الشيعة في اليمن.. رسالة السلام بوجه دعاة التكفير
استشهاد اثنين من الشباب الشيعة داخل مركز ثقافي في العاصمة اليمنية صنعاء برصاص التكفير الطائفي وبأسلحة كاتمة الصوت، يعيد الحديث مرة اخرى حول الأسباب الحقيقية وراء استهداف هذا المكون الاجتماعي في اكثر من بلد. فبعد العراق والبحرين والسعودية وباكستان وسوريا ولبنان، نلاحظ استهدافاً ممنهجاً في اليمن على يد الفكر التكفيري الذي تقف خلفه دول وأموال وأحزاب.
“مكتبة الغدير” التي استهدفها الإرهابيون في وقت سابق من الشهر الماضي، يمثل احدى المراكز الثقافية للشيعة الاثني عشرية في اليمن، وهو يعمل بموجب ترخيص من الدولة، منذ 2004، بيد انه ما برح يتعرض للمضايقات والاستفزازات في عهد الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وفي عام 2010 تم سحب الترخيص، لكنه استعادها بعد الثورة وهبوب نسيم “الربيع العربي”. ومعروف عنه في صنعاء اهتمامه بنشر الفكر والثقافة الاسلامية، بعيداً عن التحريض والإثارة، إنما يشجع على البحث العلمي والطرح الموضوعي، لذا كانت اكثر العناوين اجتذاباً؛ كتب “ثم اهتديت”، و”ليالي بيشاور”، و”المراجعات”. وهي كتب معروفة بالطرح العلمي والعقلي في مسائل العقيدة والدين. فقبل اليمن، سجلت هذه الكتب وامثالها حضوراً واسعاً وعميقاً في بلاد أخرى وعلى نطاق واسع من القراء.
البذرة الطيبة
التشيع في اليمن ليس على شاكلة المذاهب والافكار التي تم تصديرها الى هذا البلد العريق، من خلال حكام ودول لها مصالحها، إنما هو مقترن بتاريخ هذا البلد مع الرسالة المحمدية، بمعنى أن التشيع دخل اليمن بقرار من النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، عندما بعث أول مرة خالد بن الوليد الى أهل اليمن يدعوهم فيه الى الاسلام، فأقام هناك ستة أشهر، لكن النتيجة كانت الخيبة والفشل، فانتدب أمير المؤمنين، عليه السلام، لهذه المهمة، وبعث بيده كتاب يعفي خالد ومن معه، من هذه المهمة. وحسب المصادر التاريخية فان الامام، عليه السلام، لم يدم طويلاً في هذه البلاد حتى أسلم جمع كبير من أهلها، وكان في طليعتهم “الهمدانيين”. ومذ ذاك، تشكلت العلاقة الوثيقة بين الامام علي عليه السلام، وبين أهل اليمن بشكل عام، والهمدانيين بشكل خاص، فكان لهم الحضور المميز والبطولي في معارك الامام مع الناكثين والقاسطين والمارقين، من منطلق ايمانهم العميق والراسخ بأحقية الامام وبطلان ما ذهب اليه الآخرون. ولعل ما عزز ذلك ما سمعوا عنه من النبي المصطفى من الفضائل والمكارم والمناقب.
هذا الايمان الولائي عند اهل اليمن، هو الذي خلق حالة العداء والحقد في قلوب طلاب السلطة من المتلبسين برداء الاسلام. ولعل حملة طائفية – تكفيرية شهدها شيعة اليمن تعود الى عهد معاوية، عندما أرسل أشد قادته غلظة ودموية، وهو “بسر بن أُرطاة”، وحصل ما حصل من مجازر فظيعة بحق المسلمين بشكل، بهدف انتزاعها من الوالي من قبل الامام علي، عبد الله بن العباس. بيد ان هذا الارهاب الطائفي، لم يمح آثار المؤمنين، حيث ما تزال اليمن تحتفظ بمسجد يعود تأسيسه لعام (8) للهجرة، على يد امرأة همدانية اسمها “فاطمة”، هي اول من اسلم على يدي أمير المؤمنين، علیه السلام. ويذكر المؤرخون أن صنعاء كانت تاريخيا تضاهي الكوفة في الولاء لأهل البيت، علیهم السلام.
