التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, ديسمبر 24, 2024

لبنان وخطر الانحدار نحو دوامة الارهاب 

  تشهد لبنان وضعاً امنيا وسياسيا حرجا بعد أحداث ما يسمى الربيع العربي وما خلفه من أزمات طائفية وتقلبات سياسية، شملت العديد من البلدان في العالم العربي، ولبنان التي سارت على توافقات سياسية تقوم على أساس طائفي لتقسيم المناصب السيادية، بعد اندلاع الحرب الاهلية الداخلية فيها، مرشحة بقوة، كما يرى متابعون، للدخول في ازمة الصراع مع التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، سيما وان تكوينها السكاني والاحتقان الطائفي المتنامي، إضافة الى ازمتها السياسية المستمرة من دون وجود حل واضح في الأفق، مع التدخلات الإقليمية، وأزمة اللاجئين، كلها مؤشرات قد تعصف ببلد عانى كثيرا من حروب داخلية وخارجية هددت وجودة، فضلا عن إمكانية التعايش السلمي بين مكونات المجتمع اللبناني.

وقد غذت الازمة السورية، وتنامي دور الجماعات الإسلامية المتطرفة وتمكنها من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي في سوريا والعراق، الاحداث الطائفية في لبنان، كما شجعت على ظهور جماعات وعناصر تكفيرية هدفها قلب النظام اللبناني ومحاربة الطوائف الأخرى كالمسيحيين والمسلمين الشيعة وغيرهم من مكونات المجتمع اللبناني، ويحاول الجيش والقوات الأمنية مواجهة العديد من الحركات المنتشرة في الشمال، وفي مناطق تعتبر بيئة حاضنة لتواجد المسلحين المتشددين كعرسال وطرابلس وباب التبانة.

وتبادل جنود لبنانيون إطلاق النار مع إسلاميين مسلحين وقصفوا مناطق حول بلدة عرسال الحدودية في محاولة لصد أكبر توغل للمتشددين في لبنان منذ بدء الصراع السوري، وقال مسؤولو أمن إن 13 جنديا لبنانيا على الأقل قتلوا في المعارك التي اندلعت بعد أن سيطر إسلاميون مسلحون على مركز للشرطة في عرسال بعد اعتقال أحد قادتهم في هجوم قال قائد الجيش العماد جان قهوجي إنه كان “محضرا”.

في سياق متصل قال قهوجي للصحفيين في بيروت “ما حصل أخطر بكثير مما يعتقده البعض لأن الموقوف (عماد أحمد) جمعة اعترف أنه كان يخطط لتنفيذ عملية واسعة على المراكز والمواقع التابعة للجيش”، وتابع “هذه الهجمة الإرهابية التي حصلت لم تكن هجمة بالصدفة أو بنت ساعتها، بل كانت محضرة سلفا وعلى ما يبدو منذ وقت طويل في انتظار التوقيت المناسب”، وقتل أيضا عدد غير محدد من المتشددين والمدنيين ربما بالعشرات وتقول مصادر أمنية إن أكثر من عشرة من افراد الأمن اللبناني وقعوا في الأسر.

ويقول مسؤولو أمن إن المسلحين في عرسال بينهم مقاتلون على صلة بتنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على أراض في سوريا والعراق ومن جبهة النصرة ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، وقال مقيمون إن القصف الذي تعرضت له المنطقة اضطر أعدادا كبيرة (من بين اللاجئين الذي يقدر عددهم بمئات الآلاف ممن يحتمون بالمنطقة) الى الفرار، وأظهرت لقطات تلفزيونية أعمدة من الدخان الاسود تتصاعد من منطقة جبلية حول البلدة، وقال قاسم الزين الطبيب في المستشفى الميداني في عرسال إن القصف مستمر من جميع الاتجاهات مضيفا أن المستشفى استقبل حتى الآن 17 من القتلى المدنيين منهم لاجئون اصابهم القصف، وأضاف ان عدد الجرحى 150 منهم ما يصل إلى 15 من افراد الميليشيات.

وألقى الصراع السوري الذي دخل عامه الرابع بظلاله على لبنان حيث وقعت هجمات انتحارية وتفجيرات سيارات ملغومة واشتباكات بالأسلحة واطلاق صواريخ وجرائم خطف لكن المواجهة في عرسال هي أكبر مواجهة مباشرة بين الجيش اللبناني والمسلحين الذين يقاتلون من أجل الاطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وقال مصدر إن حزب الله نشر مقاتلين حول عرسال البلدة السنية الواقعة بين أراض تسيطر عليها الحكومة السورية ومناطق شيعية لبنانية متعاطفة مع حزب الله، وقال نشطاء سوريون في البلدة إنه يبدو أن حزب الله مشارك في القتال لكن لم يتسن التأكد من ذلك ولم يرد تعليق من حزب الله. بحسب رويترز.

ودأب مقاتلون من حزب الله على المشاركة في معارك ضد مقاتلين سنة في منطقة القلمون السورية لشهور وساعدوا قوات الأسد على طرد المسلحين من بلدات وقرى قرب الحدود، وفي أول بيان لحزب الله عن الأزمة أعلن إنه يقف جنبا الى جنب مع الجيش وهو يجابه ما وصفه بأنه خطر يحدق بوحدة لبنان وسيادته واستقراره، وقال قهوجي إن “الجيش (اللبناني) لن يسمح بان تنتقل هذه الحالة (تصدير الحرب الى داخل البلاد) الى لبنان”، وفي وقت سابق امتد القتال أيضا لفترة قصيرة إلى مدينة طرابلس الساحلية حيث أجج الصراع السوري توترات مستمرة منذ عقود بين السنة والعلويين الشيعة في المدينة.

وقالت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية إن جنودا اشتبكوا مع مسلحين ملثمين، واستمرت الاشتباكات بعد أن فتح متشددون النار على مواقع تابعة للجيش في عدة مناطق في طرابلس، وأضافت أن قنبلة استهدفت دورية عسكرية ما أدى إلى إصابة ضابط وجندي، وأدان مسؤولون من مختلف التوجهات السياسية في لبنان هجوم عرسال ولكن في إشارة إلى التوتر العميق في البلاد انتهز البعض الفرصة لانتقاد خصومهم، وقال جميل السيد المدير العام السابق لجهاز الأمن العام وهو من الشيعة إن مسؤولية ما حدث في عرسال تقع على عاتق تيار المستقبل السني، ونقلت الوكالة الوطنية للاعلام اللبنانية عنه قوله في بيان “مسؤولية ضبط ما يجري في عرسال ومحيطها ضد الجيش اللبناني والقوى الأمنية تقع على تيار المستقبل وفريقه على اعتبار ان هذا التيار وحلفاءه قد شكلوا وما يزالون البيئة الحاضنة والغطاء السياسي للمسلحين من كل الجنسيات منذ اليوم الأول لانطلاق الأحداث في سوريا منذ ثلاث سنوات.”

ودعا رئيس الوزراء السني الأسبق فؤاد السنيورة المسلحين السوريين إلى الانسحاب من لبنان ولكنه قال إن مقاتلي حزب الله عليهم مغادرة سوريا، وتأزمت حالة الجمود السياسي في لبنان بفعل الصراع في سوريا ومنذ مايو آيار الماضي يعجز لبنان عن انتخاب رئيس للبلاد بسبب الاختلاف بين الكتل البرلمانية للسنة والشيعة على مرشح بعينه، وتمثل عرسال بؤرة توتر في لبنان إذ دأب مقاتلون يعملون عبر الحدود في منطقة جبل القلمون بسوريا على عبور الحدود غير محكمة الحراسة إما للراحة وإما طلبا للعلاج في البلدة، ويستضيف لبنان أكثر من مليون لاجئ من الفارين من الصراع في سوريا وتشير التقديرات الى ان أكثر من 100 الف منهم يعيشون في عرسال وحولها في مخيمات مؤقتة تنتشر عبر التلال المحيطة.

وتفجر القتال بعد ان ألقت قوى الامن اللبناني القبض على عماد أحمد جمعة وهو قائد للمقاتلين يتمتع بشعبية بين الاسلاميين المتشددين في المنطقة، وسرعان ما استولى المسلحون على مركز الشرطة وهاجموا نقاط تفتيش تابعة للجيش وأسروا 16 على الأقل من أفراد قوى الامن اللبنانية مطالبين بالأفراج عن جمعة، وقال بيان على موقع تويتر الذي عادة ما ينشر أنباء عن جبهة النصرة إنه لا علاقة للجماعة بجمعة إلا ان مقاتلي جبهة النصرة دخلوا المنطقة لرعاية وحماية اللاجئين الذين اصيبوا جراء قصف الجيش اللبناني، وقال البيان إن جبهة النصرة لم تشتبك مع الجيش رغم ان جماعات أخرى اشتبكت معه وان مقاتلي الجبهة على استعداد للانسحاب من عرسال اذا تم حل الموقف باسرع ما يمكن، وقال مقيمون إن مركبات الجيش اللبناني انتشرت حول عرسال وقصفت المنطقة فيما كانت مقاتلات الجيش السوري تقصف مواقع المتشددين في محيط البلدة، وقال علي الحجيري رئيس بلدية عرسال في اتصال هاتفي قصير إن الموقف سيء للغاية.

فيما اوقف الجيش اللبناني شيخا سلفيا لبنانيا يحمل الجنسية الاسترالية ومرتبط بتنظيم القاعدة في مدينة طرابلس (شمال)، في حين قتل لبناني يحمل الجنسية السويدية خلال مداهمة قوى الامن الداخلي شقة يختبئ فيها، وهو مطلوب بتهمة تزويد انتحاريين احزمة ناسفة، وادى التوقيف والمداهمة الى توتر في طرابلس كبرى مدن الشمال، والتي شهدت سلسلة من جولات العنف بين مجموعات سنية واخرى علوية، على خلفية النزاع المستمر منذ ثلاثة اعوام في سوريا المجاورة، واعلنت قيادة الجيش ان حاجزا عسكريا اوقف “المدعو حسام عبدالله الصباغ، المطلوب بعدة مذكرات توقيف لقيامه باعمال ارهابية، وبرفقته المدعو محمد علي اسماعيل اسماعيل”.

وافاد مصدر امني ان الصباغ “متهم بتشكيل مجموعة ارهابية وتدريب عناصر ارهابيين”، وهو على صلة بتنظيم القاعدة وتنظيم فتح الاسلام المتشدد الذي خاض معارك مع الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين (شمال) في العام 2007، ادت الى مقتل 400 شخص بينهم 168 عسكريا، واشار المصدر الى ان توقيف الصباغ ادى الى توتر وسط مناصريه الذين تبادلوا اطلاق النار مع الجيش في باب التبانة، المنطقة ذات الغالبية السنية المتعاطفة اجمالا مع المعارضة السورية، واوضح ان التوتر لا يزال مستمرا اليوم في المنطقة، وبحسب الصحف اللبنانية، كان الصباغ على رأس احدى المجموعات المسلحة في باب التبانة، والتي شاركت في المعارك على خلفية النزاع السوري، ضد مجموعات في منطقة جبل محسن ذات الغالبية العلوية المؤيدة لنظام الرئيس السوري بشار الاسد.

واشارت الصحف الى ان الصباغ شارك في حرب افغانستان في العام 2001، وعاد الى لبنان قادما من استراليا في العام 2005، اثر اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير، وبعيد منتصف الليل ايضا، قتل منذر خلدون الحسن (24 عاما)، وهو لبناني يحمل الجنسية السويدية ومطلوب بتهمة تزويد انتحاريين باحزمة ناسفة، خلال مداهمة لقوى الامن اللبناني شقة يختبئ فيها بطرابلس، وافاد المصدر الامني ان الحسن قضى بعدما انفجرت فيه قنبلة القاها باتجاه عناصر الامن خلال عملية الدهم التي نفذها فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي، وتخللها “تبادل لاطلاق النار والقنابل الهجومية لمدة اربع ساعات”، بحسب المصدر نفسه.

توتر يعصف باستقرار البلد

بدوره يشهد مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان، توترا غداة اصدار القضاء اللبناني احكاما ابرزها الاعدام والسجن المؤبد، بحق نحو 22 فلسطينيا متهمين بالمشاركة في معارك مع الجيش اللبناني في المخيم عام 2007، كما ان العشرات من سكان المخيم تظاهروا احتجاجا على الاحكام المتعلقة بالمعارك التي دارت في المخيم بين الجيش اللبناني من جهة، وتنظيم فتح الاسلام المتشدد، والتي سقط فيها نحو 400 قتيل، بينهم 162 من عناصر الجيش، واشار المراسل الى ان الجيش وضع في حال تأهب واستقدم تعزيزات الى مواقعه المحيطة بالمخيم، لا سيما وان سكان المخيم لوحوا بتصعيد تحركهم ردا على القرارات التي يعتبرونها “غير عادلة”.

وأصدر المجلس العدلي، وهو اعلى سلطة جنائية في لبنان، قرارات بحق 22 فلسطينيا، راوحت بين الاعدام لشخصين غيابيا، والسجن المؤبد لسبعة موقوفين، واحكاما بالسجن بين سبعة اعوام وعشرين عاما للمتبقين، واتهم المحكوم عليهم بالانتماء الى فتح الاسلام والمشاركة في المعارك التي استمرت نحو ثلاثة اشهر، وادت الى تهجير قرابة 30 الفا من سكان المخيم وتدميره بشكل كبير، ومن اصل 12 مخيما للاجئين الفلسطينيين في لبنان، بات نهر البارد بعد المعارك، الوحيد الذي تتواجد فيه القوى الامنية والعسكرية اللبنانية، ومنذ العام 2007، اوقفت السلطات اللبنانية مئات الاشخاص، غالبيتهم من الاسلاميين وبينهم لبنانيون وفلسطينيون وعرب، بتهمة الانتماء الى فتح الاسلام، قبل ان تطلق سراح العشرات تباعا.

وبدأ القضاء اللبناني العام الماضي، محاكمة نحو مئة من الموقوفين، اضافة الى عشرات المتهمين غيابيا، واصدر القضاء خلال الاشهر الماضية احكاما بحق بعض الافراد، الا ان القرارات الصادرة تعد الاكبر لجهة العدد الذي تشمله في الوقت نفسه، ووجه اهالي الذين صدرت احكام بحقهم رسالة الى السفير الفلسطيني في لبنان اشرف دبور، مطالبين اياه بالعمل على مساعدة ابنائهم الذين “غرر بهم وسلبت ارادتهم”، وحذرت الرسالة من احتمال ان “تفلت الناس من عقالها”، مشيرة الى انه “هنا في نهر البارد، الشارع يغلي والغضب والحزن يعم الجميع”، وسبق لاهالي الموقوفين ان نظموا احتجاجات، مطالبين بتسريع محاكمة ابنائهم او اطلاق سراحهم، ويقبع غالبية الموقوفين في احد مباني سجن رومية شمال شرق بيروت، وهو اكبر السجون اللبنانية واكثرها اكتظاظا. بحسب فرانس برس.

من جانب اخر قال أكبر مسؤول بالأمم المتحدة في لبنان إن لبنان يواجه خطر التفتت كدولة ألقي على عاتقها عبء 1.1 مليون لاجئ سوري وإن على المانحين الاجانب الوفاء بتعهداتهم لمساعدتها على اجتياز الأزمة، وقال روس ماونتن منسق الأمم المتحدة المقيم للشؤون الإنسانية إن الزعماء السياسيين والدينيين في لبنان من السنة ومن الشيعة غطوا حتى الان على التوترات المتنامية لكن الدول المانحة لم تف بالتعهدات بتقديم الإغاثة، وقال ماونتن “لم يعد الامر مجرد مسألة طوارئ إنسانية، بل كما وصفه الرئيس السابق (ميشال سليمان) بأزمة تتعلق بوجود لبنان، تتعلق بأمن البلاد واستقرار البلاد وأعتقد أن ما يحدث في لبنان سيؤثر على المنطقة”.

وقال ماونتن إن هناك ما يربو على 1.12 مليون لاجئ سوري مسجلين في لبنان أي ما يعادل ربع سكانه مما أدى إلى تفاقم النقص الحاد في المياه، ومن المتوقع أن يصل عدد اللاجئين إلى 1.5 مليون بحلول نهاية العام، وقال ماونتن في مؤتمر صحفي في جنيف “نخشى أن يتصاعد (التوتر) بشكل اكبر وألا يؤدي إلى تفاعلات سورية-لبنانية فحسب بل ان يثير للأسف شبح المشكلات بين اللبنانيين وبين طوائفه”، وتنعكس الانقسامات الطائفية بين السنة والشيعة في سوريا بشكل كبير في لبنان الذي عانى من حرب أهلية بين عامي 1975 و1990، وأقرت السلطات اللبنانية بالأزمة وقال وزير الشؤون الاجتماعية الأسبوع الماضي إن الدولة تواجه انهيارا سياسيا واقتصاديا حيث ان هناك مخاوف من ان يتجاوز عدد اللاجئين ثلث عدد سكان البلاد.

وقال إن الشرق الأوسط الذي يعاني من تداعيات أزمات في سوريا والعراق وغزة لا يتحمل سقوط لبنان في حرب أهلية أخرى، وأضاف أن الجهات المانحة لم تقدم سوى 500 مليون دولار فيما يتعلق بمناشدة لتوفير 1.6 مليار دولار لبرامج الإغاثة في لبنان هذا العام، وقال ماونتن إن العنصر المهم الاخر هو ما اذا كانت حكومة بيروت بإمكانها الحفاظ على لتوازن بين الخليط السياسي والطائفي في لبنان والمضي قدما نحو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وأضاف أن تدخل حزب الله في سوريا “يثير جدلا كبيرا بكل وضوح على الصعيد الداخلي وهذا يمثل بعدا أخر لهشاشة الساحة السياسية”.

وينتشر اللاجئون السوريون في 1700 منطقة فقيرة خاصة في محافظتي عكار والبقاع، وقال ماونتن إن وجودهم أدى إلى توتر العلاقات مع بعض اللبنانيين الذين فقدوا وظائفهم لصالح السوريين الذين على استعداد للحصول على مبالغ أقل، وقال “التوتر الذي نشهده (يزيد) الاستياء بشأن الموقف والوظائف والحصول على الخدمات الأساسية والاستياء من ذلك”، وتابع “ترك الشبان الذين في سن العمل والدراسة لشأنهم مما يزيد من السخط ولا اعتقد ان هذا امر جيد سواء للبنان أو المنطقة”، وتقول الأمم المتحدة إن لبنان يستضيف 38 في المئة من جميع اللاجئين السوريين في الشرق الأوسط وهو اكثر مما تستقبله اي دولة أخرى، واكثر من نصف السوريين في لبنان من الأطفال وغالبيتهم ليسوا في مدارس.

المتشددين والفراغ الرئاسي

الى ذلك قال وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق إن نجاح الدولة الإسلامية في العراق وسوريا عزز تفكير المتشددين بلبنان وأكد أن هذه الجماعة السنية المتشددة ظهرت في بيروت لأول مرة في الأسابيع الأخيرة لكن الأجهزة الأمنية أحبطت أي تصور لتكرار ما حدث في العراق في لبنان، ولم يستبعد المشنوق حصول تفجيرات انتحارية جديدة في البلاد، وأشار إلى أنه لن تكون هناك نهاية سريعة لحالة عدم الاستقرار السياسي التي تعصف بالبلاد متوقعا أن يبقى لبنان بلا رئيس ما لا يقل عن ستة أشهر، وأوضح المشنوق أن مسألة انتخاب الرئيس ليست مسألة لبنانية بحتة مما يدل على عدم اتفاق وشيك بين الدول المتنافسة مثل إيران والمملكة العربية السعودية اللتين تتمتعان بتأثير حاسم في بيروت.

ومنذ فترة طويلة تفاقمت الانقسامات السياسية بين الجماعات اللبنانية المتناحرة بسبب الحرب الأهلية في سوريا التي غذت التشنجات والنزاع المسلح في الشمال وأدت إلى تعطيل الحكومة نحو عام وإلى هجمات لمتطرفين إسلاميين، وفي حين لا يزال السياسيون اللبنانيون منقسمون حول العديد من القضايا فإن التهديد الذي يشكله المتشددون السنة ولد تعاونا غير مسبوق بين الأجهزة الأمنية مما يؤكد القلق المشترك إزاء خطر الانتحاريين، ورأى المشنوق أن هذا التنسيق لم تشهده البلاد منذ عام 90 مشيرا إلى أن العمليات الاستباقية للأجهزة الأمنية “أثبتت نجاحا جديا، حيث استطاعت تعطيل ثلاث عمليات قبل حصولها بهدفها بالذات”.

وقال “لا بد من الاعتراف بأن ما حدث في العراق تسبب بنشوة كبيرة عند هذه المجموعات واعتقدوا أنهم يستطيعون الاستفادة من التجربة العراقية الناجحة من وجهة نظرهم في لبنان، ولكن حتى الآن خلال الشهرين الأخيرين من الواضح أن اليقظة الأمنية استطاعت تعطيل هذا التصور وهذا التفكير”، وأضاف “هذا الخطر دائما موجود ولكن البيئة الحاضنة غير موجودة، والغالبية العظمى حتى لا اقول مئة بالمئة من السنة في لبنان الذين هم البيئة المذهبية لداعش ولكل هذه التنظيمات هي بيئة مصرة على اعتدالها وتوازنها ومدنيتها”، وقال إن الأجهزة الأمنية فككت شبكة تابعة للدولة الاسلامية في العراق والشام والتي سيطرت على أجزاء كبيرة في سوريا والعراق كانت تحضر لعمليات انتحارية وتم اعتقال أفراد منها ومنهم سعوديون وفرنسيون في ثلاثة أماكن مختلفة في البلاد.

وقال “أعتقد أنه أول ظهور رسمي وموثق” لكنه أضاف أن وجود هذه المجموعة في البلاد كأفراد فقط، وكان لبنان قد وجه الاتهام في وقت سابق من هذا الاسبوع إلى 28 شخصا بالتخطيط لتنفيذ هجمات انتحارية والانتماء إلى جماعة الدولة الإسلامية المتشددة، وجاء هذا الإجراء بعد ثلاثة تفجيرات وقعت في لبنان مؤخرا وحملة أمنية شملت العاصمة ومناطق أخرى في البلاد بما في ذلك السعودي الذي فجر نفسه عندما حاولت القوى الامنية اقتحام فندق ببيروت، وأشار إلى أن ما تنشره وسائل الإعلام المحلية اللبنانية من أن القوى الأمنية تبحث عن سيارات مفخخة وانتحاريين “ممكن أن تكون صحيحة جزئيا وقد تكون صحيحة كلها لا يمكن أن نؤكد قبل الوصول إلى المصدر إما لموقع السيارات أو للأشخاص المعنيين بهذا الوضع”، وأضاف “هذا الكلام موجود من عدة مصادر استخبارية عربية وأجنبية ونتيجة أيضا للتحقيقات الجدية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية، هذا الخبر يبقى احتمالا جديا وليس بالضرورة أن يكون واقعيا مئة بالمئة”.

وقال إن الانتحاريين “عمليا لا يعرفون بعد إلى أين هم ذاهبون بالضبط لأن معظم العمليات تتم بإبلاغ لاحق للعناصر عن الأهداف التي سيذهبون إليها، أولا يأتون ويقيمون ويستطلعون وبعد ذلك تأتيهم التعليمات بنوعية الهدف”، وقد أعلنت الدولة الاسلامية في العراق والشام الخلافة الاسلامية في محاولة لإعادة رسم حدود الشرق الأوسط، ونفذ اسلاميون متشددون العديد من الهجمات على لبنان منذ العام الماضي وغالبا ما استهدفت هذه الهجمات مناطق يسيطر عليها حزب الله الذي يدعم قوات الرئيس بشار الاسد في الحرب في سوريا.

وقال المشنوق “طبعا أولوية التفجير التقليدية هي منطقة الضاحية الجنوبية هذا تقليدي وليس بالضرورة أن يكون صحيحا مئة بالمئة ولكن بعقلهم دائما يضعون في بالهم أنهم متوجهين إلى مواقع يفترضون أنه متواجد فيها حزب الله كجمهور أو كقيادات أو حتى كنفوذ سياسي”، وأضاف “النظرية التي تقول إن العمليات العسكرية لحزب الله في سوريا تستطيع ان توقف العمليات الانتحارية هي نظرية غير صحيحة وغير دقيقة لان الانتحاريين أو التكفيريين أو التنظيمات التي تمارس هذه العمليات إذا خسرت موقعا تبحث عن موقع آخر وإذا خسرت الموقع الاخر تبحث عن موقع ثالث مما يعني أن عملياتهم ليست مرتبطة بموقع جغرافي موجودين فيه”.

ومضى يقول “أعتقد أن خطورة التفجيرات لا تزال قائمة وهي مستمرة طالما هذا العقل موجود، الحل الوحيد هو ما نقوم به حاليا من تجفيف للمصادر بمعنى متابعة المواقع التي من الممكن ان يتحركون فيها والتدقيق بالجنسيات أو بالأشخاص الوافدين عبر المطار أو عبر الحدود البرية، هذا عمل دائم ومستمر لا يتوقف، لا يمكن الاعتماد بأن هذه العملية هي آخر عملية”، وأشار إلى تبادل معلومات مع جهات غربية وعربية حيث يشارك محققون سعوديون بالاستماع إلى التحقيق مع السعوديين الموجودين بلبنان، كما أن الفرنسيين اطلعوا على نتائج التحقيق مع الموقوف الفرنسي من أصل جزر القمر.

وقال وزير الداخلية “انتخابات رئاسة الجمهورية هي قرار إقليمي ودور غير متوفر حتى الآن ولن يكون متوفرا في المدى القريب، هي ليست مسألة محلية على الاطلاق”، وأضاف “مرتبط بكل التطورات التي تجري في المنطقة وضع العراق بالمفاوضات الأمريكية الإيرانية باحتمال المفاوضات السعودية الإيرانية بالكثير من الأشياء، ورغم أن المشنوق أوضح أنه لا يتوقع أن تطول مدة الفراغ إلى سنة فقد قال إنها ستمتد “ليس أقل من ستة أشهر”، وتبرز الحاجة إلى اتفاق سياسي في ظل سيطرة الفصائل اللبنانية المتنافسة على مقاعد البرلمان مما يجعل مسألة تأمين النصاب القانوني للتصويت أمرا مستحيلا، وقال “لا شك أن الفراغ في رئاسة الجمهورية عمليا يعطل عمل الحكومة ومجلس النواب بنسبة كبيرة ولكن الرد من وجهة نظري هو المزيد من التأكيد على ضرورة عمل مجلس الوزراء ومجلس النواب لكي لا نفقد الجمهورية، عدم العمل لا يعجل بانتخاب الرئيس بالعكس تماما يعجل بفراغ المؤسسات ولا يأتينا برئيس، فالأفضل أن تشتغل أكثر وأكثر حتى هذا الفراغ الذي في رئاسة الجمهورية لا يمتد إلى المؤسسات الأخرى”.

وقد ينسحب موضوع عرقلة الانتخابات الرئاسية إلى عدم القدرة على إجراء الانتخابات البرلمانية التي تم تأخيرها الصيف الماضي إلى نوفمبر تشرين الثاني المقبل بسبب غياب الحكومة آنذاك وعدم الاتفاق على قانون للانتخابات، ويتساءل المراقبون السياسيون كيف يمكن لبلد إجراء انتخابات برلمانية في ظل الغاء معظم الإفطارات الرمضانية خشية وقوع انفجارات، وقال المشنوق “أعتقد أنه تقنيا من الممكن إجراء الانتخابات، سياسيا صعب، لكن هي ليست مسألة تقنية فقط هي مسألة سياسية وتقنية أيضا.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق