مــاذا بعــــد فتــــوى الجهـــاد؟
محمد شياع السوداني
وزير حقوق الإنسان
لم تأت فتوى المرجعية الدينية العليا بوجوب دعم القوات الأمنية والجهاد الكفائي ضد عصابات الارهاب والتكفير كرد فعل عرضي ينضوي تحت قرار سياسي، بل هي حالة نادرة في الوسط الإسلامي المرجعي الشيعي لم تحصل منذ مئة عام، وقد شعرت المرجعية بوجود خطر حقيقي تتعرض له الامة، وهذه الفتوى في أدبيات مذهب أهل البيت (الشيعة) إلزام لا يمكن تجاوزه، وهو واجب على كل من يقدر على حمل السلاح، وليس من الصعب إن نعرف ما هي مسوغات هذه الفتوى، حين نعلم ان العدو هو تنظيم القاعدة وتنظيم (داعش)، ونعرف من يدعمهما ماليا ولوجستيا وايديولوجيا ومن يقف وراءهما، ونعرف ايضا هدفهم الحقيقي الذي يسعى الى تدمير الاسلام وهدر اموال المسلمين والاساءة اليهم.
فالوهابية التي قامت في وسط شبه الجزيرة العربية في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، الموافق للثامن عشر الميلادي على يد محمد بن عبدالوهاب لنشر الدعوة السلفية، ما هي الا تيار ديني متطرف بإجماع علماء المسلمين، السنة والشيعة، الذين اتهموا الحركة منذ اوائل تأسيسها، بالشرك والالحاد ومواصلةً طريقة الخوارج في الاستناد لنصوص الكتاب والسنة النبوية، ما اثار حولها الكثير من علامات الاستفهام والاتهام ولاسيما انها تكفّر جمهور السنة والشيعة، وتستبيح دماء وأموال واعراض المسيحيين والديانات الأخرى وكل من خالفهم بالرأي والاعتقاد الفكري، هذا المذهب حظي بدعم ومباركة المؤسسة القبلية الحاكمة في السعودية التي عززت موقف هذا المذهب بحكم المكانة التي تحتلها في العالم الإسلامي، لان فيها قبلة المسلمين وفيها ضريح الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، إضافة إلى مكانتها الاقتصادية والمالية ونفوذها الواضح على الدول العربية والإسلامية ما ساعدها على تطوير هذا المد الوهابي وهذا الفكر المأزوم، لتوظف الأسرة الحاكمة كامل أجهزة الدولة وإمكاناتها من أموال ومنظمات مجتمع مدني صورية وإعلام مغرض وجهد استخباراتي وفتاوى دينية وجماعات مسلحة وأجهزة ومعدات عسكرية ومناصب ضمن منظمات دولية وشركات للعلاقات العامة في الدول الكبرى، وشراء المواقف السياسية والدولية سبيلا لنشر الفوضى والقتل والإرهاب من اجل نشر هذا الفكر المتطرف بالقوة، خاصة بعد ان سقط النظام الدكتاتوري عام 2003 وهو الذي كان يعاضدهم ومن ثم دخولهم في أتون ما يسمى بثورات الربيع العربي، وقد حاول الفكر الوهابي دخولها بقوة ومساندة المتطرفين في تلك الدول، وقد ظهر ذلك جليا في احداث الأزمة السورية التي كشفت القناع عن الوجه السعودي الوهابي في التدخل في الشأن السوري، ودعم الإرهاب بالمال والسلاح والرجال، ساعدها في هذا بروز (قطر) كـ(قوة) تحاول ان تجد لها مكانا مميزا وأيديولوجية دينية مؤثرة، بعد ان استقدمت القرضاوي (مصري الجنسية) لتشكل اتحاداً عالمياً لعلماء المسلمين، ومن خلال تبنيها لمجاميع إرهابية بغطاء ديني تحمل فكر (الإخوان المسلمين) وبدعم مالي وإعلامي (قناة الجزيرة) و(جريدة القدس العربي – لندن)، وسياسي اعتمد على شراء الذمم، لتنافس السعودية في هذا الهدف، وانعكس هذا التنافس على مواقف سياسية متناقضة لدعم ثورات الربيع العربي في هذا البلد العربي أو ذاك، لكن الهدف المشترك بينهما هو تشكيل المجاميع الإرهابية بغطاء ديني، لتنشر الفوضى والاقتتال المذهبي والكراهية من جهة، ولتشوه الدين الإسلامي من جهة أخرى، من خلال قطع الرؤوس والتمثيل بجثث الموتى والتفجير والاغتصاب وجهاد النكاح وشرب بول المجاهدين. إما على الصعيد السياسي فنلاحظ الكثير من التخبط والازدواجية في المواقف ايضا، لان السعودية تدعي رفضها لـ(داعش) في سورية، الا انها تدعمها في العراق، حتى ان خطيب الجمعة في المسجد الحرام (الناطق بإسم حكومة الملك) وبعد الأحداث الأخيرة في الموصل لم يتمالك نفسه في الدعاء بأعلى صوته لنصرة من يسميهم بالثوار (داعش) والقاعدة في العراق وجبهة النصرة وتشكيلات القاعدة الأخرى في سورية، المفارقة الأخرى إن كلتا الدولتين تدعوان إلى الديمقراطية والتحضر، وهما لا يمتان للديمقراطية بصلة، لا من قريب ولا من بعيد، حيث لا يوجد لديهما دستور خاضع للاستفتاء او أحزاب او انتخابات او حرية للرأي والإعلام او اي مظاهر ديمقراطية في مفارقة غريبة تكشف المخطط الخبيث الذي يستهدف شعوب المنطقة، لتبين ان الامراء والملوك القبليين هم الخطر الحقيقي على الأمن والسلم العالميين، وهم أدوات بيد قوى تحاول تفتيت وتجزئة المنطقة بالكامل، في وقت نرى موقفا سلبيا لدعاة حقوق الانسان ممن نظموا الاتفاقيات والمواثيق والبروتوكولات الخاصة بحقوق الإنسان بوقوفهم متفرجين او مجاملين او عاجزين امام نفوذ السعودية وقطر الإرهابي، وقد اتضح زيف المتشدقين بحقوق الإنسان وهم يصمتون امام القتل الممنهج والإبادة الجماعية التي تقوم بها (داعش) والقاعدة في المنطقة.
العراق الان ومنذ اكثر من عشر سنوات يتعرض الى خطر الارهاب الدولي بسبب سلوك حكام السعودية وقطر ونهجهم الكافر الذي سيدمر الإسلام والمسلمين (سنة وشيعة)، ويغرق دول المنطقة في صراعات سوف تستفيد منها إسرائيل، بعد محاولتهم إدخال الدول العربية الكبرى والقريبة منها (مصر والعراق وسورية) في حروب استنزاف، لتدمر الأموال والممتلكات والبني التحتية، من اجل ان تبقى إسرائيل الرابح الأكبر دون إن تتهاوى ممالك وإمارات قبلية هرمت وشاخت وحان وقت قطافها، ولكن الحقيقة هي ان هذه الدويلات لم ولن تسلم من التغيير عاجلا ام أجلا، لان هذه التنظيمات لم تلبث ان تنقلب عليها. إننا وجميع المتابعين نستغرب كيف تفلت هذه الدول المارقة من المحاسبة والعقاب العالمي على الرغم من ما ترتكبه من إجرام وقتل ودمار ضد المنطقة والعالم، الا اننا على ثقة بان ذلك لن يطول، وسينتصر الاسلام وترفرف راياته في سماوات دول الارهاب والالحاد والعقائد الوثنية
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق