التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

داعش” يفرغ الموصل من المسيحيين! 

محمد جمال –

  لم يسبق لمدينة الموصل أن خلت من سكان البلاد الأصليين أصحاب الديانة المسيحية كما هو حاصل اليوم. فبات كل شيء متعلق بهذه الديانة معرضا للتخريب والسلب على يد رجالات «دولة الخلافة» التي اتخذت من ثاني أكبر مدينة عراقية مركزاً رئيسياً لها، وهي المدينة التي تعد أيضاً من بين أقدم المدن التي يعيش فيها المسيحيون العراقيون.

 

وهرب الآلاف من المسيحيين من المدينة في الأيام الأخيرة على اثر إنذار وجهه تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش». ووجهت رسائل عبر مكبرات الصوت إلى المسيحيين في المساجد يوم الجمعة الماضي في الموصل، مطالبة إياهم بمغادرة المدينة اعتبارا من ظهر أمس الأول، بحسب شهود، مع التذكير ببيان «الدولة الإسلامية» والتأكيد على أنّ من يمتنع عن الخروج سيكون مصيره التصفية. وغادرت العائلات المسيحية مدينة الموصل قبل انتهاء المهلة، تاركة وراءها الممتلكات والبيوت. وتوجه هؤلاء إلى بعض القرى المسيحية الآمنة في محافظة نينوى التي تخضع لسيطرة قوات «البشمركة» وإلى إقليم كردستان.

 

وبحسب صور بثها ناشطون من مدينة الموصل، لم يتبق أي اثر للمسيحيين هناك. واستبدلت الصلبان برايات «داعش» وأغلقت جميع الكنائس وأحرق العديد منها.

 

ويقول رئيس أساقفة الموصل المطران بطرس موشي، المتواجد حاليا في ناحية قرقوش القريبة من كردستان، إنّ مركز مدينة الموصل بات خاليا تماما. ويكشف المطران لـ«السفير»، أنّ مسلحي «داعش» أرسلوا بطلبهم للتشاور في موضوعهم قبل الرحيل «ولكن لن (لم) نذهب لأننا فقدنا الثقة بالجميع. فهم خدعونا وقالوا لنا في البدء لا مشكلة علينا ومن ثم اعتبرونا كفارا».

 

ولم تكن عمليات الخروج من الموصل سهلة على المسيحيين، حيث تعرض العديد للسرقة ولعمليات المصادرة من قبل عناصر تنظيم «داعش». ويقول ابو ريان، وهو مسيحي غادر المدينة، إنّ «المسلحين سرقوا أموالا ومجوهرات بعض العائلات عند نقاط تفتيش يسيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية عند خروجهم من الموصل». ويشير رجل مسيحي آخر إلى أنّ «الدولة الإسلامية أوقفت أقاربي في نقطة تفتيش أثناء هروبهم، وعندما اكتشفوا أنهم مسيحيون أخذوا منهم كل ما يحملونه بما في ذلك هواتفهم النقالة»، مضيفا: «لم يتركوا لهم سوى الملابس التي يرتدونها».

 

في غضون ذلك، بدا أنّ عدداً من الأفراد قرر البقاء في مدينته بقرار شخصي. وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أنه «برغم التهديدات، قرر بعض مسيحيي الموصل البقاء في منازلهم، بينهم ابو فادي وهو مدرس لديه طفل رفض ترك الموصل حتى وان كلفه ذلك حياته». ونقلت الوكالة عنه قوله: «نحن ميتون أساسا إنسانيا، ولم يبق لدينا سوى هذه الروح، فإذا أرادوا أن يقطعوا هذه الروح، فأنا مستعد لذلك، لكنني لا أغادر مدينتي التي ولدت وتربيت فيها».

 

ومع سيطرة عناصر تنظيم «داعش» على مدينة الموصل في شهر حزيران الماضي، وإعلانه إقامة «دولة الخلافة»، بدأ عناصر التنظيم المتطرف ممارسة مضايقات واضحة على أبناء ما يعرف بـ«الأقليات». كما أمر المتشددون المؤسسات الصحية في مدينة الموصل بإيقاف عمل المئات من المسيحيين ممن يعملون كأطباء وممرضين، فيما طالبوا بطردهم من الوظائف في المؤسسات العامة، حتى وصل الأمر إلى إصدار وثيقة تلزم المسيحيين بمغادرة المدينة أو دفع بدل مادي «جزية» أو اعتناق الإسلام أو القتل.

 

وقال البيان، الصادر عن «ولاية نينوى» ويحمل توقيع «الدولة الإسلامية» وتاريخ الأسبوع الماضي، إنّ التنظيم أراد لقاء قادة المسيحيين حتى يخيرهم بين «الإسلام» أو «عهد الذمة» أي دفع الجزية، مهددا بأنهم «إن أبوا ذلك فليس لهم إلا السيف».

 

وجاء أيضا في الوثيقة، التي اطلعت عليها «السفير»، أنه سيسمح «للمسيحيين بالجلاء بأنفسهم فقط… لموعد آخره يوم السبت الموافق 21 رمضان (أمس الأول) الساعة 12 ظهرا. وبعد هذا الموعد ليس بيننا وبينهم إلا السيف». وبحسب ما نقله صحافيون وناشطون لـ«السفير»، فإنّ «داعش» وضع مبلغاً قدره 450 دولاراً أميركياً كـ«جزية» على المسيحيين في حال قرروا البقاء.

 

وكانت تعيش في الموصل طوائف مختلفة وكان بها نحو مئة ألف مسيحي قبل عشرة أعوام، لكن موجة من الهجمات على المسيحيين منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة العام 2003 لإطاحة الرئيس السابق صدام حسين أدت الى تراجع أعدادهم.

 

وتقع الموصل على الناحية الأخرى من نهر دجلة في مواجهة مدينة نينوى القديمة في قلب بلاد الرافدين. وقد ازدهرت في وقت كانت فيه المنطقة التي أصبحت العراق في العصر الحديث تعتبر «مهدا للحضارة»، وعلى مدى قرون أظهر سكانها أهمية العراق كمفترق طرق للتجارة والثقافة. ويتضح مدى تداخل الديانتين الاسلامية والمسيحية في الموصل اليوم من خلال وجود قبر النبي يونس الذي ورد ذكره في الإنجيل وفي القرآن في أحد مساجد المدينة. وأصبح هذا المسجد عرضة للتدمير مع مساجد أخرى في الموصل تعتبره «داعش» من مظاهر «الشرك بالله».

 

وتعرض المسيحيون في العراق لأعنف هجوم عندما قام عناصر «الدولة الإسلامية في العراق» قي 31 تشرين الأول العام 2010 باقتحام «كنيسة سيدة النجاة» للسريان الكاثوليك في منطقة الكرادة في بغداد أثناء أداء مراسم القداس، وانتهت الحادثة بتفجير المسلحين لأنفسهم وقتل وجرح العشرات ممن كانوا بداخل الكنيسة. وتعتبر المسيحية ثاني أكبر الديانات في العراق من حيث عدد الأتباع بعد الإسلام، وهي ديانة مُعترَف بها بحسب الدستور العراقي. ويعترف الدستور بـ14 طائفة مسيحية في العراق يتوزع أبناؤها في مدن إقليم كردستان وكركوك ونينوى وبغداد، وقسم صغير في الجنوب.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق