التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

هبوط الملائكة” للروائي محمد حسن 

بغداد ـ ثقافة ـ الرأي ـ

يوم قرأت رواية (مملكة الغرباء) للروائي الياس خوري، الصادرة طبعتها الأولى عن دار الآداب اللبنانية، كتبت عنها مقالا نقديا، وصفتها فيه بـ (رواية الحكايا المتداخلة) والأمر يكاد ينطبق على رواية (هبوط الملائكة) للروائي العراقي المغترب محمد حسن، الذي أقرأ له لأول مرة، والصادرة روايته عن (دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع) ببيروت بطبعتها الأولى سنة 2013، فالروائي محمد حسن الذي يواصل سرده على مدى مئتين وثلاثين صفحة، من غير فاصلة أو وقفة، سارداً علينا عينات موجعات من الأسى العراقي المستديم، إنما هي-كذلك- رواية الحكايا المتداخلة، التي يتناوب على سردها (خليل) الراوي المركزي فضلاً على (مالك) ذلك الشاب البصري النحيف الأسمر، الذي لكثرة مامرت به الفواجع والعذابات جعلت منه حزينا دائما، جعلت أصدقاءه يستبدلون اسمه (مالك حامد) بـ (مالك الحزين) وأخيرا (ريتا..) وحكاياها مع (سامية) وماتعرضت له من خطف ومصير مأساوي.

بداية النهاية
يبدأ الروائي العراقي محمد حسن سرده من النهايات، حين صدر أمر ترحيل (خليل) من ألمانيا ولم يتبق أمامه من خيار سوى مغادرتها، وإلا سيعاد قسرا إلى بلده مثلما حصل للكثير من العراقيين، ممن رفضت طلباتهم، وكان عليه أن يحث الخطى كي يلحق بالقطار المنطلق من هامبورغ نحو بروكسل العاصمة البلجيكية. من هذه الفاصلة المهمة في حياة (خليل) يدخلنا محمد حسن إلى سرده الروائي هذا، الذي استخدم فيه تقنية تيار الوعي، عائدا إلى ماضي الشخصيات، إلى الثمانينيات من القرن العشرين، ومطحنة الحرب الضروس، تواصل تدميرها لتطلعات الشباب وأحلامهم وهؤلاء الشباب، الذين يتوسلون بأية وسيلة، تنجيهم من هول الكارثة، فيحاولون النجاة بجلودهم من خلال الهروب من الجيش، ومن ثم الهرب من البلد.

سرديات الحرب

لقد قرأنا الكثير من روايات وقصص الحرب ومآسيها ومازالت في الذاكرة مجموعة (الطريق إلى بغداد) للقاصة العراقية المغتربة بثينةالناصري، فضلا عن العديد من أعمال الروائي والقاص الراحل مهدي عيسى الصقر (بيت على نهر دجلة) و (امرأة الغائب) فضلا عن (المسرات والاوجاع) للروائي الراحل فؤاد التكرلي ورواية (المُعْظَم) للروائي طه حامد الشبيب، فضلا عن رواية (خضر قد والعصر الزيتوني) للمبدع نصيف فلك، إذ فيها اقتراب من أوجاع خضر قد وعصره الزيتوني، وما تصادفه من مطبات ومعوقات، آخذاً دربه نحو الحدود، هارباً بجلده من قساوة الحياة في هذا البلد، واضعاً في الحسبان الوصول إلى منظمات شؤون اللاجئين والهجرة.

يوم قرأت رواية (شفرة دافنشي) للروائي دان براون، بأجوائها البوليسية الغامضة فضلا عن نهلها من التأريخ الأوروبي الوسيط والإرث الكنسي، ومحاولة فك رموز الكثير من الصور والحوادث، كنت أحس بأني مبهور الأنفاس، حاثاً الخطى كي أواكب “دان براون” في سرده المشوق هذا، أحسستُ بأني قريب من هذه المشاعروالخوالج، وأنا أجوس خَلَلَ هذه السرود التي يغدقها علينا محمد حسن، فلأول مرة، أواصل قراءَة عمل روائي، ومن غير فسحة راحة، وعلى مدى أكثر من عشر ساعات، فلقد كانت فيه متعة وتشويق، تجبرانك على مواصلة القراءَة حتى النهاية، على الرغم من الأجواءالكابوسية -كما قلت- والمأساوية التي يسردها علينا محمد حسن، الذي اقترب كثيراً من وقائع الحياة المعاشة وذكر الكثير من الأسماء كما هي، ولقد وقفت طويلاً عند الجهد المخلص، الذي كان يقوم به(الكتبي باسل)، في توفير الكتب لأصدقائه ولاسيما (حمزة) ابن عمة خليل السارد المركزي، والشغوف بالقراءة والكتب والابتعاد عن الناس، الذي يساق إلى الخدمة العسكرية لاحقا، ومن ثم تأتي نهايته مذبوحاً بشظية في معارك شرق البصرة أطاحت برأسه، دور (الكتبيباسل)، يذكرني بدور(اياد محمد علي)، ابي سلوان بخدماته الجُلىللقراء والأدباء والكتاب وأساتذة الجامعة، في مكتبته في مرآبالبياع.

مصائر الشخصيات

واذ انتهت هذه الحكايا المتداخلة، التي من نسيجها جاءت رواية (هبوط الملائكة) للروائي محمد حسن، انتهت بمالك الحزين مقيما في هامبورغ وبخليل ميمما وجهه شطر بروكسل، وبريتا هاربة نحو دهوك وبحمزة إلى تلك الميتة المأساوية وبسامية ممزقة بالرصاص العابث المنطلق تحت وطأة السكر والعربدة وإلى (طلال حيدر) واقعا في الأسر، لكن حكاية (لؤي)، الشاب الفنان المرهف الحس، المتخرج حديثا في أكاديمية الفنون الجميلة، كانت أكثرها مأساوية إذ انتحر راميا نفسه من بناية شاهقة في مطعم بالباب الشرقي، تصلهم أخبار استشهاد شقيقه التوأم (رشيد) في إحدى المعارك الضروس، لكن حاسة التوأم العجيبة الغريبة، تجعله يحدس أن أخاه مازال حيا، على الرغم من أن الجهة الرسمية زودت أسرته بأشلاء من لحم بشري متعفن وهوية عسكرية فيها صورة شمسية شبه محترقة لأخيه (رشيد) مع بعض المستمسكات واللوازم الشخصية، لكن حاسته السادسة، وحاسة التوأم التي لا تخطئ تدخلان في عقله وروعه أن أخاه رشيدا لم يمت، أسرته تحثه على الزواج من زوجة شقيقه، محافظة على إرث أخيه من الضياع، وتحت الإلحاح يقبل بالحل المر، ولكن أعيد أخوه رشيد محمولا على محفة، جثة مشلولة، ليفاجأ بشقيقه التوأم لؤي، وقد تزوج زوجته، وخَلَّفَ منها بنتا، لم يتحمل لؤي هذه الواقعة المأساوية وكاد يجن قبل أن يقدم حياته ثمنا لطي سلسلة طويلة من العذابات النفسية راميا نفسه من شاهق.
إنها رواية أخرى من روايات الوجع العراقي المستديم، الذي كتب فيه عدد من الروائيين العراقيين والروائيات مثل رواية (سيدات زحل)للطفية الدليمي و(فرانكشتاين في بغداد) لأحمد سعداوي و(طشاري) للروائية المغتربة في باريس انعام كجه جي و(ليل علي بابا الحزين) لعبد الخالق الركابي وأكثر من رواية لطه حامد الشبيب وفي الذاكرة روايتاه (مقامة الكيروسين) و(المعظم).

رواية (هبوط الملائكة) للروائي المغترب محمد حسن، إحدى روايات هذا الجيل الشاب الموهوب، الذي اقتحم عالم الرواية بعد العام 2003، واتخذ له مكانا مكينا فيها، مؤكدا أن رحم الرواية العراقية، سيظل ولودا، زاخرا بالحياة والعطاء

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق