الامام الخمیني.. العناوين الكبرى وتصدير الثورة
ومن هذه الزاویة فان ثورة الامام الخمیني (رض) كانت في قمة الانتاج الخطابي والادبي، فقد كانت الشعارات والمصطلحات والتعبیرات نابعة من عمق العقیدة والثقافة التي یحملها الشعب الایراني وقیادته، مصطلحات وتعابیر مثل: الامام، الطاغوت، الاستكبار، الاستبداد، المحرومین، المستضعفین، العراة، الحفاة، المترفین، الشیطان الاكبر، حزب الله وغيرها كلها تعبیرات ذات دلالات قیمیة.
لكن أهم ما یمیز هذه الاوصاف والمفاهیم والمصطلحات عن غیرها في الثورات الاخری، هو سعة انتشارها وتطبیقاتها وقربها من الواقع المحلي والاقلیمي والعالمي.. اضرب مثلاً: واجهت الثورة البلشفیة (الشیوعیة في روسيا) عند صدورها مشكلة في تطبیق المفهوم مع الواقع، فاغلب البلدان التي ثار فیها الشیوعیون وخاصة في العالم الثالث لم تكن فیها طبقة عاملة حتی یجري الحدیث عن دكتاتورية البوليتاريا او الطبقة العاملة، لانها لم تكن بلدان صناعیة بالاساس، حتى في روسيا كان مجرد شعار مستقدم من شيوعيي المانيا وبريطانيا لان روسيا ايضا حينها لم تكن بلدا صناعياً، حتى تكون اغلبيته من الطبقة العاملة! ولم تكن في العدید منها طبقة برجوازیة حتی یتم الدیالكتیك او التضاد التاريخي! لذلك اتخذت الثورات منحی آخر، فحلها الصینیون بثورة الفلاحین او الریف علی المدینة والآخرون بمحاربة الامبریالیة العالمیة والاستعمار، لانه لم تكن في العديد من تلك البلدان رأسمالیة حتی یتحدثون عن مقارعة الامبریالیة التي هي نتاج للرأسمالیة حسب شومبيتر وغيره!
اما المفاهیم التي جاءت بها الثورة الاسلامیة فهي واسعة وتغطي كل المجتمعات التي فیها اناس مقهورین ومغلوبین علی امرهم ومحرومین من ممارسة حقهم، اناس لا یزالون یعملون لتكون فوائد عملهم في جیوب المراكز العالمیة التي یسیطر علیها المترفون.
وهذه الشمولیة في المعالجة الاصطلاحیة هي التي وفرت الارضیة لاتساع تأثیرات الثورة رغم كل الاسالیب التي سعی الغرب وعملاءه فیها لتحجیمها ومحاصرتها.. وخطاب هذه الثورة هو الذي استطاع ان یجمع بین الاسلامي المصري خالد الاسلامبولي والثائر الايرلندي بوبي ساندز الثائر وزاباتا المكسیكي والمجاهد الاسلامي العراقي والثوري الایراني، كانت لسان حال “المعذبون في الارض” حسب تعبير فرانتس فانون، واهم الاغلبية.
لقد استطاعت قیادة الثورة المتمثلة بالامام الخمیني رحمه الله من خلق اصطفاف عقدي وفكري وثقافي وانساني جدید تجاوز الاصطفافات العقائدیة والدینیة والسیاسیة والمناطقیة التقلیدیة والنمطية في عالم كان منقسم اساساً بین شرق اشتراكي وغرب رأسمالي اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، او قسمه فقهاؤنا بشتى مذاهبهم الى دار اسلام ودار كفر.
لقد كان الطرح الخمیني بقیام حزب المستضعفین في مواجهة حزب المستكبرین هو التطبیق العملي لمفهوم الكلمة السواء والتعاون علی الحدّ الادنی من المشتركات، لخلق ثورة عالمیة هدفها الانسان بغض النظر عن دینه ولونه وانتماءه العقدي والقومي والجغرافي… انها نظریة الانسان ووحدة الوجود التي یتحدث عنها الامام عرفانياً، قبل ان تستغلها العولمة وتناهضها الافكار الانعزالیة.. وبهذه الشمولیة یتمكن الایراني المسلم والانسان الیوم من تصدیر ثورته الی كل بلاد العالم، فلا یحتاج الخمیني لان ینقل السلاح ویستخدم العنف في التغییر، هو یحمل امضى سلاح والاكثر فتكاً لان مفاهیمه تحاكي وتناغم مساحات واسعة في كل البلدان وجمیع المجتمعات…