التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

الصراع القطري التركي السعودي يفجّر عرسال 

انطوان الحايك –

إنه الصراع السعودي التركي القطري الذي تسبّب بانفجار الوضع الأمني في عرسال وجرودها في مشهدٍ مكرّر لما يحصل في الشمال السوري حيث تدور معارك بين الجيش السوري والمسلحين في موازاة عمليات التصفية الدائرة بين شرائح التنظيمات لا سيما “جبهة النصرة” والدائرين في فلكها التنظيمي والتمويلي، و”داعش” التي أعلنت دولة الخلافة الاسلامية وتسعى إلى تثبيت ركائزها وتظهير حدودها، فالأحداث الجارية في عرسال على خطورتها هي أبعد بأسبابها وتداعياتها ممّا يعتقده البعض، إنما تدخل في سياق المشروع الأكبر.

 

هذا الكلام لدبلوماسي أممي مخضرم عايش أحداث الشرق الأوسط منذ ثمانينات القرن الماضي وما زال يعتبر أنّ عرسال بموقعها الجغرافي الواصل بين الحدود السورية والبحر عبر سلسلة الجبال المتصلة بالشمال اللبناني تشكل الحلقة الاخيرة من مشروع الدولة الاسلامية التي لن تعيش إسوة بسائر الدول إذا لم تكن متصلة بمرفأ بحري يؤمن لها استمرارية عسكرية واقتصادية ويؤهلها للاتصال بالعالمين العربي والاسلامي كما بافريقيا ومناجم الثروات الطبيعية، فضلا عن كونها حاجة استراتيجية سورية وعربية لقطع الطريق على مشروع الدولة الاسلامية.

ويوضح الدبلوماسي وجهة نظره مستندًا إلى تركيبة المسلحين المنتشرين في الجرود العرسالية والجهات التي تتحكم بمسارهم وتموّلهم وتعدّد الخطط لهم، فيشير إلى أنّ الولاءات منقسمة بين “النصرة” وتوابعها وهي مموّلة من قطر ومدعومة سياسيًا وتنظيميًا منها ومن  الحكومة التركية ومخابراتها، وتنظيم “داعش” الممول من دول خليجية اخرى والدائر في فلكها، وبالتالي فإنّ الصراعات الاستراتيجية والتكتيكية بينهما تدلّ على أنهما ينفذان ما يُطلب منهما من قبل مموّليهم وداعميهم وذلك لأهداف اقليمية ودولية أبعد من السيطرة على هذا الموقع أو ذاك، بل تتصل بالصراعات الأكبر بين الدول على غرار الصراع السعودي الايراني، أو الروسي الاميركي وما الى ذلك من تضارب مصالح اقتصادية متصلة بادارة العالمين السياسي والاقتصادي لا سيما في هذه المرحلة حيث تتداخل الأوراق وتكثر الساحات ومنها اللبنانية التي انضمّت إلى سابقاتها بفعل ارادات اقليمية ومخططات دولية قد تنجح أو تفشل وفق الظروف والعقبات التي قد تطرأ في الطريق الى التنفيذ.

في هذا السياق، يفند الدبلوماسي مصالح كل من قطر وتركيا والمملكة العربية السعودية للتأكيد على وجهة نظره، فيعتبر أنّ المملكة تحمل لواء العداء لايران وهي تسعى الى مكتسبات في حال تم التوقيع على الاتفاق النووي من خلال قيادتها العالم الاسلامي كونها الأكبر والأكثر نموًا اقتصاديًا، فضلا عن نيتها إنشاء الاتحاد الخليجي لضمّ الدول المحيطة بها لسياساتها الخارجية والنفطية، إضافة إلى طموحها للعب دور شرطي الخليج وهذه أهدافٌ لا يمكن أن تحققها من دون التلويح بشبح “داعش” والضرب بسيف الدولة الاسلامية التي تتلاقى عقائديا معها في أكثر من مفصل.

أما قطر فهي، ودائمًا بحسب الدبلوماسي نفسه، لا تتلاقى عقائديًا مع المملكة كون الأولى تميل إلى التيارات السلفية والاخوانية فيما تعتمد الثانية على الوهابية السياسية والعقائدية، إضافة إلى طموحها أن تتحول إلى دولة أساسية لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي التركية والسورية للخروج نهائيًا من منظومة السعودية النفطية والاقتصادية.

يبقى أنّ تركيا هي الأكثر استفادة من الصراع بين “داعش” و”النصرة” نظرًا لطموحاتها باستعادة أمجاد الامبراطورية العثمانية وهذا لا يمكن أن يتحقق في ظل جيران اقوياء وبالتالي فان منظومتها الاقتصادية تحتاج في محطة من المحطات إلى شراء الغاز من “داعش”، ومن ثم بيعه في السوق السوداء للتعويض عن الخسائر التي مني بها اقتصادها في السنوات الثلاث الماضية، ناهيك عن سعيها لطي الملف الكردي من أساسه وفق مصالحها الاستراتيجية.

ويختم الدبلوماسي بالاشارة إلى أنّ الساحة اللبنانية تحولت بفعل هذه التناقضات إلى ساحةٍ مفتوحة لتصفية مثل هذه الصراعات من دون أن يكون هناك قرار بتعديل موازين القوى الاقليمية وهذا ما يفسّر مسارعة السعودية الى تقديم الهبة المالية، وتسابق الغرب على دعم الجيش اللبناني من دون ازالة الخطر الجاثم قبل تبيان الخيط الابيض من الخيط الاسود.

 

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق