قاسم عجام
ثقافه – الرأي –
عقد كامل مر على استشهاد الباحث والناقد قاسم عبد الأمير عجام، إذ استشهد بنيران أعداء النور والحرية والسلام في 17 – 5 – 2004.استذكارنا المبكر له هذا اليوم هو لإيقاظ ذاكرة المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية والوسط الثقافي عامة، من رقدة التجاهل والنسيان.
مايجري عادة عند رحيل كل مبدع…السيناريو ذاته، تفجع وندب في الصحافة ووسائل الإعلام المرئي والمسموع، إطراء محاسن الراحل وانجازاته، استنكار إهمال المؤسسات الثقافية له، توصيات بطبع أعماله المخطوطة أو مجلد لأعماله الكاملة، رعاية أسرة الفقيد، لأن الراحل تركهم بلا مورد يذكر، لأنه كان منقطعا لعالم الكتب والكتابة، فهي من تخلده،
قد يذكر الراحل في ذكراه الأولى، وقد ينظم ملتقى باسمه مرة أو مرتين، ومن ثم يصبح نسيا منسيا.
لابد أن نرتقي في استذكار مبدعينا الراحلين بما يليق بهم، لا بد أن نخفف من إحباط مبدعينا الأحياء الذين يدركون أن مصائرهم ستكون كسابقيهم.
خشية المبدعين الأحياء لاتكمن في رعب مآل نظرائهم الموتى، بل خشيتهم من توجهات أبنائهم وأحفادهم، هؤلاء حين يرون رثاثة حال آبائهم أو أجدادهم ممن احترفوا الكتابة، سيحيدون عن أن يسلكوا المسلك ذاته، فيتجهون إلى اهتمامات مختلفة، كل الاهتمامات ماعدا مهنة الكتابة، بل ثأرا من تلك الرثاثة يبيعون مكتبات ذويهم بأبخس الأثمان، فهي تركاتهم الوحيدة التي لاتعوض بثمن بالنسبة لذويهم من الكتاب.
مواجع استذكار الشهيد قاسم عجام في عشريته الأولى، تحض على تنظيم مايليق بالراحل ومقامه الرفيع في الثقافة العراقية، رفعة يجمع عليها غالبية المثقفين العراقيين، أقيم ملتقى ثقافي باسم الراحل في مدينته الحلة، لم يستمر سنويا، كما كان مقررا، كما صدر كتاب شهادات عنه ضم مقالات وقصائد مجموعة من المثقفين والأدباء في رثاء الراحل. وأصدر شقيقه الشاعر والكاتب علي عبد الأمير عجام كتابا استذكاريا عنه بعنوان “قتل الملاك في بابل”، وهناك مشروع يتبناه على عبد الأمير في توثيق جميع منشورات الراحل في سلسلة كتب، وهومشروع عظيم حقا.
كان خبر استشهاده مدويا، تزامن مع تسلمه منصب مدير عام دار الشؤون الثقافية قبل أسبوعين، فقد توسم الأدباء والمثقفون خيرا برجل وضع في مكانه المناسب، توسموا فيه ذلك لما يمتلك من المزايا الجامعة للسمعة الأخلاقية الطيبة في الوسط الثقافي، فضلا عن ثقافته الموسوعية ورؤيته الموضوعية الثاقبة في تحليل الشؤون الحياتية كافة، سياسيا واجتماعيا وثقافيا، عد مسهما في تأسيس بواكير النقد الثقافي في العراق، تجد متونها في كتابات عجام في الفن والأدب والسياسة.
كرس عجام في الكثير من كتاباته النقد التلفزيوني والنقد السينمائي، انتظم لمن يقرأ كتاباته في هذين المجالين وعي بأهمية الصورة الدرامية في الثقافة المعاصرة، اهتمام الراحل وولعه بنقد الدراما كأنه استباق واع بقدوم عصر الصورة.
رحل على مشارف الشغف الكبير الآن بالصورة والميديا أو ماسميت بثقافة مابعد الحداثة، رحل ومرحلة التغيير دخلت عامها الثاني آنذاك. خسرته،وبقية شهداء الكلمة، هذه المرحلة الحساسة في تاريخ العراق. اغتيالات أصحاب ثقافة التنوير، أسهمت في إدامة الفوضى وهشاشة المرحلة الانتقالية.
وبذلك حقق أعداء الديمقراطية أهدافهم، في إعاقة العراق من التطور المتسارع، حققوا تخييب الناس مما كانوا يرجون أن يتحقق وبزمن قياسي.
يتحرق أخيار هذا الوطن على بطء مسيرة عجلة التطور فيه. فوضى ومجانية في التعاطي حتى مع قضايا تكريم العلماء والمبدعين، لايحقق التطور المتسارع إلا تشريع قوانين تعدل بين الناس وتعلي شأن نخبه الثقافية والعلمية والفكرية، وتنفذ بحزم من دون أي ارتجال.