الموصل.. نهاية المشروع السعودي-البعثي في العراق
علاء الرضائي –
استكمالا للصراع الدائر في سوریا وما شهده عراق بعد سقوط نظام الدكتاتور صدام حسین وفي الیمن بین شیعة الزیود وقوی سلفیة وقبلیة مدعومة من السعودیة وبلدان خلیجیة اخری، وفي البحرین بین اغلبیة جماهیریة محرومة من المشاركة في تقریر مصیرها وأقلیة تحكم بالوراثة والقمع والطائفية.
لكن هناك وجه آخر لما یجري على الساحة والذي كانت احدى تجلياته “غزوة الموصل” وهو الأخطر والأهم ويشكل العمق في تحليل هذه الظواهر السطحية، انه صراع بین الصحوة وقوی الظلام، بین قوی التغییر وقوی الابقاء والجمود، بین حریة الانسان المحكوم ودكتاتوریة الحاكم، بین العبودیة للسید الصهیوامیركي والتحرر العربي الإسلامي الانساني..
نعم.. ما یجري في العراق هو محاولة لإعادة سلطة البعث “الجدید” والذي هو اشدّ من البعث السابق في قسوته وسطوته وانتقامه واحقاده، لانه في هذه المرّة یجمع بین الحقد الشوفیني والحقد المذهبي، ولا یحتاج لان نذكر بأن الحروب المقدسة (الدینیة) اشدّ ضراوة واكثر قسوة من غیرها من الحروب، ولا نحتاج في ذلك الی الدلیل، فما جری من قتل وتفجیر وذبح ومُثلة وحرق لم نسمع به ولم نشاهده لا في الحربین العالمیتین ولا في حروب البلقان المتقدمة والمتأخرة.. نعم مثیلاتها موجودة في ما یتعرض له الروهینیغا في بورما وما یجري من حرب مذهبیة في نیجریا ومالي لان مصدر العدوان وعنوانه واحد ويمكن اختصاره بالفكرة الاموية التي تقوم على شوفينية قومية وعصبية قبلية وظاهر ديني.
ویأتي هذا الجهد الغربي – الاقلیمي الذي تقوده امیركا دولیاً والسعودية اقليمياً، بعد نجاح عمليات الاتفاف على الصحوة الاسلامية المتأخرة وما عرف بالربيع العربي الذي بلغ ذروته في 2011 حتى باتت الدول الرجعية العربية كمعظم البلدان الخليجية والاردن والمغرب.. حيث سجل هذا الالتفاف نجاحاً في ليبيا بعد ان سيطر ثوار الناتو على الحراك الشعبي وتمت مصادرته، واليمن التي اجهض الحراك فيها من خلال ما سمي بالمبادرة الخليجية، ومصر عندما قفز الاخوان على الصحوة وأصبح السلفيون ثوارا وقادة سياسيين لينتهي الوضع الى ماانتهى اليه من حكم العسكر وعودة رموز العهد البائد.. هذا الالتفاف الذي شاركت فيه البلدان الخليجية وتركيا والاردن بشكل هستيري غير مسبوق، بدعم وادارة اميركية صهيونية غربية.
لقد تصور السعوديون والاميركيون ( الاميركيون منحوا السعوديين وحلفاءهم فرصة الوقت الضائع على أمل ان ينتج مشروعهم المشترك ما أمّلهم السعوديون والقطريون والبعثيون به خلال اجتماعاتهم المشتركة في عمان) امكانية عودة البعث للحكم في العراق ضمن خطوات متعددة ومتلاحقة ومتصلة:
الخطوة الاولى: عودة ديمقراطية للبعثيين من خلال صناديق الاختراع وبواسطة تسخير المال السياسي الذي جرى ضخه لصالح جماعات وشخصيات وزعامات معينة، والذي تم احتواءه وابطاله نسبياً من خلال عدّة اجراءات في الانتخابات الاخيرة، كان أهمها تشديد الرقابة على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وايضاً من خلال اعتماد بطاقة الناخب الاكترونية.
وللأسف الشديد فقد اشتركت بعض قوى التحالف في هذا المشروع من حيث لاتدري ( ولانريد ان نتهم هنا والّا فأن أمارات الاتهام كثيرة).