اقتتال من أجل السلطة
كما هو حال الشيعة في البلاد الاسلامية، يخوض الشيعة في اليمن صراعاً مفروضاً ومرفوضاً في آن، مع تيارات فكرية واحزاب مستميتة في القتال من اجل الوصول الى كرسي الحكم، وهي ترى في اتباع أهل البيت، عليهم السلام، اكبر عقبة في الطريق، والسبب ليس في الشيعة، وأنهم ينافسونهم على هذا الطموح، إنما بسبب افتضاح أمرهم امام الرأي العام الاسلامي بوجود النقيض لهم، وهي الحالة الصحيحة والفكر الاصيل الذي يستمد جذوره من الرسالة المحمدية، وليس من الافكار الأموية او العباسية.
إن الهواجس الداخلية والخارجية من الوجود الشيعي في اليمن، مصدره سرعة انتشار التشيع الاثنا عشري في هذا البلد، كما هو حاله في البلاد الاسلامية، فمن المعروف أن التشيع الزيدي هو الغالب على التصنيف الاجتماعي في اليمن، ويعود تاريخه الى القرن الثالث الهجري، عندما هاجر من العراق الى اليمن يحيى بن القاسم الرسّي بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن علي بن ابي طالب علیه السلام، وهو يُعد أول ناشر للمذهب الزيدي في اليمن. ونظراً لانتسابه لأهل البيت عليهم السلام، فقد لاقى التفاعل والترحيب في مناطق عديدة، وكانت البداية لتأسيس الدولة الزيدية في اليمن، وقد تعاقب عليها حكام كثيرون، آخرهم هو “حميد الدين يحيى المتوكّل على الله”، ولما اغتيل هو وولداه الحسن والمحسن، وحفيده الحسين بن الحسن بيد بعض وزرائه عام (1367هـ) في ظلّ مؤامرة أجنبية، قام مكانه ولده الإمام بدر الدين، ولم يكن له نصيب من الحكم إلاّ مدّة قليلة حتّى أُزيل عن الحكم عن طريق انقلاب عسكري.
وحسب المصادر في اليمن، فان اتباع الوهابية والسلفية والجهات الاخرى المتقاتلة على الحكم، لا تخشى هذه الطائفة التي تحمل اليوم لقب “الحوثيين” نسبة الى زعيمهم الحالي “بدر الدين الحوثي”، إنما الخشية كل الخشية من انتشار الاثني عشرية بمساعدة الطائفة الزيدية نظراً الى المشتركات الكثيرة بينهما. حتى ان مدن رئيسية مثل عدن وصنعاء اصبحتا مركزاً لنشاط الشيعة الاثنا عشرية، الى جانب وجودهم الملحوظ في مدن أخرى مثل الجوف، ومأرب، وذمار، ورداع.
وبفضل غلبة التيار القومي – العروبي في اليمن، ضمن الخارطة العربية خلال العقود الماضية، تم تهميش الشيعة وإسكات أي صوت لهم، حيث كان للدور السعودي الاثر الكبير في قمع واضطهاد المؤمنين والموالين لأهل البيت، عليهم السلام، في حين لم تصدر من الشيعة بشكل عام، واتباع المذهب الزيدي أي بادرة تنم عن إخلال بالأمن والاستقرار في البلاد، بل العكس، كانوا دائماً مواكبين لمسيرة البناء والإعمار والعمل في الادوار الاجتماعية والانسانية. أما السلاح فقد رفعته الطائفة الزيدية (الحوثيون) في مناطق شمال البلاد المحاذية للحدود مع السعودية، عندما أعلنت الرياض وقوفها بقوة وبشكل سافر الى جانب علي عبد الله صالح، رغم الرفض الجماهيري المطلق له، والمطالبة بالاطاحة به خلال احداث “الربيع العربي”. وكان واضحاً للجميع انقاذهم لابنهم المدلل، من السقوط والموت السياسي، بل كان لهم الفضل في انقاذه من الموت النهائي عندما نقلوه الى السعودية بعد تعرضه لحادث اغتيال تسبب في حرق اجزاء عديدة من بدنه، وحسب المراقبين، فقد عملوا الى إعادة الحياة اليه من جديد، وحرصوا على أن يغادر السلطة مع ماء وجهه من خلال اتفاق نقل السلطة بشكل سلمي، لتبقى أيادي السعودية مطلقة في النظام السياسي في اليمن.
المصادر المتطابقة تشير الى أن الخارطة السياسية الحالية، مكونة من تيار الاخوان المسلمين الناشط، الى جانب التيار السلفي – التكفيري المدعوم من السعودية، وأكد مقربون الى أن التناقض والتنافر بين التيارين، والفشل الذي أصابهما في مصر، جعلهم متفقين في اليمن ومتقاربين بهدف مواجهة الخطر الشيعي.
وما تشهده البلاد حالياً من حالة تصفيات جسدية واسعة في صفوف القوات المسلحة، هو جزء من سيناريو لزعزعة الامن والاستقرار في البلاد ودفع الحكومة الى سوح المعارك مع الاطراف الداخلية في مقدمتها “الحوثيين” رغم انهم لم يحملوا السلاح بوجه الحكومة والدولة قط، إنما فعلوا ذلك بوجه التدخلات السعودية السافرة. هذا التدخل والنفوذ في اليمن، لم يحل دون تعرض حوالي (65) جندياً وضابطاً لعملية اغتيال غادرة منذ شهر كانون الثاني الماضي، في هجمات استهدفت أفراد ومؤسسات الجيش والأمن، كان آخرها ما جرى في محافظة حضرموت التي راح ضحيتها قرابة (20) جندياً، بينما كان أفراد من اللواء 37 مدرع عائدين من صلاة الجمعة لتناول وجبة الغداء, فكانت أيدي الغدر أقرب إلى أرواحهم.
وهنالك من يعتقد بأن ثمة نوايا لدفع البلاد نحو التقسيم من خلال إشاعة حالة الارهاب والتصفيات الجسدية دون وجود حلول امنية او سياسة واضحة من العاصمة تحفظ ارواح الجنود ومنتسبي القوات المسلحة. فقد اعتبر المحامي والناشط الحقوقي، خالد الآنسي، في تعليقه على احدى الحوادث الارهابية الاخيرة، بانها ليست أول مرة يتعرض الجنود للقتل بهذه الطريقة أو البشاعة، وأن الإشكالية والجرم الأكبر هو أن بعضاً ممن قاموا بقتل الجنود تم إطلاقهم من المعتقلات ومن السجون وهم مدانون وصدرت ضدهم أحكام قضائية باسم أنهم “حراك” وتم سفرهم إلى الخارج وأن من يقومون بهذه الجرائم يكافؤون بهذا الأمر..”!
واضاف في حديث صحفي بان المشكلة هي من نتائج سياسة الاغترار بالقضية الجنوبية والرهان على العنف، وأن هذه الأحداث- خصوصاً على ما يحدث من تبرير- توحي أن هناك قوى سياسية أصبح الحراك المسلح ذراعها العسكري وهي تمثل عقل هذا الحراك, تريد أن تفرض أقلمة على نحو معين, على نحو مناطقي للتشطير، ولذلك هي تدعم هذه الأعمال من خلال التدريب لها ومن خلال الدفاع عنها ومن خلال الوقوف ضد أي تحرك لوقفها أو التحقيق فيها وتحويل من يقومون بها إلى أبطال ورموز وطنيين وجعلهم مناضلين وتحويلهم من قتلة إلى نجوم”.
وتؤكد مصادر متطابقة أنه رغم وجود الحكومة التي تمثل حالة توافقية في البلاد، إلا ان الارادة السياسية الاولى بيد السفير الامريكي في صنعاء ماتيو تويلر، الذي يمتلك يحرك الادوات على الارض بشكل غير مباشر لإثارة العنف الطائفي، وقد وصل هذا الدبلوماسي الامريكي الى صنعاء قادماً من الكويت حيث كان يشغل سفيراً هناك، كما شغل مسؤوليات دبلوماسية في بغداد والرياض القاهرة. بمعنى انه ذو إلمام كافٍ بالوضع السياسي المرتبط بالخلفيات الدينية في المنطقة، لاسيما ما يتعلق بالوضع الشيعي في الشرق الاوسط، مما يجعل شيعة اليمن امام تحدٍ كبير في مستقبل هذا البلد، واختبار صعب لإثبات وجودهم وتحقيق رسالتهم الحقيقية.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق