التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

العراق قد يوحد أمريكا وإيران في خندق حرب مشتركة 

  أشار متابعين الى وجود تفاهمات قوية بين إيران وأمريكا حول الازمة التي يشهدها العراق حاليا، كما أوضحت التسريبات الإخبارية والتقارير المأخوذة من مصادر قريبة من أصحاب القرار بين البلدين، ان هناك توافق، ربما يكون توافق نادر، بين مصالح واشنطن وطهران يقتضي القضاء على المتشددين في العراق، لكن من دون نسيان ان هناك عقبات ليست بالقليلة قد تقف امام طبيعة هذا التوافق.

كما أشار اخرون، ان طبيعة التغيرات السريعة والانهيارات العسكرية التي تسببت بها الجماعات المتطرفة المتحالفة في العراق، والتي تهدف الى اسقاط الحكومة والتجربة السياسية، وربما إعادة ترسيم جديد لحدود الشرق الأوسط، كعملية لاحقة لسقوط بغداد وعلى مدى أوسع، ربما تبدأ من سوريا والعراق وتتوسع نحو الخليج والبحر المتوسط، مما يهدد في المقام الأول المصالح الامريكية وامدادات الطاقة، إضافة الى ما تشكله من خطر انتشار المجاميع الإرهابية وتطلعها نحو الغرب بعد الغاء الحدود السياسية بين البلدان.

للوهلة الأولى قد يبدو ان هذا الامر مجرد طموح واحلام صعبة التحقيق، لكن من يتابع الاحداث يجد ان الأمور لم تكن بهذا التعقيد قبل عام في اقل التقديرات، وان الجماعات التكفيرية التي تقودها داعش “اختصار ما تسمى بالدولة الإسلامية” والمدعومة من جهات إقليمية وعالمية، سرعت وتيرة الاحداث لتهدد بغداد بالسقوط بعد ان سقطت الموصل وأطراف من ديالى وسامراء وصلاح الدين، إضافة الى كركوك التي باتت اليوم تحت سيطرة الاكراد، وان الحاجة الى انهاء هذا الكيان المتمدد والذي بات على مرمى حجر من تهديد مصالح الولايات المتحدة وايران، هي حاجة فعلية تقتضي ربط المصالح الامريكية والإيرانية في خندق واحد، على حد وصف بعض المحللين.

بين واشنطن وطهران

فقد تباحثت الولايات المتحدة مع ايران “باقتضاب” في الازمة التي يشهدها العراق، وذلك على هامش المفاوضات النووية التي استضافتها فيينا محذرة من ان حل مشاكل هذا البلد ليس بأيدي اي دولة من الخارج، وقد استولى جهاديون من “الدولة الاسلامية في العراق والشام” على مناطق واسعة في شمال بغداد اثر هجوم واسع النطاق اطلقوه مؤخرا ما اثار مخاوف من ان تكون البلاد تتجه للغرق في الفوضى، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية ماري هارف الموجودة في العاصمة النمساوية “جرت مباحثات مقتضبة في مجموعة 5+1 حول العراق، مباحثات جد مقتضبة”، واضافت ان “المستقبل سيحدد ما اذا كنا نريد ان نستمر في الحديث مع ايران بشأن العراق”.

وكان مسؤول اميركي قال قبيل تصريح هارف، في رسالة عبر البريد الالكتروني ارسلها من العاصمة النمساوية حيث يشارك في المفاوضات، ان “الموضوع تم فعلا بحثه باقتضاب مع ايران على هامش محادثات مجموعة 5+1 في فيينا، بشكل منفصل عن اجتماعنا الثلاثي الاطراف” الذي ضم الاتحاد الأوروبي، وذكرت هارف بأن الولايات المتحدة وايران لديهما “مصلحة مشتركة” ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) الذي سيطر مقاتلوه على انحاء واسعة من شمال غرب العراق وباتوا على اعتاب العاصمة بغداد، لكنها شددت على انه “لا دولة خارجية يمكنها ان تحل مشاكل العراق، نحن بحاجة لتدخل قادة سياسيين عراقيين من مختلف الاتجاهات”.

وفي هذا الوقت، أعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما ان 275 جنديا اميركيا هم الان بصدد الانتشار في العراق لحماية سفارة الولايات المتحدة في بغداد والمواطنين الاميركيين الموجودين فيها، وكانت الخارجية اعلنت عن ارسال هذه التعزيزات الامنية، ولكنها لم تحدد حجمها، كما اعلنت عن تدابير احترازية اخرى تشمل نقل بعض من طاقم السفارة في بغداد الى اماكن اخرى داخل العراق وخارجه، وذلك بسبب “حالة انعدام الاستقرار والعنف في بعض انحاء العراق”.