الخطوة الثانية: دق اسفين بين الحكومة والمرجعية من جهة وبين القيادات السياسية والمؤسسة الدينية من جهة اخرى وتضعيف دور المرجعية من خلال زجها في الصراعات الحزبية والتنظيمية والشخصية بين السياسيين، والتشكيك بمقولة الحفاظ على مسافة واحدة من الجميع، وللأسف فقد اشترك في هذا الموضوع ايضاً بعض وكلاء المراجع والمحسوبين على المؤسسة الدينية وايضاً شخصيات داخل السلطة لكي لايقول البعض اننا ندافع عن اتجاه معين.
الخطوة الثالثة: اضعاف الجيش والقوات المسلحة العراقية، المخترقة بالاساس من قبل بعثيين وانتهازين ومعارضين للحكومة، لذلك سبق انهيار وحدات الجيش في الموصل، دعاية كبيرة ضد الجيش والقوات المسلحة العراقية قامت بها قنوات التخريب والتضليل وفي مقدمتها البغدادية والشرقية والتغيير وتصريحات بعض السياسيين المحسوبين على التحالف وخاصة بعض زعامات التيار الصدري والمحسوبين على آل الصدر الكرام، حتى وصل الامر بأن يعتبر جيش صدام جيش عقائدي ومهني ولايعتدي على الآمنين والمواطنين العزّل!!
الخطوة الرابعة: ضرب العملية السياسية والخيار الديمقراطي من خلال مقولات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، مثل “شراكة الاقوياء” و “حكومة الشراكة الوطنية” و”رفض الولاية الثالثة” وغيرها… ولابد هنا من موقف، انني لست مع ان يبقى الحاكم على كراسيه اكثر من دورتين او ولايتين، لكنني في الوقت نفسه أرفض ان يكون ذلك بشكل غير قانوني وخارج العرف الديمقراطي، بل وبالضد منه، والأمرّ من ذلك كله ان يأتي الرفض من خارج دائرة التحالف الوطني (الاكراد ومتحدون والوطنية… ) كما حصل مع السيد الجعفري او يكون بدفع من قبل قوى داخل التحالف لم تستطع الحاق الهزيمة بالمالكي ديمقراطياً !
الخطوة الخامسة: إعلان الحرب الطائفية والقومية التي بدأ التحضير لها مما سمي زوراً بساحات الاعتصام وهي ساحات تآمر، والتي استطاعت جمع مختلف الاتجاهات والتنظيمات المعادية للعراق الجديد من بعثيين وسلفيين وعشائريين ضمن جهد استخباري أمني معادي لعبت فيه السعودية وقطر والاردن والامارات وتركيا دوراً بارزاً لتوحيد كلمة الارهابيين، وكان مفتاح ذلك اسقاط العملية السياسية وحكومة السيد المالكي، على ان يتم بعد ذلك طرد الداعشيين او حلهم ضمن اجهزة الدولة البعثية الجديدة… والّا ما الذي يجمع عزت الدوري و يونس الاحمد بحارث الضاري وعبد الله الجنابي وابوبكر البغدادي…
وأية قومية تلك التي تعتمد على شيشان وافغان وافارقة وباكستانيين يجبرون نساء العرب على ممارسة جهاد النكاح! ثم يأتي دعاة الشوفينية العربية متصايحين بأنهم يريدون كف يد المدّ الصفوي من العراق؟!
واؤكد هنا على ان هناك خمسة عوامل قوة في الحالة العراقية قد لانجدها في مواقع أخرى بهذا الوضوح والشفافية وهي كفيلة بإسقاط أي مشروع تآمري ضد العراق والمنطقة، عوامل لم يقدرها الاعداء جيداً، وهي: عقيدة صحيحة مدارها حب أهل البيت (وهذا الحب لايقتصر على الشيعة فقط، بل يشاركهم فيه كثيرون من السنة وحتى أتباع ديانات أخرى)، المرجعية الواعية، شعب سخي في تضحياته وشجاع في ولاءه، الدعم الذي تقدمه الجمهورية الاسلامية كقوة اقليمية يحسب لموقفها الف حساب، وبالتالي قوة وصلابة القيادة السياسية العراقية.