً ضد ایران التی أخذت ثورتها الاسلامیة المبارکة وبفضل حکمة وحنکة قائدها المفدی سماحة الامام السید علی الخامنئی بالانتشار والاتساع فی البلاد الاسلامیة لتفجر شرارة الصحوة الاسلامیة المبارکة والتی بدأت من شمال افریقیا من تونس الزیتونة ثم أتسع نطاقها لیشمل لیبیا المحکومة بعظمة الجنون طیلة أربعة عقود ومن ثم مصر الفاطمیة الحلیف الستراتیجی للعدو الصهیونی الغاصب حتی بلغت محیط بلاد الحجاز حیث أنتفض الشعب الیمنی الأبی دفاعاً عن کرامته ودینه الذی استباحته العلمانیة البعثیة واجتاحت ربوعه الوهابیة السلفیة ومن ثم عرجت الصحوة الاسلامیة لتحتضن بلاد العزوالکرامة البحرین وتشتعل أنوارها فی ربوع المنطقة الشرقیة لبلاد الحجاز.
وجاءت خطابات قائد الثورة الاسلامیة سماحة آیة الله العظمی السید الخامنئی للشعب المصری المسلم والثوری ولسائر الشعوب الاسلامیة فی البلدان الثائرة کمشعل وهاج لتنیر درب الثوار المسلمین الاحرار وتحذرهم وتنبههم من مخططات المشروع الصهیونی اللئیم الذی کان قد تم التخطیط الیه فی مطلع التسعینیات ببناء “شرق أوسط جدید” یخدم بقاء الاحتلال الصهیونی فی المنطقة وتوسعه وأمنه قبل أن تفشله سواعد المقاومین لحزب الله فی عیتا الشعب ومرجعیون وبوابة فاطمة وقانا و…. بجنوب لبنان لیجر جیشه “الذی لایقهر” أذیال الذل والخسارة والانکسار والفشل ویعود فی جنح ظلام اللیل الدامس بمظلة دولیة تسمی القرار 1701 .
من هنا أشتد وطید الصراع السعودی الایرانی مدعوماً هذه المرة بالمجموعات الارهابیة التکفیریة التی بدأت نشاطها عبر التفجیرات الانتحاریة والسیارات المفخخة ضد المواطنین الابریاء والعزل من أبناء العراق الجریح ما أن دخل المحتل الامیرکی الی أرض الرافدین ؛ ولکن هذه المرة بصورة أکثر علانیة ووضوحاً وفی سوریا وتحت مسمی “الربیع العربی” حیث أنهال الارهابیون من 83 دولة عالمیة نحو بلاد الشام لیمزقوها ویشعلوا نار الحرب الطائفیة التی کانوا قد عولوا علیها منذ أکثر من ثلاثة عقود وفشلت فی الحرب العراقیة المفروضة علی ایران لیعیدوا الکرة مرة اخری عسی أن یربحوا اللعبة هذه المرة “وَمَکَرُواْ وَمَکَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَیْرُ الْمَاکِرِینَ” آل عمران: 54 .
فأرتفعت فتاوی “الجهاد” ضد محور المقاومة الذی تمثل سوریا الصمود قلبه النابض لیدفعوا بعشرات آلاف الشباب المغرر بهم بهمجیة ووحشیة وجنسیة ودمویة واجرامیة نحو ذبح المواطنین العزل والابریاء تحت یافطة “الطائفیة” تارة و”الصلیبیة” تارة اخری هنا وهناک فی سوریا ولبنان میدانیاً؛ فیما بلغت الضغوط السیاسیة والترغیبات المالیة ذروتها مع قادة البلدان الغربیة وفی مقدمتها امیرکا وبریطانیا وفرنسا عبر عقد صفقات شراء المعدات العسکریة من قبل السعودیة واخواتها والتی بلغت ذروته عام 2011-2012 لتصل الی أکثر من 116 ملیار دولار هدفها تشدید الحظر علی ایران ومنعها من حقها فی امتلاک التقنیة النوویة السلمیة لکنها سرعان ما تهاوت بعد التوقیع علی اتفاق “جنیف النووی” بین طهران ودول “5+1” الذی أثار مرة اخری حفیظة وخوف وفزع الامارات الخلیجیة الموروثة لتزید من رعونة وقساوة وبشاعة أجرامه فی سوریا ولبنان والعراق سعیاً منها لتوجیه الضربة لایران الاسلامیة .
مسلسل الاحداث التاریخیة فی العلاقات السعودیة – الاسرائیلیة والتی لم تعد خافیة علی أحد یؤکد أن الصراع السعودی ضد ایران الاسلامیة ومحور المقاومة لیس صراعاً طائفیاً کما ذکرنا فی مقدمة المقال کون أن المؤسسة الدینیة السعودیة تابعة کل التبع للقیادة السیاسیة وتری بقائها وحیاتها فی بقاء آل سعود فی السلطة؛ بل هو صراع سیاسی ستراتیجی بغیة دعم أمن وأستقرار الکیان الصهیونی المحتل علی أرض الرسالات السماویة والمعراج النبوی الشریف وقبلة المسلمین الأولی وبتأکید الوثیقة التی منح عبرها الملک عبد العزیز آل سعود مؤسس السعودیة أرض فلسطین لآبناء عمومته الیهود عبر رسالته للمندوب البریطانی “برسی کوکس” والتی جاء فیها..” بسم الله الرحمن الرحیم.. أنا السلطان عبد العزیز بن عبد الرحمن آل الفیصل آل سعود، أقرّ وأعترف ألف مرة، لسیر برسی کوکس؛ مندوب بریطانیا العظمی، لا مانع عندی من إعطاء فلسطین للمساکین الیهود أو غیرهم، کما تراه بریطانیا، التی لا أخرج عن رأیها، حتی تصبح الساعة..) !.
وقد استعرض الملک “فیصل بن عبد العزیز” الذی تولیالسلطة بعد أن تم عزل والده من قبل مفتی المملکة آنذاک الشیخ “محمد بن إبراهیم آل الشیخ” فی یوم 27 جمادی الآخرة 1384 هـ الموافق 2 نوفمبر 1964 بویع ملکًا للسعودیة؛ قد استعرض سائر اجراءات والده الملک “عبد العزیز” خدمة لآبناء العم المحتلین لفلسطین بشکل مبسوط ومنها دور السعودیة فی إحباط لثورة 1936 الفلسطینیة، ودورها فی نکبة 1948، عبر الرسالة التی أرسلها الی الرئیس الأمیرکی الأسبق “جونسون” عام 1967 یطلب منه فیها إخراج القوات المصریة من الیمن، والسماح ل”إسرائیل” أن تحتل مصر وسوریا !!.
ومن ثم جاء دور الدعم السعودی ل”السادات” وما آل الیه المشروع التساومی بالتوقیع علی اتفاقیة “کامب دیفید” المشؤومة وما جری من بعدها من تنازلات تلو تنازلات عربیة علی طبق من ذهب للمحتل الصهیونی الغاصب ، وما تلاه من دور سعودی بارز فی قمة بیروت ومشروع الملک عبد الله التساومی للاعتراف بمشروعیة الاحتلال الصهیونی لأرض فلسطین وتقسیم “القدس” لتکون عاصمة للمحتل فی شقها الغربی وعاصمة فلسطینیة فی شقها الشرقی!!، والغاء حق العودة للمشردین واللاجئین الفلسطینیین، واعتبار النزاع العربی – الاسرائیلی منتهیا، والدخول فی اتفاقیة “سلام” بین البلدان العربیة وبین “إسرائیل”، وإنشاء علاقات طبیعیة مع تل ابیب فی إطار هذا “السلام الشامل” !!.
هذا اذا ما تجاهلنا وضع سلطات آل سعود لمجموعة جزر “الصنافیر” ومساحتها (40) کیلومتر مربع و”تیران” والتی تبلغ مساحتها (80) کیلومتر مربع السعودیة التی تسیطر علی مدخل البحر الاحمر وخلیج العقبة وشبه جزیرة سیناء وذات أهمیة إستراتیجیة کبیرة تحت تصرف المحتل الاسرائیلی منذ عام 1967 وحتی یومنا هذا .