التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

لماذا لا تقاتل داعش إسرائيل؟.. 

أحمد الشرقاوي

  لعله السؤال الأهم الذي يطرحه الشارع العربي والإسلامي اليوم، خصوصا مع إنطلاق العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، وتكهنات بأن المعركة ستكون طويلة، وقد يضطر الجيش الصهيوني إلى إجتياح غزة عند سقوط أول القتلى الصهاينة، الأمر الذي لا يحتمل بالنسبة للقيادة السياسية والعسكرية، وذلك لإجتثات المقاومة وصواريخها البدائية المرعبة التي عطلت الحياة بالكامل في “إسرائيل”، وتبين أن القبة الحديدة مجرد نمر من ورق حيث لم تنجح في إسقاط سوى 29 صاروخا من أصل 117 أطلقت في اليوم الأول على مدن وقرى فلسطين المحتلة بما فيها تل أبيب، كرد على الغارات الإسرائيلية التي تستهدف بيوت المدنيين الآمنين.

لكن ما سيمنع مثل هذه المغامرة الخطيرة والمكلفة في الأرواح البشرية، هي أن تنتفض الضفة الغربية بقدسها، وعرب 48 جميعا، ليستعيدو كرامتهم ويفرضوا منطقهم الأقوى بالمقاومة. وهذا بالتحديد هو ما يرعب أمريكا، حيث اتصل الرئيس ‘أوباما’ بالطرطور ‘محمود عباس’ وهدده أنه في حال لم يتدخل لفرض التهدئة فإن الإدارة الأمريكية ستسحب إعترافها بالحكومة الوطنية الجديدة وستعيد النظر في المساعدات التي تقدمها للسلطة.

ومرة أخرى، تجد “إسرائيل” من يدعمها من عرب وعجم ويخاف عليها في حين لا تجد المقاومة الفلسطينية الشريفة غير الله وبعده إيران.. وإلا كيف نفسر عدم تقديم أي نظام عربي للمقاومة في غزة ولو بندقية صيد؟

ويبدو، أقله حتى اليوم، أن لا أحد في العالم العربي حكومات ومنظمات وشعوب مهتم بما يجري للشعب الفلسطيني المجاهد، باستثناء الضغوط التي تمارس من قبل السعودية وقطر ومصر وتركيا وأمريكا على عباس كي لا يسمح بإنطلاق إنتفاظة ثالثة، وعلى مشعل وهنية لإيقاف “عدوان” المقاومة على “شعب الله المختار”..

وبكلمة موجزة، الإنفجار في فلسطين نظرا للغموض الذي لا زال يشوب عملية إختطاف وقتل المستوطنين “الجنود” الثلاثة، كان خطة ذكية ومدروسة في اللحظة الحرجة، وهي رسالة للأمريكي مؤداها، أن اللعب في ساحات محور المقاومة ستدفع ثمنه باهضا “إسرائيل”.. وأن ما يجري اليوم هو مجرد تسخين، فـ”إسرائيل” لن يكون بمقدورها مواجهة الجبهة الداخلية وغزة والجولان ولبنان، لأن إختبار إطلاق قذائف قبل يومين تجاه جنودها المتمركزين على الشريط الحدودي للجولان المحتل قد أعطى مفعوله، فـ”إسرائيل” هذه المرة تحلت بضبط النفس ولم ترد في سابقة هي الأولى، ما يؤشر إلى أن ‘تل أبيب’ لا ترغب في التصعيد، وأنها دخلت مأزقا لن تخرج منه هذه المرة إلا بشروط المنتصرين..

نحن لا نعلم ما دار بين إيران وحماس والجهاد الإسلامي في إجتماعات طهران، لكن طبيعة الحرب الكونية المفروضة اليوم على الأمة العربية والإسلامية، تستدعي تجاوز الخلافات والتوافق حول الثوابت والمشتركات.. والمقاومة الإسلامية في فلسطين تعلم علم اليقين أنه لولا إيران لما عاد اليوم لغزة من وجود.

التركيز للأسف، لا يزال وسيضل على “داعش” وفتوحاتها الكبرى وتهديداتها باجتياح عاصمة المسلمين وكعبة المؤمنين ومرقد رسول الأمة الأكرم. لأن من يسيطر على مقدسات المسلمين يحضى بنوع من النفوذ الرمزي مقابل حراسته وقيامه على شعائر الأمة.

لكن، وهذا هو الأهم، من يجب أن يحضى بهذا النفوذ الديني الرمزي في أرض الله المقدسة، يجب أن يكون مقيما لشرع الله وعدله، وحيث أن آل سعود وزبانية الكهنة الدائرين حولهم كالأفاعي السوداء، لا يعرفون من الشرع إلا ما يقول به تلمود اليهود، فقد إرتأت “داعش” أن الأولوية تكمن في السيطر على مملكة الرمال والزيت إنطلاقا من اليمن ومن الحدود مع العراق، وفق خطة برزت مؤخرا للإعلام.

ويبدو أن السلطات في الرياض تأخذ هذا التهديد على محمل الجد، لدرجة أن ولي العهد السعودي الأمير ‘سلمان بن عبد العزيز’، استقبل في مكتبه بجدة، الأحد، رئيس هيئة الأركان العامة ونائب رئيس هيئة الأركان العامة وقادة أفرع القوات المسلحة وكبار ضباط القوات المسلحة ومديري العموم بوزارة الدفاع، في ما يبدو أنه تفعيل لقرارا الملك الصادر بتاريخ 26 يونيو/حزيران الماضي، والقاضي بـ”اتخاذ كافة الإجراءات لحماية الوطن وأراضيه”، حيث قال ولي العهد للحضور: “إن القوات المسلحة درع لبلدنا من كل شر”.

إلى هنا تبدو الأمور عادية، ويعتقد أن السعودية لن تتعاون مع إيران في محاربة الإرهاب، لأسباب لها علاقة بـ”العقيدة الدينية” التي سنأتي على تفسيرها في سياق هذا المقال. لكن ولي العهد السعودي أضاف في رسالة ضمنية تبدو أنها موجهة لكل من يفكر باجتياح عاصمة المسلمين وخصوصا “داعش” بتحريض من تركيا وقطر التي وعدت الإدارة الأمريكية قبل إنطلاق “ثورات الربيع الدامي”، بإسقاط نظام آل سعود في ظرف 12 سنة، وفق ما كشفته تسريبات في حينه، وأدى إلى أزمة كبيرة بين السعودية ومشيخات الخليج من جهة، وقطر من جهة ثانية، كانت مصر هي القطرة التي أفاضت الكأس، ولا تزال النار كالجمر من تحت الرماد.

ما أضافه ولي العهد السعودي في كلمته للقيادات العسكرية والأمنية يكتسي أهمية كبيرة على مستوى الفهم، لإدراك حقيقة ما يجري ويدور.. حيث قال بالحرف: “إن بلادنا هي بلاد الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين منطلق الإسلام منطلق العروبة، وفيها أمن واطمئنان وخير والحمد لله، وهذا يأتي بفضل الله قبل كل شيء، ثم لأبناء هذه البلاد ثم لدولتها التي قامت على الشريعة الإسلامية وهذا مبدأها منذ زمن وليس اليوم”. وتابع “بلد الإسلام والعقيدة الإسلامية بلاد المسلمين ككل قبلة المسلمين بلاد العرب ونسأل الله عز وجل أن يعيننا على القيام بواجبنا جميعاً، وأنتم والحمد لله في الطليعة بقواتنا المسلحة المدافعة والحامية لحدوده وهذا ما نرجوه”.

من كلام ‘ولي العهد’ يبدو أن باب المنافسة الدينية بين آل سعود و “داعش” قد بدأت على مستوى الطرح الإديولوجي لكسب الأتباع والأنصار، بين نظام قروسطي ظلامي ورجعي، حارب العروبة وها هو اليوم يدمر الإسلام بـ “الإسلام”، تنفيذا لمخططات أسياده في واشنطن وتل أبيب من جهة، وتنظيم من الجيل الخامس للقاعدة من جهة أخرى، جيل متشبع بالفكر التكفيري حتى العظم، متحمس حتى الجنون، إنخرط في تنظيم هو الأكثر قوة ووحشية منذ تأسيس القاعدة، وأكثر نفيرا وعتادا ومالا، وأكثر شراشة ووحشية في تعامله مع أعدائه لنشر الرعب في قلوبهم، ما يجعله من الناحية النفسية يكسب نصف المعركة قبل أن تبدأ، وهذه حقيقة علمية وقرآنية تحدث الله عنها في كتابه عندما كان يري رسوله الكريم في منامه عدد المشركين قليل وهم كثير، كي يرفع من معنوياته فلا يتراجع ويقتحم ساحات الوغى بمعية رجاله على قلب رجل واحد، الأمر الذي كان يرعب الأعداء.

وبهذا المعنى، تكتسي الجزيرة العربية بالنسبة لكل طامح في بسط نفوذه على العالم العربي والإسلامي من خلال الإديولوجية الدينية التي لا زالت تلاقي رواجا منقطع النظير في الشارع العربي والإسلامي وفي السوق السياسي على وجه الخصوص، لأن من يملك الحقيقة يملك عقول الناس وقلوبهم، ولا يهم إن كانت الضرورة تقتضي تلبيس الدجل والخداع حلة الحقيقة الجميلة، فيتحول الحلم إلى وهم.

هذا الأمر تدركه جيدا “داعش” أو من ينظر لها ويرسم لها الخطط التكتيكية والإستراتيجية ويدير معاركها من بعيد بقفازات حريرية. وبذلك، يستحيل أن تشكل “ذاعش” خطرا على “إسرائيل” أو تفكر في محاربتها في المدى المتوسط على الأقل، لأن أولويات هذا التنظيم لا تحددها العواطف والقيم الإسلامية النبيلة، بل تستند في ذلك إلى إجتهادات فقهية قديمة نقلا عن سلف لم يكن كله صالحا.

فعلى موقع “داعش” الإلكتروني، وفق ما نقلته ‘وكالة أوقات الشام’ الأربعاء مثلا، تجد الجواب بشأن السؤال الذي عنونا به هذا المقال كالتالي: “الجواب الأكبر في القرآن الكريم، حين يتكلم الله تعالى عن العدو القريب وهم المنافقون في أغلب آيات القرآن الكريم لأنهم أشد خطرا من الكافرين الأصليين.. والجواب عند أبي بكر الصديق حين قدم قتال المرتدين على فتح القدس التي فتحها بعده عمر بن الخطاب”.

وبالتالي، تقول “داعش” على نفس الموقع: “لن تتحرر القدس حتى نتخلص من هؤلاء الأصنام أمثال آل النفطوية وآل صباح وآل نهيان وآل خليفة وكل هذه العوائل والبيادق التي عينها الاستعمار والتي تتحكم في مصير العالم الإسلامي”.

هذا خطاب يتقطب كل الحاقدين على السعودية ومشيخات الزيت في العالم العربي والإسلامي، ويحملون نظام آل سعود المسؤولية عن أوضاع الأمة، لأنها لم يكن لديها مشروع مثل المشروع الإيراني، ففشلت في كل المجالات وعلى كل المستويات ومصيرها الزوال والإندثار.

تهديد “داعش” واضح لا لبس فيه، والمقصود به السعودية أولا ثم بقية مشيخات الزفت. أما فلسطين فعليها أن تنتظر الخليفة الثاني، بعد ‘أردوغان’ أو ‘البغدادي’ لا يهم، فالإثنين وجهان لنفس “الخليفة”

مشكلة هذا الإجتهاد الديني أنه يخلط فعلا الأمور في عقول الناس، فيلتبس عليهم الباطل في صورة الحق، وهم مقتنعون أنهم يجاهدون في سبيل الله وفق أصول الشرع الذي جاء به القرآن وفصلته السنة على مقاس فقهائهم وحكامهم.

أما بالنسبة للقرآن، فقد سبق لسيد قطب في مؤلفه “في ظلال القرآن” أن فصل الفوارق بين المسلمين والمنافقين والكفار إستنادا إلى ما ورد في سورة البقرة، ومنه أخد بعض خلاصاته التي تضمنها في كتابه المثير للجدل (معالم في الطريق)، والذي أعدمه جمال عبد الناصر بسببه بمعية 9 من الشيوخ والقيادات الإخونجية.

لكن قبل سيد قطب، ولعله الوحيد الذي أبدع في وصف الجهاد ووضع له قواعد أربعة بالترتيب تعتبر من الأسس التي يقوم عليها تكوين “المجاهدين”، أو كما قال عنهم ‘سعيد حوى’ الإخونجي الذي مات في السجن بسورية بسبب المرض “جند الله”، وله كتاب يحمل هذا العنوان. هذا الرجل الذي نتحدث عنه هو الفقيه ‘إبن القيم الجوزية’ من أكبر تلامذة الشيخ ‘إبن تيمية’ الذي خرب عقل الأمة بتشدده وتكفيره لمن يخالفه حتى في الرأي، حيث كان يحلو له أن يقول: “الرأي هو ما قلناه، ومن خالفنا يستتاب أو يقتل”.

‘إبن القيم’ فصل الجهاد في مؤلفه “زاد المعاد’ إلى جهاد النفس بالتلقين والتدريب والصبر، ثم جهاد الشيطان الذي يسهل كثيرا عندما تكون النفس طاهرة فلا يجد له سبيلا إليها فيهزم من غير معركة، ثم جهاد المنافقين على سنة الرسول (ص) لما يمثلونه من شر وفتنة باعتبارهم عدوا داخليا أخطر من العدو الخارجي كما نبه القرآن بذلك، وبمحاربتهم أولا، تصبح الأمة على قلب رجل واحد وتستطيع حينها صنع المعجزات حين تحين ساعة منازلة الكفار والمشركين باعتبارهم العدو الخارجي أو دار “الكفر” بتعبير ‘إبن تيمية’، فيما “دولة الخلافة” هي دار الإسلام. ومن هذا المنطلق تحدث البغدادي مؤخرا على سنة بن لادن وابن تيمية عن تقسيم العالم إلى فسطاطين “دار إسلام و دار حرب”.

لكن هناك عامل حاسم آخر، جعل “داعش” تفكر في “فتح” مكة والمدينة وبقية أطراف الجزيرة العربية وفق الجغرافيا القديمة، فبالإضافة إلى ما سبق وقلناه عن الجانب الرمزي للزعامة التي يكتسبها من يسيطر على مقدسات المسلمين، فمنها بحسب العقيدة الشيعية “ينطلق صوت المهدي المنتظر بين الركن والمقام، وينهض لنصرته المؤمنون من كل مكان ليقيموا الدولة الإسلامية العادلة”، وقد تكون الساعة إقتربت، وحان أوان ظهور “السفياني لينطلق من الكوفة ويوغل في الصحراء يضربه سيف الإنتقام فيغور في الأرض هو وجيشه العرمرم في صحراء قاحلة لاحياة فيها” (وفق بعض أدبيات الشيعة). وهو ما يجعل النظام السعودي يتوجس خيفة من إيران، واليوم يخاف أكثر لأن “داعش” تهدد عرش لآل سعود بالزوال، إستباقا لظهور المهدي المنتظر (عجل الله فرجه).. فما العمل؟..

اليوم لن ينفعها حلفها ولا مالها ولا زيتها إلا من كان ظهره مسنودا بمحور قوي ووفي مخلص، يدافع عن الأمة وعن الإسلام، وعن القيم الإنسانية النبيلة، وعن كل الأشياء الجميلة في حياتنا.. السعودية اليوم ستكون في مواجهة القاعدة التي مولتها لزرع الفتن في اليوم ها هي تنقلب عليها وتنفذ من حدودها إلى الداخل، وقد اعتقلت السلطات السعودية أزيد من 3900 “مقاتل” قادمين من اليمن للجهاد في آل سعود، وداعش تتحضر لإختراق الحدود مع مملكة النفاق من العراق، والسيد ‘محمد’ ضريف يزور عمان والكويت والإمارات ليحذر ويعرض التعاون قبل فوات الأوان، لأن المشروع كبير وخطير وسمزق الأوطان العربية إلى كيانات طائفية ومذهبية، أما الخليج، فستقيم أمريكا على رأس كل بئر نفط مشيخة أو إمارة.

المشهد مقلق، لأن ما يجتاح المنطقة اليوم هي حروب “دينية” مفتعلة، ومن طبيعة هذه الحروب أنها عادة ما تكون طويلة ومدمرة.. هذا ما يقوله التاريخ، ونحن لا نزال نقرأ بالصفحة الأولى…

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق