منظر للقاعدة يحذر من خطر داعش على السنة
جاسم العذاري –
لم تهدأ قيادات تنظيم القاعدة الارهابية من التحذير والتهديد والوعيد لكل من ينتمي ضمن صفوف زعيم داعش الوهابية ابو بكر البغدادي واستشعرت الخطر الذي يهدد تشكيلها وكيانها الذي دام لسنوات .. ومن خلال الاطلاع على مقال احد المنظرين للقاعدة والوهابية “محمد عياش الكبيسي” نتيقن ما يدور في اروقة الزمر الارهابية والاجرامية التي تستبيح الدم المسلم ومن خلال المقال نستطيع ان نتوقع ما سيحدث من اقتتال بين قادة تنظيم داعش الوهابية والتنظيمات الاخرى والتي لاحت بوادرها في الافق ..
المقال بعنوان : اعلان الخلافة .. قراءة مختلفة
أعلن البغدادي نفسه (خليفة للمسلمين) و بصورة مفاجئة وغير متوقعة بالنسبة للكثير من المراقبين والمتابعين، ليرسخ بهذا أن اسم (الدولة) الذي اختاره التنظيم مبكرا لم يكن اسما شكليا، وهذا ما كنا نؤكده باستمرار، فالدولة كانت منذ تأسيسها تتعامل مع بقية الفصائل بمنظور السلطة والهيمنة وتستدعي لذلك كل الأحكام الفقهية المتعلقة بالسلطان وحقوقه والموقف من المخالفين له أو الخارجين عليه، وبالتالي فما مارسته مع الفصائل العراقية ثم السورية يأتي منسجما تماما مع هذا التوجه، والذين كانوا ينادون بتجاوز الخلافات بين (المقاتلين) هم إما أنهم كانوا لا يعرفون طبيعة هذا التنظيم ونظرته لبقية التنظيمات، وإما أنهم كانوا يخفون رغبة حقيقية لانضمام كل تلك العناوين تحت اسم الدولة ورايتها وقيادتها، ذلك لأن فكرة التوحد مع اسم (الدولة) لا تتحقق من دون الخضوع لهذا الاسم والالتزام بكل ما يعنيه، وهذا هو جوهر الصراع بين (الدولة) وبين الفصائل الأخرى بغض النظر عن الحوادث الجزئية التي قد يكون فيها الحق مع هذا الطرف أو ذاك، وهذه أمور طبيعية تحصل في كل التنظيمات التي تعمل على أرض واحدة.
لقد كان بعض (الورعين) و (نساك الجهاد) يغفلون أو يتغافلون عن أصل الخلاف وأساس المشكلة، ويقفون عند الإشكالات الميدانية المعقدة، والتي يتطلب الحكم فيها دراية واسعة وسماعا من الطرفين واستنطاقا للشهود.. إلخ، وحينما لا تتحقق هذه الشروط وهذا هو الشأن في كل التنظيمات السرية يلجؤون إلى الخطاب الوعظي بضرورة الترفع عن الخلافات وحظوظ النفس.. إلخ، وهذا اتهام مبطن يؤذي العاملين في الميدان ويصبح في النهاية جزءا من المشكلة وليس من الحل!
لقد كان البغدادي صادقا مع هؤلاء الغافلين أو المتغافلين حينما كان يصرح: إننا (دولة)، ثم يضع النقاط على الحروف في (وثيقة المدينة)، والتي جاءت لتدبير شؤون (ولاية نينوى) ليقول في البند العاشر منها (وأما المجالس والتجمعات والرايات بشتى العناوين وحمل السلاح فلا نقبلها البتة، لقوله صلى الله عليه وسلم: من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه)، إنه هنا يعني ما يقول،إنه لا يناقش أفكار الآخرين أو سلوكياتهم، اعتدوا أو لم يعتدوا، إن هؤلاء جميعا عليهم أن يخضعوا لسلطانه رغبة أو رهبة، هذا هو الحق الذي يراه والدين الذي يدين به.
لقد راح بعضهم يناقش البغدادي في الشروط الشرعية لإعلان الخلافة! وراح آخرون ينصحونه بالتراجع لأن هذا الإعلان يربك الثورة! وهناك من ينظر للموضوع كله وكأنه مزحة ثقيلة أو أمنية لمجموعة من الشباب الحالم باستعادة الخلافة.
في سنة 2003 وفي بيت من بيوت الفلوجة كان هناك نقاش حاد فيمن يقود الجهاد بوجه الاحتلال الأميركي، وكانت الأنظار تتجه إلى صاحب الدار وهو طالب علم معروف وله تجربة سابقة في (الجهاد الأفغاني)، إلا أن أبا أنس الشامي المنظر الشرعي للزرقاوي حسم النقاش بقوله: (نحن المهاجرون، وأنتم الأنصار، فمنا الأمراء، ومنكم الوزراء)، وهو هنا يستعير ما حصل يوم السقيفة! ثم مد يده لأبي مصعب الزرقاوي وبايعه، وطلب من الحضور مبايعته أيضا حسما للخلاف ودرءا للفتنة!
وراح التنظيم يسخر العاطفة الدينية ببراعة فائقة لتجنيد (العرب)، وحثهم على الالتحاق بمشروع الجهاد وترغيبهم بالعمليات (الاستشهادية) وحض الآخرين على (الجهاد المالي) وجمع التبرعات من كل أنحاء العالم الإسلامي، وقد رأى الزرقاوي في تلك المرحلة ضرورة الارتباط بالتنظيم العالمي (القاعدة) لضمان الدعم والإسناد، وبهذا حقق التنظيم قدرا من التوازن مع فصائل المقاومة العراقية مجتمعة.
بعد ذلك جاءت أحداث سوريا، ليقرر أمير (الدولة) أن يرسل بـ (النصرة)، والاسم مطمئن إلى حد كبير، لكن البغدادي أدرك خطأه فيما بعد، فالنصرة شيء، وبناء دولة الخلافة وكسر (أوثان سايكس بيكو) شيء آخر، وقد كلفه هذا الخطأ كثيرا، فنشب القتال بينه وبين نصرته، كما نشب بينه وبين فصائل الثورة السورية كلها، وهنا اضطر لتكرار السيناريو العراقي بإعلانه للدولة الإسلامية في (العراق والشام)، فهو لم يأت نصرة للسوريين وإنما جاء ليحكمهم ويبني دولته على أرضهم!
من هنا ندرك أن مشروع البغدادي ليس الدفاع عن أهل السنة وأعراضهم، كما يروج بعض (الدراويش)، وإنما هو لبناء (دولة)، وهو مستعد في سبيل هذه الدولة أن يقاتل كل من يقف في طريقه شيعيا كان أو سنيا، إسلاميا أو علمانيا، عالما أو جاهلا، مجاهدا أو قاعدا، الهدف محدد وواضح، والوسيلة محددة وواضحة كذلك.
إنه ببساطة لا يثق بالفصائل أو القبائل العراقية، ولا بعلماء العراق وسياسييهم ومثقفيهم، من هنا كان لا بد من مخاطبة المحيط الأوسع عربيا وإسلاميا، لحشد الطاقات وتجنيد الكفاءات القادرة على مسك الأرض وإدارتها، من هنا جاءت فكرة (الخلافة).
إن البغدادي اليوم لا يستجدي أحدا، وإنما يخاطب الجميع بلغة (البيعة) و (الأمر)، هناك جملة من الأمور دفعت بعجلة (الدولة) لقطع مراحلها المرسومة بأسرع مما كان متوقعاً، فالظلم الذي مارسته حكومة المالكي ومليشياته الطائفية والذي لم يشهد له العراق مثيلاً منذ الغزو المغولي جعل أهل السنّة يتطلعون بلهف للبديل أيا كان، إنهم ليسوا في سعة من أمرهم ليفاضلوا بين الأيديولوجيات والسياسات والاحتمالات المستقبلية وما إلى ذلك، وهذه -لا شك- فرصة كبيرة لمشروع (الدولة) لغسل الذاكرة السنّية والتي كانت تحتفظ بملفات سوداء للحقبة التي سيطر فيها التنظيم على بعض مناطقهم.
ثم جاء الحراك الشعبي في المحافظات الست ليضيف عاملاً آخر، فقد كانت الخطابات الحماسية ولبس الأكفان من قبل قادة الحراك وخطباء المنصات، مع أنهم في الأغلب لا يمتلكون الخبرة الكافية لتوظيف هذه الحالة النفسية والمعنوية الصاعدة لدى الجماهير وخاصة الشباب، من هنا كانت الأرض ممهدة تماماً لعمليات التجنيد من قبل التنظيم الأقوى وصاحب الخبرة العريقة والإمكانيات الهائلة في هذا الشأن.إن قادة الحراك لم تكن تنقصهم الشجاعة، فقد تحدّوا المالكي ومليشياته لما يزيد على السنة، لكن ضعف الخبرة التنظيمية وقلة ذات اليد والتخوّف من طرح أي مشروع قد يثير الخلاف جعلهم في النهاية وكأنهم يمارسون دوراً مرحلياً لا أكثر، ومن المفارقات هنا أن أغلبهم اليوم يعيشون خارج مناطقهم بعد أن سيطرت عليها (الدولة)،
العامل الثالث كان لأصحاب المشروع الوطني (العابر للطائفية)، والذين باتوا يتعاطفون مع (الدولة) ويغضون الطرف عن (أخطائها) مع الخلاف العميق بين المشروعين فكراً وسياسة وممارسة،
إن المنطق (الفقهي) للبغدادي يحتّم عليه أن يطلب البيعة ترغيبا أو ترهيبا، وسيحاسب الناس على ذلك، وقد لا يتأخر كثيرا عن إصدار أوامره بالتجنيد الإلزامي لتشكيل (جيش الخلافة)، بمعنى أن أهل السنّة (من حلب إلى ديالي) سيكونون جزءاً من مشروع (الجهاد العالمي) لتنطلق (الفتوحات) في كل صوب! وقد سئل أحدهم: كيف ستواجهون الحصار الدولي الذي سيفرض على دولتكم كما فرض على صدام حسين من قبل؟ فقال: الدولة التي تحاصرنا سنرسل إليها سيلا من (المفخخات) حتى ترضخ لنا وتفتح حدودها صاغرة!إن كل الذي نخشاه أن السكين التي قطّعت الحبال عن أيدي المكبّلين حتى هموا بتقبيلها شكرا وامتنانا سترتد على نحورهم بأدنى مما يتصورون، وستجلب معها سكاكين العالم في سلسلة لا تنتهي من الحروب بدءاً من قتال (المرتدين) و (المنافقين) حتى قتال آخر الكافرين والمشركين! إن الذين يهللون لدولة (الخلافة) لا يعلمون أن إعلان الخلافة بحد ذاته هو إعلان للحرب على كل دول العالم بما فيها الدول العربية والإسلامية من دون استثناء، وقبل ذلك إعلان للحرب على كل الفصائل والجبهات وعناصر الثورة في سوريا والعراق إسلامية أو وطنية أو عشائرية، ووثيقة (المدينة) لم تدع مجالاً للشك في هذا، وعليه فإن الحروب القادمة لن تكون بين (التنظيم) و(الأنظمة) كما يتوهم البعض، بل هي حروب ستخوضها الشعوب نفسها، وسيجد المرء نفسه إما جندياً يقاتل تحت راية (الخلافة) وإما (منشقاً).
إننا في الحقيقة أمام سيناريو في غاية الخطورة، وسيجد (الشركاء) و(الفرقاء) أنفسهم قد أصبحوا مسرحاً للفوضى ، ووقوداً لها وأداة لتنفيذ مشاريعها مهما كانت عناوينهم وتوجهاتهم.
إن مسؤولية الثوار في العراق وفي سوريا بكل فصائلهم تنحصر بحمل السلاح ومقاتلة (العدو)، فإن العبرة في كل عمل إنما تكون في النتائج والمآلات، وعلى أهل الرأي والمشورة منهم ومن غيرهم أن لا يترددوا في طرح تصوراتهم وتحليلاتهم حتى لو كانت تخالف التوجه السائد، فلقد عودتنا الأحداث أن السلوك الغوغائي لا يمكن التعويل عليه فهو أشبه بالرمال المتحركة، وإن التقصير في دراسة الواقع ومآلاته واحتمالاته تجنباً لتعكير الجوّ العام، أو تلافياً للتصادم مع العاطفة الجماهيرية يعد تخلياً عن المسؤولية والأمانة التي حمّلها الله لأهل العلم، وتغريراً آثماً بهذه الجماهير نفسها.
من خلال استعراض المقال اردنا ان نشير الى حجم الهوة التي تشهدها الجماعات المسلحة والتي تنذر لانقسامات حادة بينها . لا كما تصوره بعض القنوات الاعلامية الى ان جميع تلك الجماعات متوحدة فيما بينها , وهذا لابد ان يضعه المسؤولون في نظر الحسبان والتخطيط الصحيح لاستغلال تلك الثغرات الموجودة ضمن صفوف الزمر الارهابية من خلال تكثيف الجهود لكسب الزخم العشائري “السني” الرافض لتلك العناصر الاجرامية .. JH
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق