شوقي كريم
بغداد ـ ثقافة ـ الرأي ـ
هو واحد من “خوشية” السرد العراقي ومن مشاغبي جيل السبعينيات المنصرم، وصاحب راية التمرد القصصي مع بعض منمجايليه الذين اجترحوا سقوفاً عالية في الشأن القصصي العراقي منذ بواكير( أصوات عالية ) التي صارت سبة عليهم، حين كتب أحد كتبة السلطة آنذاك: إذا كان هؤلاء أصواتا عالية وهم بعيدون عن الحكومة فأين سنكون نحن؟
وأراد بذلك أن يلقي بشوقي ورفاقه إلى التهلكة.. ويبدو لي أن التهلكة هي أن يكون لك صوت منفرد بعيد عن نعيق الأسراب التي تحلقتحول جيف الموائد التي فرشتها السلطة البعثية آنذاك، ولم يصمت شوقي فقد كتب (مدار اليم) حاله حال حسن متعب الذي كتب (كولينا) واشتركا في المسابقات الحكومية وفازا بجوائز تقديرية والتوصية بطبع أعمالهما، لكن شوقي الهارب من الخدمة العسكرية أراد من كل ذلك ذر الرماد في عيون السلطة ووكلائها ورقبائها الأمنيين في عوالمنا الثقافية آنذاك، حتى انه اشترك مع كثير من الأدباء الذين ذهبوا لمعايشة الجنود في الجبهات وهو هارب من الخدمة العسكرية، فهو رجل المتناقضات ذو الصوت العالي والصخب الذي يهيمن على حلقات جلسائه في الموائد والبارات والملتقيات الثقافية والسفر إلى المحافظات.
كنا مجموعة من الأدباء نشكل معه عقبة كأداء أمام هيمنة السلطة على الوسط الثقافي، فقد حاولت كثيراً أن تبتلعنا مع من ابتلعت من كتاب القصة والشعراء والنقاد الذين صاروا يطبلون للنظام في حروبه ونزواته وغزواته. وهناك الكثير منهم مازال حتى هذه اللحظة يحتل مساحة في هذا الوسط بعد ان غير كثيراً من توجهاته وأخفى كثيراً من رغباته وتاريخه الذي مازال ماثلاً أمامنا، أما شوقي فقد كان- على الرغم من تداخل أصواته وغرائبياته – واضحاً على الأقل لنا نحن أصدقاؤه، وعلى الرغم مما يقال عنه من أولئك المناوئين الذين يحاولون المس به وتشويه سمعته لكنه يبقى أديباً عراقياً وسارداً استطاع أن يحفر لاسمه مكاناً واضحاً في سماء القصة والرواية العراقية، لكنه وبسبب مشاكساته المستمرة التي أثرت في نتاجه السردي، ربما من دون أن يعي هو ذلك تسللت بعضها إلى تضاعيف رواياته، وعلى الرغم من أنه لم ينصف من قبل النقاد ولا من المؤسسات الثقافية في طبع رواياته، فقد اضطر إلى طباعة أغلب نتاجه السردي على حسابه الخاص، وأحياناً بطبعات رديئة غير صالحة للقراءة، وهو ما زاد طينته بلة، فنتاجه السردي عصي على المتابعة وصعب على القراءة.شوقي المتنوع والمتوزع في أكثر من فن وجنس، فتراه ممثلاً مسرحياً منطلقاً من السبعينيات، وتراه كاتباً بارعاً للمسلسلات الدرامية العراقية سواء الإذاعية أو التلفازية، هذا فضلاً عن تخصصه في كتابة السرد قصة ورواية وما قصصه التي اشترك معنا في مجموعة (أصوات عالية) إلاعلامة واضحة على بدايته الجادة في الكتابة السردية، وتفرده في أجوائه الجنوبية الغامضة الخلابة في أحايين كثيرة، شوقي كريم حسن يحمل في أعماقه هماً وطنياً عظيماً صاغه في الكثير من أعماله، فضلاً عن وفائه لمدينته القديمة (الثورة) ولأناسها وقطاعاتها وحديقتها ومسارحها، فهو ما زال يحمل في ذاكرته ذلك الوعي المبكر لابن المدينة القادم من جنوب العراق الجائع إلى الخبز والمعرفة والثقافة والتعلم، لقد حقق عبر سنوات إبداعه الكثير، ولكن يبقى نتاجه السردي بحاجة إلى مشرط الجراح واهتمام النقاد. وقد يكون سوء الطبع ورداءته وسوء التوزيع واحداً من عوامل تلكؤ وتقاعس النقاد في الكتابة عن نتاجه، أقول مازال ثمة الكثير من الوقت للالتفات إلى قامة إبداعية عراقية اكتنزت الكثير من الغنى ومازالت مثمرة في عطائها الثر.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق