التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

المثقف ومفهوم المواطنة 

ثقافة ـ الرأي – 

الأزمات التي تتعرض لها البلدان، لا يمكن أن نقول عنها دائما بأنها تتزامن مع حالات سلبية أو ظواهر مستهجنة أو حالات مرفوضة.. بل ربما تفرز تلك الحالات مناطق غير مكتشفة داخل النفس الإنسانية وفي ثنايا المجتمعات وزوايا المواقف والمبادرات التي تنتج عنها، التي تسجل منعطفات في الحياة تترسخ في الذاكرة وتترك آثارها على الأجيال الحالية والمستقبلية إن كانت مدحا أو قدحا أو سلبا وإيجابا.

 

المثقف الذي يقع عليه الدور المهم في أية حالة وأزمة يعيشها بلده، يكون دائما في واجهة الأحداث الإعلامية والكتابات الإبداعية والتحليلية والفكرية، وهو ما نلمسه في واقعنا المحلي اليوم والوطن يمر بأزمة جديدة تهدد أمنه الداخلي ومعنويات مواطنيه ومستقبل أجياله، وبما يتطلب حرصا وإحساسا عاليا بالمسؤولية وثقة بالنفس وبالرؤى وبآفاق الواقع الملموس. العراق بكل أطيافه واثنياته وقومياته يتآزر اليوم في وجه خطر يهدد أرض وسيادة وأمن ومستقبل العراق الذي هو ليس قاب قوسين أو أدنى من القلب، بل هو القلب النابض لكل من يحمل معنى الانتماء إليه، والإحساس بمعنى كلمة مواطنة التي نقرؤها بوضوح في الإعلام بكل ما احتواه من مواقف وطنية مشرفة وهي تتنادى للدفاع عنه بكل ما تملك من محبة.

 

مفهوم المواطنة لم يكن مستوردا للعراقيين، بل هو راسخ في عقل وضمير المواطن يترجمه كل حسب موقعه بالعطاء اللامحدود الذي يحقق للبلد معنى النماء الإنساني الحقيقي في وجه من يريد إيقاف عجلة الحياة وتدمير الإنسان بطرق بربرية وجاهلية ومتخلفة ، المثقف الذي نتحدث عنه لا يقف إلا عند زاوية الدفاع ضد كل هذا ويعرف جيدا ماذا يعني الوطن، وكيف يمكن أن نقدم له ما يريد من دون أن يطلبه أو ينادي به .

 

منذ بدء الأزمة امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والفضائيات بمواقف صلدة تؤشر أين يكمن الخلل وكيف يمكن معالجته وكيف ندرأ الخطر عن أرضنا وسمائنا ومواطنينا، لم نفكر باختلاف أو تقاطع أو مشاريع سياسية وحزبية ومناطقية .. ولم نسأل عن مذهب أو قومية أو اثنية لمنطقة يهدد أمنها ويستلب مواطنها.. ولم يعد في العقل والضمير غير أن الوطن يمر بمحنة وما علينا إلا أن نتكاتف دفاعا عنه.. وبات الإصغاء إلى الاصوات”النشاز” مرفوضا من الجميع وظل الانشداد إلى صوت الوطن أقوى من كل تهويمة خارجة عن سرب الانتماء الحقيقي.. بات المواطن يعرف جيدا أن كل الأصوات تعزف اليوم أنشودة الأرض التي ننتمي اليها من دون أن نجزىء حبنا إلى مقاطعات مستهجنة ويسهل التأشير عليها دون جهد كبير. الوطن الذي ينتمي اليها مثقفو العراق هو من يحمل صفاتهم ويتجمل بألفاظهم ويتبارى بفروسيتهم ويتصدى بنبلهم ويكتمل بهم ومعهم، وهم من يدافعون عنه بأقلامهم وأصواتهم وقصائدهم وكتاباتهم وحماستهم التي تأخذ مداها من قوة وحجم الحب الذي يتشابك من دون أن يمنح لأي دخيل فرصة لإيجاد ثغرة فيه.

 

هذا العراق الذي أنجب أبطالا وفرسانا ورجالا ونساء لا يمكن أن تتناساهم ذاكرة الأجيال يوما، يعرف أن فيه من يكمل دائما مسيرة الأجداد ويعيد رسم خارطة الطريق لمن يريد الضوء المنير بغض النظرمن أي نفق صعب يمر فيه.. وما أكثر ما مررنا به من صعاب وخرجنا دائما ونحن أقوى مما سبق وأشد شكيمة وصبرا وإصرارا على مواصلة المسير من دون التفات إلى الوراء، دائما طريق العراق لا يعرف إلا الطرق المفتوحة للغد الذي يعبد دائما بحب وتضحية الأبناء، كل الأبناء دون استثناء أو تخصيص أو تحديد. هنيئا للعراق بمثقفيه وعلمائه وأبنائه ورجاله الأوفياء.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق