التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

طهران.. تصفير الأزمات لتمكين الانتصارات 

 

 بشرت طهران العالم، بـ “صفحة جديدة” من العلاقات مع الكويت خلال الزيارة المرتقبة لأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الى إيران، وهي في الوقت نفسه تريد أن تبشر العالم العربي والإسلامي، بل العالم بأسره بأنها مقبلة على صفحات جديدة في علاقاتها الدبلوماسية بفضل الجهود الخاصة التي بدأها الرئيس حسن روحاني ودبلوماسيته الهادئة، بقيادة محمد جواد ظريف. فهو لم يفتح صفحات جديدة من العلاقات مع المجتمع الدولي، إنما حاول إيصال رسائل ايجابية مطمئنة من ايران بشأن البرنامج النووي وطابعها السلمي، بالتوصل الى اتفاقية جنيف التي تنص بالدرجة الاولى على موافقة ايران تجميد عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة (20%)، والذي طالما حلمت به في السنوات الماضية، وهو المستوى الذي يؤهلها لإنتاج القنبلة النووية حسب الخبراء الغربيين.

بيد أن هذه الدبلوماسية لم تبتعد كثيراً عن مظاهر عرض العضلات والتحقق المستمر من القوة العسكرية من خلال تصريحات عنيفة من المرشد الأعلى والقائد للعام للقوات المسلحة، علي خامنئي، او من خلال عرض منجزات جديدة في مجال انتاج الصواريخ والطائرات من دون طيار وغيرها من المعدات التي توحي بأن ايران ليست بالهدف السهل الذي يتصوره أعدائها.

لذا يرى مراقبون ومتابعون للحراك السياسي الايراني على الصعيد الاقليمي والدولي، أن ثمة نية ايرانية جادّة “لتصفير الازمات” مع الغرب، وتحديداً مع الولايات المتحدة، على صعيد المنطقة والعالم. فبعد الملف العراقي وتأكيد القيادة الايرانية على أنها لن تدعم جهة دون اخرى، في الجدل الدائر حول تشكيل الحكومة، وقضية “الرجل القوي”، إذ كشف المعطيات من طهران، عدم رغبتها بظهور هكذا رجل، إنما رجال في
“حكومة اقوياء”، وهذا تحديداً ما ينسجم مع الرغبة الأمريكية، هناك الملف الخليجي والعلاقات بين إيران والدول الست، حيث تؤكد الوقائع نجاح طهران في تصنيف علاقاتها بشكل ثنائي مستفيدة من التباعد والتنافر بين العواصم الخليجية حول اكثر من قضية، لاسيما مع ظهور محوري “السعودية – الامارات – البحرين” مقابل المحور القطري.

 

وهذه نقطة جوهرية في السياسة الايرانية التي واجهت في السنوات الماضية حزمة مواقف خليجية موحدة تصدر من “مجلس التعاون الخليجي”، فبعد انفراط عقد هذا المجلس وفقدانه مصداقيته على ارض الواقع، باتت إيران هي الخيمة التي يجتمع تحتها الخليجيون، يلتمسون القربى والزلفى الى طهران، كما مع السعودية التي تقدمت بطلب الى طهران لزيارة وزير خارجيتها الى الرياض، ولشدة الحرج السياسي – حسب المراقبين- جاءت الدعوة شفهية وغير مكتوبة، وهو ما أثار حفيظة المسؤولين في طهران، لكن مع ذلك استقبلت الخارجية الايرانية المبادرة السعودية بشكل ايجابي.

أما فيما يتعلق بالملف اللبناني والفلسطيني، وقبله السوري، الذي يقع في حزمة واحدة قبالة جدار الأمن الاسرائيلي، فان ايران لا يمكن عدّها بأي حال من الاحوال، ممن أخلّت بموازين القوى في المنطقة، أو أثرت سلباً على المصالح الامريكية في المنطقة، لاسيما ما يتعلق بمسار المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية كما كان في السابق، أما بالنسبة للوضع في سوريا، فقد حققت ايران وجودها البناء الى جانب روسيا في إخماد نار الحرب والخيار العسكري لحل المشكلة السياسية في هذا البلد، رغم ما قيل في الغرب عن مساعدة ايران للأسد بتوجيه الضربات العسكرية الموجعة للمعارضة وتمكينه من استعادة أجزاء كبيرة من المدن وإلحاق الهزائم المنكرة بالجماعات الارهابية والتكفيرية. وهذا يجعل ايران غير مدانة بأي حال من الاحوال في سوريا، بخلاف الصورة المشوهة التي ظهرت بها السعودية وقطر على السواء، أمام العالم، عندما سقطوا في مستنقع الدم السوري، من خلال فتاوى التكفير والذبح والقتل الجماعي والفظائع المريعة التي هزت ضمير الانسانية، الامر الذي أضاع عليهم مليارات الدولارات التي بذلوها على الجماعات السياسية المعارضة والفصائل الارهابية المقاتلة على الارض السورية.

السؤال هنا؛ من الذي حقق هذه الامتيازات ومكّن ايران من السير نحو تصفير الأزمات؟

هنالك جناحان يعملان بجدّ في الساحة الايرانية؛ احدهما يدعو الى منطق الحوار مع العالم الخارجي وسياسة تبادل المنفعة والمصالح، حمل لوائه بادئ الأمر “التيار الإصلاحي”، ثم تجسّد فيما بعد في شخصية مخضرمة وعتيقة في السياسة الايرانية، الا وهو الشيخ الرفسنجاني، الذي يقود هذا التيار حالياً بنفسه، فيما يقف في خط متوازٍ التيار المحافظ الذي يجسده منذ البداية، القائد والمرشد الأعلى.. الذي يعتقد ان الوصول الى المكاسب السياسية لا يتم إلا بتحقيق أقصى درجات القوة والاقتدار العسكري الايراني، مفضلاً هذا الخيار على سائر جوانب القوة الاخرى المعتمدة في العالم، مثل قوة العلم والتكنولوجيا والتقدم الاقتصادي والتطور السياسي والاجتماعي.

في الآونة الاخيرة كان اربعون شخصية سياسية واعلامية وفكرية من التيار الاصلاحي في ضيافة الرئيس روحاني، وقد وصف احد الضيوف اللقاء بانه غير رسمي، رافضاً التحدث الى الاعلام، بيد ان ما رشح عن اللقاء هو دعوة الحكومة هذا التيار لمعاضدتها في مشروعها السياسي الداخلي والخارجي وعدم وضع العصا في العجلة. وهذا ينسحب على عموم الحراك الإصلاحي في ايران، سواءً على صعيد الاعلام، او على صعيد البرلمان وغير ذلك.

وفي الوقت يسعى هذا التيار لأن يترك بصماته على المنجزات السياسية على الصعيد الداخلي والخارجي، يبقى التيار المحافظ المدعوم عسكرياً من “الحرس الثوري” وسياسياً من قبل القائد الأعلى واقتصادياً من آبار النفط والغاز الوفيرة، وهذا ما يجعل المتحدثين عن “الإصلاح” رغم “برغماتيتهم” ومنطقهم وطرحهم الواقعي، بيد عوامل القوة هي سيدة الموقف. فما يزال المحافظون يصرون على أنهم هم الذين يقودون ايران نحو الانتصارات السياسية، كما يقودونها نحو الانتصارات العسكرية مقابل الغرب. وحسب معظم المراقبين فان تراجع حديث الغرب عن المستقبل السياسي في ايران وملف حقوق الانسان، مردّها الى تعاظم القوة العسكرية والمخابراتية لايران في نطاق واسع بالمنطقة، مما يجعل التفكير بالحرب ضد ايران امراً مستبعداً جداً.

ليس هذا وحسب، بل تخطّت ايران نحو منافسة الغرب في حربها على “الارهاب”، وجاءت المبادرة الايرانية من شخص تشك امريكا بتورطه في هذا “الارهاب”! وهو حميد رضا طالبي، الذي رفضت منحه تأشيرة دخول الى الولايات المتحدة بعد تعيينه سفيراً لايران في الأمم المتحدة، بدعوى مشاركته في عملية احتجاز دبلوماسيي السفارة الامريكية في طهران عام 1979. هذا السياسي الجديد الذي يشغل منصب المساعد السياسي لمكتب رئيس الجمهورية، كتب على صفحته عبر “تويتر” إن إيران ستتولى زعامة مكافحة الإرهاب والتطرف والعنف في آسيا..”.

تبقى الاجابة على السؤال الآنف الذكر، حائرة بين المتنافسين على الظهور في الساحة الايرانية، فالإصلاحيون الذين يحظون ببعض الدعم والتأييد في الخارج، يفتقرون للتأثير على الصعيد الداخلي الذي يحتكره المحافظون، ومن هنا ماذا سيحصل لو كانت القوة في الداخل والخارج تجتمع في تيار واحد او شخص واحد.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق