’اسرائيل الكبرى’ حلم تحققه ’داعش’ واخواتها
مخططات صهيونية قديمة لاعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة
“داعش” و”النصرة”، وكتائب عبد الله عزام وانصار بيت المقدس، وغيرها من فروع “القاعدة” واخواتها وامتداداتها، تنظيمات مشبوهة ان اختلفت تسمياتها، واخفت ولاءاتها، لكن هدفها واحد، تحقيق “حلم اسرائيل الكبرى”، الذي نادى به المؤسس الاول للصهيونية ثيودور هرتزل عام 1904، بعدما عجزت “اسرائيل” عن تحقيقه طوال السنوات الماضية بقواها الذاتية. فالتناغم والتعاون بين تلك التنظيمات، واسرائيل واضح وجلي في سوريا، وفي تموضعها جغرافياً ما بين النيل والفرات الحيز الجغرافي للحلم الاسرائيلي، وفي سعيها لتفتيت المنطقة لانشاء دويلات ممزقة تخدم المشروع الصهيوني، وفي عدم اطلاقها رصاصة واحدة على الكيان الصهيوني.
خريطة تقسيم الدول العربية بحسب مخطط “سايكس بيكو”
انها الحرب بالوكالة اداتها تنظيمات صنيعة الاستخبارات الاميركية، سيناريو صناعة القاعدة واستخدامها ضد الاتحاد السوفياتي السابق، يتكرر اليوم في العالم العربي بدءاً من سوريا والعراق ومصر… اما السبيل الى ذلك فهو اعادة رسم خريطة جيوسياسية مفتتة للعالم العربي بعدما ادت خريطة “سايكس بيكو” مهامها في القرن الماضي ولم تعد صالحة لخدمة الاهداف والمصالح الصهيوامريكية في المنطقة.*المخططات الصهيونية لتقسيم الدول العربية
فالمخططات الصهيونية لتفتيت المنطقة قديمة العهد ولم يجف حبرها يوماً، واسرائيل باتت تدرك تماماً ان لا قابلية لها للعيش وثمة من يرفع شعارات بزوالها، تجربة 66 عاماً منذ انشاء كيانها شاهدة على ذلك، محاولات تطبيع علاقاتها مع الجوار العربي اثبتت فشلها، ومعاهدات “السلام” لم تجعلها دولة قابلة للحياة، كما ان السنين لم تجهض ثابتة المقاومة، والتصدي لاحتلالها، قدرتها الذاتية ومؤازرتها من امريكا، لم تجعلها قادرة على تثبيت كيانها، وسط محيط عربي واسلامي مناهض، لذا هي تدرك اليوم اكثر من اي وقت مضى ان استراتيجية التفوق العسكري على الجيوش العربية التي انتهجتها سابقاً لم تعد تحصنها، ولا نقل المعركة الى دول الجوار، فالمقاومة قلبت المعادلات، وغيرت الموازين، وما يجري في غزة اليوم خير دليل، كل ذلك جعل اسرائيل تخرج مخططات سابقة كانت قد اعدتها لتقسيم المنطقة وتضعها حيز التنفيذ، فسيادتها على المنطقة لن تقوم لها قائمة، الا بتفتيت المنطقة الى دويلات طائفية ومذهبية متناحرة، فحينها فقط تصبح الفرصة سانحة امامها لتحقيق حلم “اسرائيل الكبرى”، بعدما تضعف دول الجوار وتضمن تفوقها.
خريطة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات
لم يكن طرح نتنياهو بتحويل كيانه الغاصب الى دولة يهودية، سوى مؤشر على مخطط صهيواميركي بأن المنطقة ذاهبة باتجاه التقسيم على اساس طائفي ومذهبي، والمخططات الصهيونية بهذا الصدد قديمة واكثر من ان تحصى وان كان جوهرها متشابها، ولعل اقدمها وثيقة “كارينجا”، التي اعدتها “هيئة الاركان الاسرائيلية” ونشرت في كتاب يحمل عنوان “خنجر اسرائيل” عام 1957، و”وثيقة كيفونيم” التي وضعها الكاتب الصهيوني عوديد ينون ونشرتها مجلة “كيفونيم” الناطقة باسم المنظمة الصهيونية العالمية في شباط/فبراير 982 . فضلاً عن مشروع المؤرخ الصهيوني الاميركي الشهير برنارد لويس لتقسيم الشرق الاوسط الى اكثر من ثلاثين دويلة اثنية ومذهبية، ووثيقة لين بيرك الشهيرة عام 1996 التي تهدف الى تامين اسرائيل، وكذلك مشروع بريجينسكي مستشار الامن القومي السابق الذي يهدف الى تفتيت الوطن العربي وتحويله الى كانتونات تضم جماعات عرقية ودينية مختلفة يسهل التحكم فيها واستخدامها ادوات في اثارة النزاعات، بحيث يسمح للكانتون الاسرائيلي ان يعيش في المنطقة. وايضاً وايضاً دراسة ريتشارد بيرل المستشار السابق لوزير الحرب الاميركي بعنوان “الاستراتيجية الاسرائيلية حتى عام 2000 ” التي دعا فيها اميركا لغزو العراق باعتبار ذلك جزءاً محورياً من الاستراتيجية الاسرائيلية. وأخيراً خريطة “الشرق الأوسط الجديد” التي لوحت بها الولايات المتحدة الأمريكية علناً على لسان كونداليزا رايس خلال العدوان “الإسرائيلي” على لبنان عام 2006 .
خريطة تقسيم 5 دول عربية الى 15 دولة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز الاميركية
الخبير في الشؤون الاسرائيلية الكاتب الصحفي تحسين الحلبي صاحب كتاب “المخططات الصهيونية في القرن الواحد والعشرين”، يؤكد ان ما تشهده المنطقة اليوم من تطورات وانتشار للمجموعات المسلحة كـ”داعش” واشباهها التي تعلن صراحة انها تريد ان تقيم دويلات كدولة الخلافة في الشام والعراق، كانت قد ظهرت في مخطط “اسرائيلي” اعدته وزارة الخارجية الاسرائيلية بعد اجتياح لبنان في ثمانينات القرن الماضي، حينما كلفت الباحث المختص “عوديد ينون” بإعداد “اكثر قابليات الافكار القابلة لتقسيم العالم العربي والاسلامي الى دويلات صغيرة “تنال شرعيتها” من “اسرائيل”، وهو ما فعله ينون بالفعل حينما وضع خطة تقسم المنطقة الى دويلات على اساس الدين والطائفة والمذهب والاتنية والقبلية.
ويشير الحلبي، الى أن مخطط ينون تحدث عن تقسيم سوريا ولبنان والعراق على اساس ان جبهة الشمال السورية اللبنانية مع العراق تشكل اكبر الاخطار على “اسرائيل” بعد تحييد مصر واخراجها من ساحة الصراع بموجب اتفاقية “كامب ديفيد”، باعتبار ان هذه الدول تمتلك القدرات العسكرية والاقتصادية والسياسية التي تهدد مستقبل وجود “اسرائيل”.
ويلفت الحلبي الى ان مخطط ينون يرسم سيناريو لتقسيم مصر والسعودية والاردن والمغرب العربي ايضاً الى دويلات صغيرة، لكي تتمكن “اسرائيل” من توسيع حدودها نحو “اسرائيل الكبرى” واستقدام مليوني يهودي، وهو ما اعلنه وزير الخارجية “الاسرائيلي” ليبرمان قبل اسابيع من انه ينوي ان يحضر مليونان من اليهود خلال 5 الى 10 سنوات من أجل ان تتحول اسرائيل الى دولة اقليمية بـ10 مليون امام دويلات صغيرة ممزقة تحيط بها.
خريطة اميركية منشورة سابقا لتقسيم المنطقة يظهر فيها ثلاثة دول في العراق
ويشير الحلبي الى مسألة اخطر من خلق الدويلات وهي المساعي الصهيونية لتحويل فلسطين الى وطن يهودي لهم، بعدما اعتبرها وعد بلفور وطنا قوميا لهم، وهو ما يصر عليه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، تمهيداً لترحيل الفلسطينيين، ويلفت الى ان ما تقوم به “داعش” اليوم يصب في خانة هذا المخطط الصهيوني تماماً لان مع نشوء دولة سنية من حدود العراق الى سوريا الى الاردن سيرحل الفلسطنيين اليها، طالما اصبحت فلسطين دولة لليهود وسينقل المسيحيين الى الدولة التي يفترض انشاؤها لهم ايضاً في المنطقة.وفيما يؤكد الحلبي ان الاردن ايضاً لن ينجو من هذا التقسيم، يوضح ان وثيقة ينون تدعو الى تشكيل دولة للاقباط ودويلات اخرى في مصر في الصعيد والنوبة، كما ان السودان وضع على مشرحة التقسيم اليوم فبعدما قسم الى دولتين بدأ النزاع في جنوب السودان الذي بدوره سيقسم الى دولتين، وهو ما ورد ذكره في مخطط ينون، فضلا عن النزاع في ابيه ودارفور علماً انهم مسلمون.
وفي الختام، يؤكد الحلبي ان كل من يسكت على ما تدعو له “داعش” والمجموعات المسلحة ومن يدعمها سيجد نفسه في شبكة الاهداف الاسرائيلية تحويل اسرائيل الى دولة كبرى اقليمية تجاورها دويلات صغيرة تتنازع مع بعضها البعض كما خططت له وثيقة عوديد ينون. |