قراءة في الحرب الثالثة على غزة
رضا حرب –
لا زالت هذ الحرب الوحشية وهذه الاستباحة لغزة غير مفهومة الاسباب والاهداف. فمن الغباء الشديد اعتبارها رداً على مقتل الاسرائيليين الثلاثة الذين اُسروا في الضفة وقُتلوا في الضفة وليس بغزة ومن الغباء ايضاً قراءتها على انها استراتيجية عسكرية.
من المعروف لدى الاستراتيجيين ان الحروب تُخاض لتحقيق مكاسب سياسية يفرضها الطرف المنتصر على الطرف المهزوم او من اجل تحقيق مكاسب استراتيجية على مستوى توازن القوى من خلال حروب وقائية للحفاظ على الوضع الراهن او اجراء تغيير جوهري على الوضع الراهن. ماذا يريد ان يحقق نتنياهو من خلال هذه الحرب الوحشية؟
الحقيقة الميدانية الاولى ان الجيش الاسرائيلي ليس بجعبته استراتيجية عسكرية حقيقية سوى قتل اكبر عدد ممكن من المدنيين علماً انها جرائم حرب، ولكن نتنياهو يعرف ان العرب والسلطة الفلسطينية اعجز من ان يسعوا الى ملاحقة القيادات الاسرائيلية كمجرمي حرب. نتنياهو يدرك انه لا يحقق اي مكاسب ميدانية من خلال قتل المدنيين، لكن من المعروف عن اسرائيل انها ترتكب جرائم حرب عندما تكون عاجزة عن تحقيق اي من الاهداف المرجوة، فكيف اذا كانت حرب نتنياهو بلا اهداف واضحة!
الحقيقة الميدانية الثانية ان الفصائل الفلسطينية تخوض حرباً اسطورية رغم الجغرافيا – مساحة غزة لا تتجاوز 360 كلم بعمق 9 كلم – ورغم الحصار والقدرات العسكرية المحدودة. لحد الان خسائر اسرائيل على مستوى الامن الداخلي تفوق ما كان فريق نتنياهو يتوقعه خاصة مع دخول طائرات بدون طيار الميدان، وبالتالي اثبتت الفصائل الفلسطينية القدرة على فرض معادلة جديدة واسرائيل ليس في وضع يسمح لها عدم الرضوخ للمعادلة الجديدة وبالتالي الاتفاق على تفاهم جديد لا يقل اهمية عن تفاهم نيسان 1996 بعد حرب عناقيد الغضب اصبح في متناول اليد الا اذا جاءت المبادرة المصرية مخرج لاسرائيل.
والحقيقة الميدانية الثالثة ان الميزان العسكري يميل لصالح اسرائيل بينما كل القدرات العسكرية المتوفرة لدى الفصائل الفلسطينية لها وظيفة ردعية لا تغير من ميزان القوى لكنها قادرة على فرض توازن الرعب. القوة الصاروخية القادرة على ضرب في عمق يصل الى 150 كلم يفرض على اكثر من 4 مليون اسرائيلي الهروب الى الملاجيء، ويرجع الفضل الاول والاخير لمحور المقاومة من ايران الى حزب الله مروراً بسوريا. انتصار غزة هو انتصار لمحور المقاومة، لن يرضى العرب بذلك!
اذا كان قرار نتنياهو بالحرب على غزة لاختبار القبة الحديدية فقد تبين ان اعلى نسبة نجاح حققته بلغت 17% باعتراف المراقبين الاسرائيليين. اذاً، الحرب على غزة لم تحقق هدفها. واذا كانت القادة الاسرائيليون من هذا العدوان يريدون توجيه رسالة الى حزب الله، فقد اخطأوا في التوقيت والعنوان.
الجامعة العربية كعادتها عاجزة على اتخاذ قرار بدون الحصول على مباركة من الراعي الامريكي. لم نشهد نفس النشاط الذي شهدناه يوم اعلنوا الحرب على القذافي وبشار الاسد. السلطة الفلسطينية لا يبدو ان بجعبتها استراتيجية واضحة في التعاطي مع العدوان على الاقل على مستوى استثمار ما حققته فصائل المقاومة. اضعف الايمان وقف التعاون الامني بين الطرفين والتشجيع على انتفاضة ثالثة والتهديد بالذهاب الى محاكم جرائم الحرب لملاحقة القادة الاسرائيليين. لكن من الواضح ان السلطة تحاول تحقيق مكاسب سياسية على حساب الفصائل المقاومة. على مسار الوساطة، حماس مترددة في قبول الوساطة المصرية لاسباب تتعلق بالتنظيم العالمي للاخوان المسلمين، والجهاد الاسلامي يصر على دور مصري متقدم بحكم الجغرافيا والعلاقات التاريخية بين الشعبين. هل يستغل السيسي هذه الفرصة ليعيد لمصر دورها التاريخي ام يلعب دور الحكم الحيادي فيخسر اكثر مما يربح. المجتمع الدولي كعادته مسلوب الارادة الاخلاقية، يساوي بين الجلاد والضحية، وفي معظم الاحيان يحول الجلاد الاسرائيلي الى ضحية. لكن اكثر ما هو ملفت في هذا المشهد الغزاوي الدموي ان كل شيوخ فتاوى القتل والذبح والنحر اكلت القطط السنتهم.
امام حماس فرصة تاريخية للخروج من محور اساء لها ولتاريخها والعودة الى موقعها الطبيعي في محور المقاومة والا اصبحت النتائج والتضحيات كقرار نتنياهو، عبثية.