لترجمة .. الوجه المهمل للثقافة !
* أجرى الاستطلاع فراس المرعب
ليس بالخفي علينا ، بأن للترجمة أهمية كبيرة في رفد وتوجيه الثقافة ؛ فهي لسان الأمة لدى بقية الأمم ، ونحن نعلم بأن من أول من تنبّه لهذا الأمر هو الخليفة العباسي ( المأمون ) حيث أسس دارا للترجمة وسماها ب( دار الحكمة ) ، وكان يعطي للذي يترجم كتابا وزنه ذهبا …، ولكن منذ عهد المأمون وحتى من تلاه ؛ كان الشغل الشاغل للعرب هو ترجمة نتاج الغير إلى العربية ولم يتم العكس إلا ما ندر، حتى أصبحنا في يومنا هذا نقرأ لأصغر مؤلفي الغرب ( أصغرهم شأنا ) ، بينما قد نجد من النادر جدا ترجمات لأعمال أعظم مؤلفي الأمة إلى اللغات الأجنبية …
ومن هنا جاء الانطلاق في استطلاعنا هذا ، للتقصي ولمعرفة الأسباب لهذا القصور في الاهتمام الجاد بنقل ثقافتنا للأخر والتأثير بها ، كما تأثرنا نحن بثقافاتهم وأصبحنا نتبجح بمدى معرفتنا للثقافة ( الفرنسية أو الانكليزية أو الأمريكية ) وغيرها من الثقافات الأخرى .
لهذا قمت بطرح هذه الأسئلة التالية على بعض الشعراء والأدباء المعروفين في الساحة العراقية وكانت:
– ما هو دور الترجمة في تطور ونشر الثقافة العراقية ؟
– لماذا هناك قلة في الترجمة من العربية إلى بقية اللغات العالمية ؟
– هل هناك ضوابط ومعايير لكي يترجم العمل الثقافي إلى اللغات الأجنبية .. ؟ ما هي ؟
فأجابنا الشاعر الكبير ( محمد حسين أل ياسين ) قائلا :
– ظلت الثقافة العراقية وهي جزء من الثقافة العربية ؛ بعيدة عن الثقافة العالمية مدة طويلة من الزمن ، قد تستغرق قرونا إن لم اقل أكثر، بسبب صعوبة نقل الفكر أو الأدب العراقي إلى اللغات الأخرى وقلة من يتقن اللغتين ، إضافة إلى قلة وسائل النشر والطبع والتوزيع ، فبقى الأدب العربي داخل محيطه العربي . أما الآن ، فبعد كثرة المختصين باللغات الأخرى ، كثرة الرغبة بالترجمة لإقبال الأجانب عليها ، وانتشار وسائل النشر والتوزيع والانترنت ، كذلك إقبال الجامعات الأوربية للاطلاع على الأدب العربي ، فأصبحت هناك حركة مباركة نتلمس أبعادها في كثير من الأقطار العربية ومنها الطرق في نقل الأدب العربي إلى اللغات الأجنبية ، لأن النقل من اللغات الأخرى إلى العربية أوسع وأسبق وهو كثير ، لأن الأجانب هم السباقون في هذه المهمة قبل العرب ، فنشهد الآن لدينا ولدى العرب الآخرين كتب تصدر بين آونة وأخرى مترجمة إلى الانكليزية والفرنسية والاسبانية على وجه الخصوص لهذه اللغات ، لأنها الأوسع في العالم ومن هذه الكتب ما يشمل الشعر العربي والرواية والقصة وحتى البحث والكتاب الفكري واللغوي وصار لأصحاب هذه النصوص بسبب الترجمة اسم معروف في تلك الأصقاع وبعضهم نال من الشهرة والحظوة وكتابة النقد على نتاجه من الأجانب . ونرجو أن تستمر وتتسع هذه الحركة لكي تتلاقح الآداب والأفكار وتقوم بإيجاد الواقع العالمي الذي يسمى القرية الكبيرة فيجب أن نكون حاضرين في هذه القرية الكبيرة بأدبنا ونتاجنا .
– أما فيما يخص السؤال الثاني فأقول : اعتقد إن السبب يعود إلى أمرين أولهما قلة المتقنين للغات الأجنبية والأخر قلة المتصدين للترجمة ، فليس كل من يتخرج من قسم الترجمة أو قسم اللغات مستعد نفسيا للترجمة . فالترجمة تحتاج إلى متذوق ، إلى قادر وهاوي ترجمة قبل أن يكون مترجما ، ثم إن دور النشر تنظر إلى الأرباح ؛ أي إن ترجمة أي كتاب والبذل المالي المقتضي عليه يجب أن يعود عليها بالربح المادي فان لم يكن كذلك فلا يتصدى النتاج للطبع والنشر ، فما تزال الكتب الأدبية قليلة الإقبال عليها ، ويترتب على ذلك قلة الأرباح، فلا يشجّع ذلك صاحب دار النشر ،ا ولكن عندما تشيع الظاهرة وتتزايد يصبح الإقبال عليها أكثر ، خصوصا إذا عرف الاسم من خلال المعارض العالمية فمن الممكن أن يكون هذا مشجعا أو مروجا لهذا الكتاب فتزداد حركة الترجمة .
أما الدكتور الشاعر ( علي حداد ) فأجاب:
الترجمة أداة إنسانية هائلة وخطيرة وأدوارها لا تنتهي في خدمة التواصل الإنساني ، فتخيل انه لا يوجد هذا السياق من الأفق الحضاري الذي تتبادل به الأمم ثقافتها ؛ لأصبحت الأمم جزر متقطعة لا اتصال بينها ، فالترجمة حققت هذه الجسور التي وصلت بين الأمم وأوصلتها وأغنت بعضها ببعض وحققت هذه السمة الإنسانية في إن الثقافة تتحاور وتتبادل الرؤى والأفكار والمواقف وتؤسس لمجتمع إنساني يتطور ويرتقي إلى أجزائه المختلفة . فإذن للترجمة قيمة عليا ، بها يتحقق للإنسان أن يتواصل مع أخيه الإنسان بغض النظر عن حدود اللغة وأبعاد الحدود الاجتماعية والثقافية وحدود المعرفة في محيطه المحدد . فعلى هذا الأساس نحن في العراق نحتاج الترجمة بطرفيها : أن نترجم من والى الأخر واعتقد انه تحقق لنا كم لا باس من هذه الترجمات ابتداء مما صنعه الأب ( انستاز ) في العشرينيات من القرن الماضي ومرورا بسياقات وانساق من الترجمة الرائعة والمهمة التي قدمها المترجمين العراقيين على مراحل وعصور الثقافة العراقية .
وبخصوص السؤال الثاني: فإن الترجمة جهد مركب يحتاج إلى إمكانات كبيرة ، وعلى هذا الأساس نحتاج اليوم إلى معاهد للترجمة بأشكالها الفورية والثقافية والأدبية ، فالآن أنا على اطلاع بان بعض البلدان الغربية والشرقية المتقدمة لم تعد تكتفي بمعاهد للترجمة من العربية إلى لغاتها وبالعكس بل صارت تعد دورات ومؤسسات ومراكز خاصة حتى في الترجمة للهجة المحلية سواء العراقية أو المصرية أو المغربية لأنها تعرف انك لا تصل إلى عمق النص الذي تترجمه إن لم تعايش أعماق تلك اللغة وخصائصها في المكان ،
لكن ما ينقصنا حقيقة وما أتمنى للثقافة العراقية ؛ هو أن يتم ترحيل عطائنا إلى لغات أخرى وهذا ما نعاني منه كثيرا ، فمثقفونا ومبدعونا وثقافتنا وأدبنا بكل مجالاته يعاني من الكبت ويحتاج إلى النقل للأخر ، لأننا اقل العرب في محيطنا ممن وصل نتاجه إلى خارج اللغة العربية ، فالبلدان الأجنبية تعرف الثقافة المصرية والأدب المصري بأسماء كتابه وأدبائه وكذلك الحال لسوريا ولبنان وحتى السودان ولا اقصد هنا الاستهانة ، لكن أقصد الحقيقة في أن الترجمة للأدب العراقي قليلة ومحدودة جدا ؛ وهذا ما يجعل الكاتب العراقي غير معروف.
أما الناقد ( علي الفواز ) فكانت له بعض الآراء:
الترجمة مصدر مهم من مصادر الحوار الثقافي فيما بين الثقافات ومصدر مهم من مصادر الوعي الثقافي والمعرفي والتلاقح ما بين الثقافات الإنسانية والتعرف على ما أنجزته الحضارات بالشكل الذي يجعل الترجمة هي العنصر الفاعل الذي يجسر ما بين هذه الثقافات. لا يمكن لأي ثقافة إنسانية أن تعزز وأن تؤصل مشروعها الثقافي إن لم تكن متفاعلة ومتجاسرة ومتحاورة مع ثقافات أخرى ؛ لذلك فالترجمة بهذه الأهمية وهذا باعث على أن ندرك إن الترجمة تحتاج إلى مؤسسات وبرامج وآليات وكفاءات وتحتاج إلى استعدادات بالشكل الذي يجعل الترجمة في حالة تجديد، فانك لا يمكن أن تترجم الماضي فقط ؛ إنما عليك أن تكون متفاعلا بالشكل الذي يترجم الحاضر ، والترجمة هي الشكل الأخر لديمومة الحياة الثقافية .
وعن قلة الترجمة من العربية إلى بقية اللغات فأجاب :
هذا يشير إلى ضعف البناء المؤسسي للثقافة العربية فالثقافات الإنسانية دائما تفتخر بوجود المؤسسات البحثية والأكاديمية والعلمية التي تقوم على فكرة صنع التنمية الثقافية ، والترجمة هي واحدة من أساسيات التنمية الثقافية وبناء العقل الثقافي وبناء المؤسسة الثقافية التي يمكن أن تستوعب كل أشكال التحديث والتطوير والتجديد داخل بنية المنظومة الثقافية . إن الثقافة العربية واحدة من إشكالاتها الخطيرة ضعف بناءها المؤسسي الأكاديمي وهشاشة النظرة إلى أهمية الترجمة ، فضلا عن ضعف وجود الأطر التي يمكن أن تحدد أدواتها للتعاطي مع مشكلة الترجمة . فالترجمة يجب أن تكون أيضا في عملية ديمومة وتواصل ،فالعالم يتطور في كل لحظة وعلينا أن نقبض على لحظة التطور من خلال خلق أدوات نضيرة وأجهزة نضيرة وخلق برامج نضيرة يمكن أن تمنح عملية الترجمة فاعلية وقوة دافعية وجاهزية بالشكل الذي يعطي روحا للترجمة . فما نراه ألان ونسمع عنه للترجمة العربية من والى اللغات الحية ضعيف جدا لان البناء المؤسسي لها ضعيف وأيضا منظومة التعليم ضعيفة فضلا عن مشكلة الأمية والحداثة التي نعاني منها كمفهوم وإجراء وميدان وكل هذه الخطوط بالإضافة إلى ضعف القرار السياسي والاجتماعي . كلها عوامل تدخل في تعظيم فاعلية الترجمة وتؤشر المستوى المنخفض لدور الثقافة العربية في التفاعل مع الثقافات الإنسانية الأخرى .
وبخصوص الضوابط والمعايير ، يضيف الفواز :
لا يمكن أن تكون هناك ضوابط مكتوبة ومحددة . قيل سابقا إن الترجمة خيانة ، لكنني أجد إن الترجمة حياة وإخلاص لان التعرف على الثقافات الأخرى ومحمولاتها على مستوى الإبداع والفكر والفلسفات ، التعرف عليها على مستوى معرفة التاريخ ومعرفة المنظومة الفكرية والسياسية والاجتماعية كل هذه من إشكال الاستثمار والاستفادة من الثقافات الأخرى لكي تؤصل المشروع الثقافي وتنميه وتعززه للحصول على تجارب وخبرات أخرى . لكن هذا التفاعل ينبغي أن يكون مبنيا على أسس تقوم على المعرفة الدقيقة باللغات الأخرى . المعرفة ذات العمق الأكاديمي العلمي ، المعرفة بالموروث اللغوي والتاريخي والجماعي . فليست الترجمة لشكل الأشياء بل لمضامينها . فأعود إلى الحديث السابق بأننا بحاجة إلى مؤسسات وبرامج تتصدى لمشكلة الترجمة بالشكل الذي يجعل هناك مترجمين أكفاء يملكون الأهلية اللغوية والثقافية والتاريخية والأهلية للتعرف على أدق تفاصيل الثقافات الأخرى بالشكل الذي يجعل النص المترجم محافظا على قيمته الأدبية ومحافظا على أصول الترجمة من حيث الشكل والمبنى والمعنى ومن حيث الصورة الجماعية .
الشاعرة الشابة ( زينب خالد ) أجابت بخصوص دور الترجمة في تطور ونشر الثقافة العراقية قائلة :
للترجمة دور فعال في نشر الثقافة بصورة عامه والعراقية بصورة خاصة ، وذلك لكون الثقافة العراقية ماده غنية بالكثير , فالترجمة ماهي إلا وسيله لمخاطبة المجتمعات الأخرى , حامله معها هذا الكم الغني من المعرفة والإبداع ، لتوصل بلسان صدق ما نحت في الصخر بأنامل عراقيه بارعة في كافة المجالات ..
أما عن سؤالنا الثاني فأردفت قائلة :
هذا سؤال ذو بعدين , وأبدأ بطموح الشخص ؛ أي أن هناك من يطمح أن يختص بالترجمة كطموح شخصي ، أما البعد الأخر يمكن أن يكون ضمن مسؤوليات وزارة الثقافة أو الاتحاد العام للأدباء والكتاب أو غيرها من المراكز التي تختص بالشؤون الثقافية ، بأن تحرص على ترجمة المواد التي تجس نبض الواقع العراقي وتعكس الصورة الواضحة عنه .
وعن الجزء الأخير من أسئلتنا ، أجابت :
لكل خطوة في كل عمل ضوابط ، بدءا من بنية العمل , حيث يجب تحديد أهداف العمل، وباعتمادها يتم توضيح القوى التي سيرتكز عليها العمل ، فهو سيعكس ثقافة بلد بأكمله ، ولابد لهذا الانعكاس أن يكون خال مما يشوهه ؛سواء عند نقل صورة موجعه أو تراث أو حلم وغيرها من المواضيع الأخرى .
في حين رد ّالناقد ( عبد الأمير محسن ) عن أسئلتنا دفعة واحدة :
لا تخفى أهمية الترجمة في إظهار الأدب العربي للعالم الأجنبي ومن هنا تتأتى أهميتها ..
القلة في الترجمة تعود لأسباب كثيرة …منها أين هو النص المستقل فكرا ومضمونا ولم يظهر بعد للأجنبي؟، وكذلك إن الترجمة لم تعد البضاعة الوحيدة لتبادل الآراء ، لتطور وسائل الاتصال والترجمة المواصلاتية ، وذلك لوجود الانترنت السهل ، والترجمة المتاحة للجميع ، مما تقلل من التفكير المستقل بإيجاد دور متخصصة للترجمة إلى المتلقي الأجنبي ، وكذلك أجد عدم القناعة بإيجاد المترجم المتميز ، كون اللغة العربية أصعب اللغات …أن العرب لا يستطيعون أن يترجموا إلا الكتب الأدبية ، كوننا ما زلنا متخلفين في العلوم الأخرى وتأتينا جاهزة ومترجمة ، ولكننا أيضا نترجم كلام الساسة وأخبار الأوطان البائسة لذلك قل الاهتمام بها.
أما الضوابط فهي حتما تتلخص في أن يكون المترجم ملما بلغته أولا ، وبأساليب الترجمة الكثيرة ثانيا والابتعاد عن الحشو والتفاصيل غير الضرورية .
الشاعر ( رياض الغريب ) كان له رأي أيضا في ما هو مطروح للنقاش حيث أشار :
اعتقد إن الترجمة تلعب دورا أسياسيا في التواصل مع الآخر المختلف معك في اللغة والثقافة ،ويكون فرصة لتبادل الثقافات ، ولكن للأسف الشديد إن واقع الترجمة عندنا غائب تماما ولا يكاد يذكر والسبب عدم وجود مؤسسات رصينة تأخذ على عاتقها ترجمة الأعمال الثقافية العراقية إلى اللغات الأخرى ، وكما نرى إن الثقافة لايمكن أن ينتجها أفراد بل تنتجها مؤسسات وان غياب المؤسسات المتخصصة في الترجمة عندنا سبب في القطيعة مع الأخر .. ويضيف الغريب :
نحن نرى إن وزارة الثقافة لا تدرك أهمية الترجمة للنتاج الثقافي العراقي في إيصال وتأثير الثقافة العراقية على المتلقي المختلف معك في اللغة ، فنحن كما تعرف اغلب ما اطلعنا عليه وقراناه من الكتب هي كتب مترجمة من لغات أخرى إلى العربية وكيف أثرت فينا تلك الكتب للحد الذي غيرت من مسيراتنا وقناعاتنا وحتى في توجهاتنا السياسية وعلاقتنا بالوجود وأسئلته الكبرى ، فهناك الأدب الروسي مثلا وأدب أمريكا اللاتينية والأدب الاسباني وأعمال الشعراء الكبار والمسرح الإغريقي وغيرها من الآداب العالمية التي ترجمت إلى العربية..
قلة من الأدباء العرب من تواصل مع الأخر من خلال ترجمة أعماله ونادرا ما نسمع عن ترجمة أعمال أديب عربي إلى اللغات الأخرى وهذا خلل في منظومة التواصل العربي لهذا نحن بحاجة لاهتمام حكومي بموضوعة الترجمة وإيجاد مؤسسات تهتم بهذا الموضوع.
أما فيما يخص الترجمة وضوابطها وهل هناك من محددات لذلك ؛ نقول نعم لان الترجمة لايمكن أن تمنحك روح النص بل يمكن أحيانا أن تسيء للنص الأصلي ، لهذا نجد أن بعض الترجمات إلى العربية خضعت لعدة ترجمات لاحقة وكل ترجمة تقول إنها كاملة ! وهذا خلل فكيف يمكن ترجمة نص شعري عمودي مثلا؟ وهل سيبقى محافظا على كل اشتراطات كتابة القصيدة العمودية أم سيفقد الكثير منها.؟
وهذا الأمر ربما ينسحب على الكثير من الأعمال خاصة الأعمال التي فيها خصوصية في اللهجة المحلية مثلا .
في ثقافة وفن