انتصار الرواية
ثقافة ـ الرأي ـ
هل علينا أن نؤمن بأن الزمن هو فعلا زمن الرواية، وأن على القصة القصيرة أن تتحمل الخسارة على الرغم من فوز الكاتبة الكندية اليسمونرو بجائزة نوبل للآداب 2013، حيث وصفتها الأوساط الثقافية بأنها سيدة القصة القصيرة المعاصرة. وجاء منحها للجائزة بحسب الحكام، بسبب أناقة أسلوبها ومهارتها في صياغة الأقصوصة التي تطعمها بأسلوب واضح وواقعية نفسية.. واعتبرت اللجنة في قرارها أن “اليس مونرو معروفة خصوصا بأنها كاتبة أقصوصة إلا إنها تمنح عمقا وحكمة ودقة في كل قصة على غرار ما يفعل غالبية الروائيين في كامل أعمالهم..”
إذن المهم ليس في جنس العمل رواية أو قصة، بل هو كيف يلامس الكاتب العمق الإنساني الحقيقي في البناء الفني، ويعكس صورة حقيقية عن المعاناة المجتمعية، وما يطرأ عليها من متغيرات يمكن لها أن تفوق الخيال أحيانا في بعض مجرياتها، وهذا ما جسدته رواية ” أحمد سعداوي” فرانكشتاين في بغداد” التي فازت بجائزة البوكر العربية، باعتبارها أفضل عمل روائي نشر خلال السنة الماضية، وجرى اختيارها من بين 156 رواية مرشحة تتوزع على 18 بلدا عربيا.
هل يمكن لنا أن نقول أن نجاح الرواية وتميزها جاء عبر استنادها إلى اللامعقول والفنطازي والغرائبي الذي انتهجه بطل الرواية “هاديالعتاك” بائع مواد الخردة في حي شعبي في بغداد التي تشهد يوميا تفجيرات تطال الأبرياء، فتتناثر أجسادهم ببشاعة، وهنا يبدأ مرتكز عبارة “الفرانكشتاين” الذي قام بدوره هادي، وهو يبادر بلصق البقايا البشرية لضحايا الانفجارات في سنوات الفتنة الطائفية في بغداد ما بين عامي 2005 – 2006، ويبدأ بخياطة الأجزاء ليعيد تشكيل جسد جديد، تحل فيه لاحقا روح لا جسد لها لينهض كائن جديد يسميه هادي “الشسمه” وتسميه السلطات بالمجرم “إكس” ويسميه آخرون “فرانكشتاين”.وهو عكس ما استند عليه حكام جائزة نوبل في مسببات قرارهم بمنح الجائزة للكاتبة اليس مونرو لواقعيتها الحقيقية.
ولكن اليس الواقع العراقي فاق الخيال، فجاءت رواية السعداوي بهذه الأجواء اللامعقولة، لتشتغل على مرتكز ما يجري في العراق من إعادة تمثل الحياة بأشكال مشوهة جديدة تفتقد الألفة مع الجسد وتعيش بروح غرائبية مع الحيوات حولها ومع الفكرة الربانية ومع الوجود المتناهي في تمظهراته بأشكال وتجسدات مختلفة ما بين القبول والرفض لوجودها، فتطاردها السلطات خشية من تعميم الحالة وانتشارها ويخشاها القاتل الذي عاث تمزيقا بالجسد والروح الأولى التي احتوته!
انتصار الرواية، أية رواية .. جاء مرتكزا على فكرة انها دخلت بنا في عالم الحكاية الممتدة من دون الاقتصار على لقطة أو زمن مستقطع من تفاصيل الحيوات المتسارعة حولنا، وهذا الامتداد ينقلنا إلى عوالم تقترب من تفاصيلنا اليومية، فنبدأ بإسقاط فرضيات ما نقرأ على نماذج نعرفها أو على أنفسنا ونعيد تمثل الحالة لنخرج بنتائج أو حلول أو تجارب مضافة تعطينا إياها حكايات الآخرين الذين هم جزء منا او نحن ظاهرة مكلمة لهم.
فوز السعداوي هو انتصار جديد للرواية العراقية، التي تعيش اليوم في أجواء غارقة في ملفات لا حصر لها ما بين الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والانساني ، وتحاول ان لا تكون واجهة أحادية في تجسيد حجم الضرائب المجتمعية المدفوعة نتيجة الدخول في متضادات الضغوط المتنامية حولها والتي تعطي للمنتج الابداعيالعراقي تفردا خاصا يذكرنا بالأديب الفلسطيني الذي كتب الكثير وما زال عن المعلن والمستتر والمقبول والمرفوض والصادم في واقعه وضمن ثنائية الانسان والمجتمع التي ينتج عنها رؤى وسردياتوتداعيات لا حصر لها.
انتصار الرواية لا يعني خفوت القصة القصيرة، بل كلاهما واجهةابداعية صادقة وصادمة للمعلن والمسكوت عنه والاثنان يشكلان جسد الروائي والرواية والقصة والحكاية.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق