التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

خسوف الضمير” للشاعر رعد زامل 

بغداد ـ ثقافة ـ الرأي ـ

مدارات البحث عن الآخر تشكل الأساس الذي ابتنت عليه مدونة الشاعر رعد زامل الموسومة (خسوف الضمير) الصادرة عن دارالروسم للطباعة والنشر – بغداد – 2014، لكن الآخر في مسارات البحث ليس هو الآخر الغيري/ الهوة، أو الجحيمي في المنظور السارتري، وإن كانت المدونة بالأساس قائمة على إظهار الآخر الجحيمي الذي يقهر أنا الشاعر بحضوره المهيمن على إرساليات المجموعة، لكن الشاعر لا يغلق دائرة الجحيمية أو الغيرية القاهرة مكتفيا بإطلاق كلمة سارتر(الآخرون هم الجحيم) بل يبقي دائرة الآخر مفتوحة في دعوتها لاستعادة إنسانيتها.
الكلمة الأولى

إن هذا الإظهار- بمعنى ما- هو بمثابة نشدان وجود أنا مماثلة تمانع هيمنة خسوف الضمير، وتبقي الأنا بمنجاة عنها، أنا مشرقة ساطعة تطابق أنا المرسل/ الشاعر وتماثلها، الأنا الطينية، الكلمة الأولى التي أطلقها الرب التي تقيم تعارضا مع الكلمة الأولى مثلها، ولكن التي أطلقها الرب على الأنا المعتمة، هذه الثنائية الضدية التي نقع عليها في تمهيد/ مدخل الشاعر( لست أكثر من كلمة / أطلقها الرب على الطين/ أنا الكائن الهش/ الذي تدوس عليه / في الليل/ أقدام الذين مثله/ كانوا كلمة أيضا/ ولكن كما لو انها / أطلقت على الفحم) قبل دخوله للاشتباك في رحلته الانطولوجية في البحث عن الآخر الذي يسعى الشاعر لأن يتشارك معه رقعة التعايش الإنساني.
مهيمنة الغياب والنفي

ان الوحدات الشعرية المتشكلة ضمن مدخل الشاعر تستعينبالمثيولوجيا الكونية التفاضلية بين الشيطان والإنسان، لكن الشاعر يقلب تلك الخصائص المثيولوجية، ليكون الإنسان هذه المرة، هو الذي يقيم تفاضلا بين إشراقيته كإنسان مشع ومزهو بنورانية ضميره إزاء الآخر الذي مثله، كان كلمة لكنه معتم وتلك العتمة لم تأتِ الا نتاج خسوف الضمير، فدلالة مفردة الفحم عندما ترتبط بالدلالة الكبرى في كون إرسالية الشاعر ستقود البحث إلى هذا الاستنتاج، حيث يهيمن الغياب والنفي على الأشياء في مجمل نصوص مدونة الشاعر، ففي النص الأول الموسم عن الخراب وظلامه المر يستهل الشاعر قصيدته ب( لا قطار/ لا محطات…..) تتوالى أدوات النفي ومفردات الغياب لتشكل عوامل تهميش الإنسان الذي سيخرج بمواجهة الضمائرالمتسوسة في النصوص القادمة من المجموعة التي أبرزها نص ( خسوف الضمير) الذي استعارت المجموعة تسميتها منه .

بحث عن الضمائر
تستقر رحلة البحث عن الضمائر ضمن النص الأساس أو البؤرة المركزية التي شدت اليها وحدات بقية نصوص المدونة، وقد ابتكر الشاعر لأجل وحدة نصوص مدونته لازمة ( الضمير) في نص خسوف الضمير، ولازمة الهشيم في نصوص الهشيم ولازمة الغياب في نصوص الغياب وأيضا الرماد في نصوص الرماد، وهي تعمل على تدوير النص وربطه بالمناخ العام للمدونة، وفي سياق هذه اللازمة يتم توليد دلالات متعددة مع كل وحدة نصية تختمها هذه اللوازم وأخصها لازمة الضمير، لكن بالمحصلة فان هذه الدلالات ترتقي لتكون الدلالة الكبرى التي تسعى المدونة إلى توليدها ، بحيث أن هذاالاطار الفني يخدم مدونة الشاعر في تكوين نسق دلالي يشير الىاستلاب الكائن المقهور نتاج خسوف الضمير .

ان الكائن في المدونة مستلب منذ بداية التكوين/ منذ كان كلمة أطلقت على الطين وإلى ( منذ متاهة/ والإنسان بالشوكة والسكين يتناول لحم الإنسان – مقطع من نص خسوف الضمير) ارتقاء إلى مؤسسات القهر الاجتماعي التي تتوالى على إقصاء وتهميش وتغييب هذا الكائن في إطار التمثيلات الكثيرة المبثوثة في نصوص المجموعة، ما يؤدي في المجموعة إلى إنتاج انطباع حولها بأنها مجموعة تشاؤمية عدمية ارتيابية إزاء الآخر .

تدفع المجموعة عنها النظرة التشاؤمية في إشارتها للبحث عن الوردة التي تحل بمثابة الضمير، وفي اخضرار الضمير، وعملية البحث هذه تظل مستمرة ( غدا …/ عندما نصل إلى الينابيع/ سيفرش لنا/ الملائكة الأرض بالعشب/ ويسألوننا عن الحياة كيف طويناها/ تلك الصحراء التي/ لا خيمة: كان الجفاف / يخيم على الازمنة/ وكان الخريف / يسلمنا الى الخريف/ وكنا كغرباء في محطة / ولأن الوجوه تتساوى / في المحطات / فلم تكن سيمانا/ في وجوهنا/ ولكنها كانت / في اخضرار الضمير

أبو ذر الغفاري
ربما ان القرائن في هذا المقطع تشير الى ان الشاعر يبتكر عالما افتراضيا يحضر فيه قناع تاريخي معبر هو ( الغفاري) كممثل عن الضمائر الحية ، لكن ذلك لا يعمل على نفي العالم الواقعي، بل انه بمثابة رسالة تسرد على لسان الغفاري لتراتبية القهر والاستلاب والقتل المترشح عن خسوف الضمير، الذي لن يتوقف الا بالبحث عن أثر الوردة والعمل على ديمومة اخضرارها، بمعنى أن الشاعر يوجه رسالة للعالم الواقعي في الانصات إلى لغة الضمير، بذلك ينجح الشاعر في توجيه بوصلة القراءة باتجاه قراءة مدونته في سياق كونها مدونة تتتبع مسؤولية غياب الضمير عن هذا الخراب الانساني، الذي سوف لن ينتهي ما لم نجد اثر الوردة وما لم نغذ اخضرارها، لتتعافى الذات الانسانية من تلك العتمة وذلك الخسوف الذي يطوق الضمير .

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق