داعش في الموصل…کیف ولماذا؟
تراب تراب
وذكرت الانباء قبل ذلك ان محافظ الموصل اثيل النجيفي، الذي استنجد بالجيش، هرب قبل دخول داعش الى مدينة الموصل، بينما اتهم شقيقه رئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي القيادات العسكرية في الموصل بالتخلي عن واجبها في الدفاع عن المدينة واستغرب من “هروب الجيش من المدينة”.
ترى كيف تمكنت داعش من ان تبسط سيطرتها على محافظة الموصل؟، واين كانت الحكومة المحلية عندما كانت داعش تعد العدة للهجوم على المحافظة، بل اين كان المحافظ اثيل النجيفي؟، لماذا انسحب الجيش العراقي امام التكفيريين ؟، اين كانت القوى الامنية ؟، وهل اصبحت داعش اكثر قوة من السابق ؟، وهل بامكان داعش ان تفرض سيطرتها على الموصل على المدى القريب؟، واذا كان الجواب لا فلماذا دخلت المحافظة ؟ ، مثل هذه الاسئلة وغيرها الكثير تطرح نفسها على المتابع للتطورات المتسارعة للمشهد العراقي.
بالرغم من ان صورة الاوضاع في الموصل وغرب العراق مازالت ضبابية ، الا ان بامكاننا ان نقول ان داعش لم تقم بهجومها على الموصل بهدف السيطرة عليها ، لان من الصعب عسكريا على داعش ، وليس من مصلحتها ايضا ، التشبث بمحافظة الموصل لانها ليست مثل محافظة الانبار ، فلا جغرافية الموصل ولا ديمغرافيتها تصبان في صالح داعش ، لذا ستنكشف للقوات العراقية ويكون وضعها اخطر بكثير مما كانت في سامراء.
ان ما قامت به داعش في الموصل جاء اصلا لتقليل الضغط على مقاتليها المحاصرين في الفلوجة والمشتتين في الرمادي ، وكذلك لحاجتها الى انتصارات ، ولو مؤقتة ، لتعزز موقفها امام القاعدة ، كما لا يجب ان ننسى القوى الاقليمية الداعمة لداعش ، ودورها في ايصال رسائل عبر هؤلاء التكفيريين بين وقت واخر ، الى الحكومتين العراقية والسورية لاسيما بعد الانتخابات التي جرت في العراق وسوريا ، وهي انتخابات جاءت على خلاف ما كانت تتمنى هذه القوى الاقليمية التي لا تخفي عداءها للعراق وسوريا.
اما الجيش العراقي الذي اتهمه اسامة النجيفي وقبله شقيقه اثيل ، بانه تخلى عن مدينة الموصل وترك المدينة لقمة سائغة لداعش ، فهذا الجيش ليس ضعيفا ، بل للاسف الشديد ، ساهم الكثيرون في النيل من ارادته وتفتيت قواه ، فقد تعرض لحملة شرسة قادها وللاسف امثال اسامة النجيفي واثيل النجيفي ، حيث اُتهم بانه جيش طائفي وانه ليس جيش العراق وانه جيش صفوي وانه وانه ، الامر الذي جعل بعض عناصره يفقدون الرغبة في القتال بينما تراخي اخرون ، حتى ان آل النجيفي كانوا يرفضون ان يدخل الجيش العراقي الى محافظة الموصل لمطاردة داعش ، لماذا؟ لانهم كانوا ينفون دائما وجود داعش في الموصل ، ولانهم كانوا يشككون بولاء هذا الجيش ويطلقون عليه ابشع الصفات ، وهو ما انعكس سلبا على العلاقة بين ابناء الموصل والجيش العراقي.
ان الهجمة على الجيش العراقي لم تكن من قبل ال النجيفي ورفاقهم فحسب بل ان الهجمة الاشرس على الجيش العراقي انطلقت من الاعلام العربي الممول خليجيا مثل قناة “العربية” السعودية و قناة “الجزيرة ” القطرية ، فقد استخدم هذا الاعلام اقذر الاسلحة الطائفية للنيل من الجيش العراقي ، حيث لم تشر وسائل الاعلام الى الجيش العراقي باسمه ، بل استخدمت عبارات غير لائقة وطائفية ضد هذا الجيش الذي يواجه اشرس المجموعات الارهابية والتكفيرية في العالم .
ولكن رغم ذلك لا ننكر وجود ضباط داخل الجيش العراقي خانوا شرف القسم العسكري ، وتخاذلوا امام زمر الارهاب ، ولم يقوموا بواجبهم كما يجب ، فمثل هؤلاء الضباط يجب ان يحاكموا وينالوا جزاءهم ، لتقاعسهم ولخيانتهم.
لايجب تحميل قيادات الجيش العراقي كل المسؤولية لما حصل في الموصل ، فالمسؤولية الاكبر تتحملها القوى الامنية والحكومة المحلية والمحافظ في الموصل ، وهي الجهات التي كان يجب ان تقدر الموقف العسكري للقوات العراقية ولقوات داعش ، وان تقدم تقارير موضوعية وحقيقية عن قدرات الجانبين ، فمثل هذه التقارير هي التي تعتبر حجر الزواية التي تقام عليها الخطط العسكرية ، لذلك كان هناك تقصير قد يكون متعمدا ، لاسيما من جانب بعض القوى الامنية ، وهذا التقصير هو الذي ادى الى سقوط الموصل بيد داعش ، وهذه النقطة ،كما النقطة السابقة حول وجود قيادات عسكرية متخاذلة ، قد اشار اليهما رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ودعا الى محاسبة المتقاعسين والمتخاذلين.
ومن باب رب ضارة نافعة ، يبدو ان سقوط الموصل بيد ارهابيي داعش ، اعاد الرشد لبعض المسؤولين السياسيين في العراق ، من الذين كانوا الى الامس القريب يؤلبون جماهيرهم على الجيش العراقي والحكومة الاتحادية ، نراهم اليوم يستنجدون بالجيش العراقي مطالبين اياه بالتدخل لانقاذهم من داعش ، وهذا الامر رغم انه جاء في ظروف صعبة الا انه يبشر بالخير ونرجو ان يفهم كل السياسيين العراقيين ان الجيش العراقي هو جيش العراق وليس جيشا لطائفة دون اخرى ، وعليهم ان يبعدوا هذا الجيش عن صراعاتهم ومهاتراتهم السياسية ، وقبل هذا وذاك نرجو ان يكون درس الموصل كافيا لمن كان يعتقد ان بامكانه اللعب بورقة داعش للضغط على منافسيه السياسيين ، فمثل هذه السياسة تضر به قبل ان تضر بمنافسيه.