بالتفاصيل: «داعش» تخترق الامن السعودي وتفتح فرعا لها في المملكة
علي عبدسلمان
قليلون هم، وخارج المملكة العربية السعودية خاصة، الذين توقفوا عند اعلان المتحدث الرسمي باسم وزراة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي، القبض وتفكيك مجموعة “ارهابية” مرتبطة بتنظيم “القاعدة” كانت تخطط لاستهداف منشآت حكومية ومصالح اجنبية في المملكة.
ما يلفت النظر في هذا الاعلان عدة امور على درجة كبيرة من الاهمية لما لها من ارتباطات بالوضعين السعودي الداخلي، والوضع الاقليمي المتعلق بدولتين على وجه الخصوص هما سورية والعراق:
*اولا: الكشف، وحسب الاعلان الرسمي جاء عن “تنظيم” وليس “خلية ارهابية”، يضم حوالي 65 شخصا نصفهم من السعوديين الذين جرى اطلاق سراحهم سابقا في قضايا امنية وخضعوا لدورة ضمن برامج التأهيل والمناصحة التي تعتبر من “افكار” الامير محمد بن نايف وزير الداخلية لمواجهة التطرف الاسلامي وتنظيم القاعدة خصوصا، مما يعني ان دورات التأهيل والمناصحة التي حظيت بشهرة عالمية لم تحقق اهدافها، وجاءت بنتائج عكسية تماما بدليل عودة هؤلاء الشبان وغيرهم الى العمل التنظيمي الجهادي.
*ثانيا: ان اعضاء التنظيم “بايعوا” اميرا واقاموا شبكة اتصالات كاملة مع تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام بامارة الشيخ ابو بكر البغدادي، وجمعوا حوالي 250 الف دولار كتبرعات من الانصار، ومن المعروف ان تنظيم الدولة الاسلامية هو الاكثر تشددا، وسحب بيعته من تنظيم “القاعدة” الام كرد على انحياز الدكتور ايمن الظواهري الى جبهة “النصرة” الاكثر “اعتدالا” واقتصارها على السوريين فقط كمقاتلين في صفوفها مع بعض الاستثناءات.
*ثالثا: تبدد الاعتقاد الراسخ الذي ظل سائدا لعدة سنوات وهو نجاح قوات الامن السعودية في القضاء على تنظيم “القاعدة” وخلاياه والجماعات الاسلامية المتشددة التي تتبنى ايديولوجيته، فاكتشاف هذا التنظيم يؤكد سقوط هذه النظرية، وضخامة حجم الاختراق الامني، ويؤشر الى احتمالات وجود تنظيمات او خلايا اخرى لم يتم كشفها بعد.
*رابعا: اللواء التركي قال في مؤتمره الصحافي انه تم ضبط معمل لتصنيع الدوائر الالكترونية المتقدمة التي تستخدم في التفجير والتشويش والتنصت وتحوير اجهزة الهاتف المحمول، واذا صحت هذه المعلومات، وهي تبدو صحيحة، فان اعضاء هذا التنظيم من النخبة المتعلمة تعليما جيدا وراقيا، وليسوا من العامة، ولا نستغرب ان يكونوا اكتبسوا هذه الخبرات التقنية العالية في جامعات غربية، او من خلال دورات في العراق او سورية او ليبيا او اليمن حيث توجد مركز تدريب قوية للتنظيمات الجهادية.
*خامسا: اشار اللواء التركي ان اكتشاف هذه التنظيم جاء من خلال جهد امني استمر “عدة اشهر” وهذا يفسر مسارعة العاهل السعودي الى اصدار مراسيم جديدة بمعاقبة كل سعودي “يجاهد” في الخارج، العقوبات تصل الى السجن عشرين عاما، وكذلك اصدار هذه العقوبة في حق الدعاة الذين “يحرضون” هؤلاء الشباب على الجهاد في سورية والعراق خاصة.
فالسلطات السعودية غضت الطرف على مشاركة الشباب السعودي في “الجهاد” في سورية بشكل مباشر او غير مباشر، من خلال دعمها وتسليحها للجماعات الاسلامية المقاتلة، كما غضت الطرف عن عمليات جمع التبرعات لهم، وبعض الدعاة الذين يدعموهم على شاشات محطات تلفزيونية مدعومة من المملكة او من امراء في الاسرة الحاكمة.
الآن وبعد ان اكتشفت هذا التنظيم الجديد ومدى تغلغله قررت التراجع بسرعة عن قتال مواطنيها في سورية والعراق بعد ان بدأوا يعودون الى المملكة ويحاولون استخدام خبراتهم في محاولة الاطاحة بالنظام.
*سادسا: تبين من بيان المتحدث الرسمي الامني السعودي اللواء التركي ان التنظيم استخدم وسائط التواصل الاجتماعي مثل “الانترنت” و”الفيسبوك” لتجنيد الشبان، وهذا ما يفسر ايضا حملات التشديد والمراقبة على الوسائط هذه من قبل السلطات السعودية، واصدار قوانين بعقوبات مشددة على من “يسيء استخدامها” ويطالب بالاصلاح السياسي.
المملكة العربية السعودية منيت بهزة امنية كبيرة باكتشاف هذا التنظيم، ومن غير المستبعد ان تواجه هزات اخرى مماثلة او اكثر خطورة، فهي محاصرة ببؤر المد “الجهادي الاسلامي” الاكثر نشاطا وخطورة مثل اليمن في الجنوب والعراق في الشمال الشرقي، وسورية في الشمال الغربي.
تنظيم “القاعدة” بصورته القديمة يتلاشى حاليا، ويحل محله تنظيم، او تنظيمات جديدة استنسخت تجربته وادبياته، ولكن بصورة اكثر تشددا، ونحن نتحدث هنا عن تنظيم “الدولة الاسلامية” الذي اصبحت له قواعد ميدانية وشعبية راسخة في الدول الثلاث، ولم يعد نشاطه مقتصرا على الشام مثل تنظيم “النصرة”، لانه لا يميز بين عراقي او سوري او شيشاني او يمني، ولا يحصر عملياته في دولة واحدة، فجميع الحكومات العربية والاسلامية “كافرة” في نظر هؤلاء ولا تطبق الشريعة الاسلامية تطبيقا حازما.
كشف “التنظيم الاسلامي المتشدد” في السعودية وضخامته، واتساع شبكته يعني ان احتمالات عودة الفكر القاعدي بصيغته الحديثة الى السعودية ودول خليجية اخرى مسلحا بتجارب قيادية وعسكرية وتنظيمية حديثة متطورة باتت اكثر قربا من اي وقت مضى.
طباعة الخبر
ارسال الخبر الى صديق