وقال اوباما في رسالة الى قادة الكونغرس “بدأ نحو 275 جنديا الانتشار في العراق لتعزيز امن الموظفين الاميركيين وسفارة الولايات المتحدة في بغداد”، واضاف ان “هذه القوة تم نشرها لحماية المواطنين الاميركيين والمباني الاميركية، اذا لزم الامر، وهي مجهزة للقتال”، مشيرا الى ان هذه القوة ستبقى في العراق “الى ان ينتفي مبرر وجودها على الصعيد الامني”.

الى ذلك، قال مسؤول اميركي اخر انه من المستبعد ان تجري محادثات اخرى في فيينا بين واشنطن وطهران حول الازمة التي يشهدها العراق، واضاف “نحن منفتحون على ان يكون هناك التزام مع الايرانيين، تماما كما مع اطراف اقليميين آخرين، في ما يتعلق بالتهديد الذي يشكله على العراق تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)”، وقال المسؤول في الخارجية الاميركية في بيان ان اي محادثات اضافية حول العراق “لن تشمل التنسيق العسكري او استراتيجية حول مستقبل العراق”. بحسب رويترز.

واضاف “سنبحث كيف ان تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام يهدد عدة دول في المنطقة بينها ايران وضرورة دعم استراتيجية تشمل كل الاطراف في العراق والامتناع عن اعتماد برنامج طائفي”، والخارجية الاميركية تؤكد استعداد واشنطن لبحث الملف العراقي في شكل مباشر مع طهران لكن مع استبعادها في الوقت نفسه التعاون العسكري في هذا الاطار، وليس هناك علاقات دبلوماسية بين واشنطن وطهران منذ 34 عاما، ولكن ثمة تواصل رسمي ومباشر بين البلدين منذ اشهر في اطار المفاوضات حول برنامج ايران النووي.

تعاون مشروط

من جهته قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن بلاده لا يمكنها أن تفكر في التعاون مع الولايات المتحدة لإعادة الأمن للعراق إلا إذا تصدت واشنطن “لجماعات إرهابية في العراق وفي أماكن أخرى”، وقال روحاني (المعتدل نسبيا والذي شهد توليه رئاسة إيران تحسنا في علاقات بلاده مع الغرب) إن إيران مستعدة لتقديم المساعدة للحكومة العراقية في إطار القانون الدولي وذلك في معركتها ضد مسلحين سنة مضيفا أنه حتى الآن لم تطلب بغداد المساعدة، وأفزع إيران الشيعية سيطرة متشددين سنة على عدة مدن وبلدات في شمال العراق وزحفهم جنوبا لمسافة لا تبعد سوى ساعة واحدة عن بغداد بالسيارة ليس بعيدا عن الحدود الإيرانية.

وقال روحاني في مؤتمر صحفي بثه التلفزيون الإيراني على الهواء مباشرة “علينا كلنا التصدي للجماعات الإرهابية قولا وفعلا”، وأجاب ردا على سؤال حول ما إذا كان بالإمكان أن تتعاون طهران مع خصمها القديم الولايات المتحدة في التعامل مع التقدم الذي يحرزه مسلحون سنة في العراق قائلا “يمكن أن نفكر في ذلك إذا بدأت أمريكا في التصدي للجماعات الإرهابية في العراق وفي أماكن أخرى”، ويسعى مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الى إقامة خلافة تشمل أراضي اقتطعوها من العراق وسوريا حيث تستغل الجماعة فراغ السلطة في خضم الحرب الأهلية.

وقال مسؤول ايراني كبير إن طهران قد تكون مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة في التصدي لمسلحي الدولة الإسلامية في العراق والشام، وصرح المسؤول الإيراني أن القيادات في إيران تعكف على بحث هذه الفكرة، وقالت وسائل إعلام إيرانية إن ايران ستوفد في الوقت الحالي مستشارين وأسلحة لجارتها ولكن من غير المرجح ان ترسل قوات لمساندة بغداد، وقال روحاني في المؤتمر الصحفي “لم تدفع ايران قط بأي قوات الى العراق وليس من المرجح مطلقا ان يحدث ذلك أبدا”.

ويساور دبلوماسيون غربيون الشك في ان ايران سبق ان ارسلت بعضا من قوات الحرس الثوري (وهي قوات تعمل بالتوازي مع الجيش) لتدريب الجيش العراقي او ميليشيات متحالفة معه مع إسداء النصح لهما، ونقلت وكالة أنباء ايرانية عن وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي قوله “إن دعم الحكومة والأمة العراقية لا يعني إرسال قوات الى العراق، يعني ذلك إدانة الأعمال الإرهابية واغلاق حدودنا المشتركة وحمايتها”. بحسب رويترز.

وفي واشنطن قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنه يعكف على دراسة خيارات عسكرية لمساعدة العراق في محاربة أعمال العنف المسلحة وأن هذه الخيارات لا ترقى إلى حد إرسال قوات للقتال هناك لكنه نبه في الوقت نفسه إلى أن أي تحرك أمريكي يجب أن يقترن بجهود عراقية لتضييق هوة الخلافات بين الشيعة والسنة، وقال مسؤولون امريكيون ان واشنطن لا تجري اتصالات مع إيران بشأن الأزمة في العراق، وقال روحاني انه ليس على علم بأي خطط امريكية خاصة بالعراق أو ما إذا كانت واشنطن ترغب في مساعدة بغداد.

وأضاف “إذا طلب شعب العراق وحكومته المساعدة فسندرس الأمر، حتى الآن لم نتلق مثل هذا الطلب، نحن مستعدون للمساعدة في اطار القوانين والأعراف الدولية”، وقال روحاني أن “جماعات أرهابية” تتلقى دعما ماليا وسياسيا وأسلحة من بعض دول المنطقة ومن دول غربية قوية، واحجم روحاني عن ذكر دول بالاسم لكنه كان يلمح لدول خليجية ترتاب ايران بانها تدعم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وقال “من أين جاءت الدولة الإسلامية في العراق والشام؟ من يمول هذه الجماعة الإرهابية؟ حذرنا الجميع بما في ذلك الغرب من خطر مساندة مثل هذه الجماعة الارهابية”، وتنفي حكومات دول خليجية مساندة التنظيم واعلنت السعودية الشهر الماضي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام منظمة إرهابية.

خامنئي يهاجم واشنطن

على صعيد اخر قال المرشد الاعلى لجمهورية ايران الاسلامية آية الله علي خامنئي ان سنوات من “الفتن” التي اثارتها الولايات المتحدة لم تهز بلاده داعيا المسؤولين الايرانيين الى صون الوحدة الوطنية، وفي خطاب القاه لمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لوفاة مؤسس الجمهورية الاسلامية آية الله روح الله الخميني، لم يشر خامنئي الى المفاوضات النووية الصعبة الجارية مع القوى العظمى، واكد مسؤولون اميركيون عدة ان كل الخيارات بما فيها الخيار العسكري “مطروحة على الطاولة” في حال فشل الدبلوماسية في حل ازمة البرنامج النووي الايراني.

وقال المرشد الاعلى الايراني في خطابه في ضريح الامام الخميني في جنوب طهران، “علينا فهم العقبات (الموجودة) على الطريق التي رسمها الامام” الخميني، مضيفا “التحدي الخارجي، هو الفتن التي تزرعها الغطرسة العالمية، ولنكن صريحين، الولايات المتحدة”، وقد قطعت طهران وواشنطن علاقاتهما الدبلوماسية في خضم ثورة 1979، لكن جرى اتصال هاتفي بين الرئيسين الاميركي باراك اوباما والايراني حسن روحاني في ايلول/سبتمبر 2013، الاول في خلال اكثر من 30 عاما، ما انعش الامال في حدوث تقارب بين العدوين التاريخيين.

وبعد شهرين من ذلك وقعت ايران على اتفاق مرحلي لستة اشهر مع مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، الصين، فرنسا، بريطانيا، روسيا والمانيا) على امل التوصل الى اتفاق نهائي بحلول تموز/يوليو، ومن المقرر اجراء جولة مقبلة للمفاوضات في 16 حزيران/يونيو في فيينا، ولم يتحدث آية الله خامنئي الذي له الكلمة الفصل في الملفات الاستراتيجية، عن اي تقارب محتمل، بل على العكس حذر من المساعي الاميركية ل”بث الشقاق” بين الدول او اثارة الانقلابات و”ثورات الالوان”. بحسب فرانس برس.

ويبدو انه استبعد التهديد بتدخل عسكري، مؤكدا ان الاخير ليس “اولوية بالنسبة للولايات المتحدة” بعد “الخسائر الاميركية في افغانستان والعراق”، ودعا المرشد الايراني المسؤولين الايرانيين الى عدم “تحويل انتباهم عن العدو الحقيقي” من خلال التركيز على “نزاعات” داخلية تسيء الى “الوحدة الوطنية”، ويواجه الرئيس روحاني الذي يعتبر معتدلا انتقادات اوساط المحافظين الذين يعتبرون اي تسوية بشأن الملف النووي تخليا عن حقوق ايران بالطاقة الذرية.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق