التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

الغيرة من بناتهنّ… تقتلهنّ! 

 
تبلغ ميرا س. 20 سنة، وهي من المفترض أن تضج بها الحياة والحيوية والشباب وأن تتطلع لمستقبلها، لكنها ليست مسرورة بحالها ولا تسعى للاعتناء بنفسها، وتشعر بخمولٍ نفسي في ما يتعلّق بواجباتها الجامعية. قد تتعدد التكهنات والآراء في ما خصّ حقيقة هذا الشعور الدّوني عندها، لكن بالتأكيد سيغفل عن المتكهّن أن السبب هو والدتها. إذ تقول ميرا: “هي تغار منّي! فهمتُ الأمر اليوم”.

 

 

كلمات جارحة وانتقادات غير منطقية

لطالما حثّت السيدة س.س. ابنتها ميرا على الاعتناء بنفسها منذ أن أصبحت مراهِقة: “أتذكّر عندما كنتُ في عمر الـخامسة عشرة، كانت تدعوني لأن ألبس بطريقة جاذبة وأن أظهر جميلة، وعلّمَتني كيف أستعمل غسول الوجه وأساسات التبرج، وفرحتُ جدّاً بالأمر”، تُخبر ميرا “النهار”، واصفةً تلك الفترة بأنها الأفضل في علاقتها مع أمها، بما أنهما أصبحتا أشبه بالصديقتَين، تتشاركان الآراء حول الموضة وتخرجان معاً في المناسبات الاجتماعية، حيث أصبحت ميرا تعرّف عن نفسها مستكشفةً شخصيتها المستقلة عن والدَيها.

لكن العلاقة تدهورت منذ ذلك الحين. إذ خلال الخمس سنوات التي مرّت، عانت ميرا من تصرفات أمها التي “أصبحت جارحة بكلماتها وانتقاداتها لي”. فعندما ارتدَت قميصها الأزرق القصير الذي يُظهر خصرها الضيق، توجّهت لها أمها بالقول إنها تبدو كالفاسقة. وفي أكثر من مرّة وُبّخَت ميرا لأنها تبرّجَت، علماً أن أمها هي من علّمها التبرج وأهداها أدواته، وهي لم تكن تُكثر من “الماكياج” أصلاً.

أما عندما أطراها مدعوّون في زفاف أحد الأقرباء على جمالها، شكرتهم أمها على كلماتهم عن ابنتها، فيما انقلبت على تصرّفها عند العودة إلى المنزل لتقول لميرا إنه لا يجب عليها أن تُسَرّ بهكذا إطراءات “فهؤلاء يتطلعون إلى فخذَيك وشفتَيك وشعركِ، ولا يهمهم شخصيتك ولا من تكونين!”

تلك الليلة بالنسبة إلى ميرا كانت نقطة اللاعودة، فهي تغاضت عن الرد في السابق وتنكّرت لأقوال أمها، إلا أنها واجهتها بالقول إنها فخورة بشكلها وبشخصها معاً، وكل ما تقوله أمها هو دليلٌ على غيرتها منها، ما أدى إلى توترٍ في العلاقة حتى اليوم، يظهر في الشجارات العديدة بينهما وفي التوبيخات غير المنطقية من السيدة س. لميرا، وللتصرفات الاجتماعية غير اللائقة التي تقوم بها، ما يُخجل ابنتها ويُحرجها ويُغضبها في أغلب الأحيان.

 

منافسة اجتماعية

إن ما ضاعف من الكيدية في العلاقة هو أن غيرة الوالدة من ميرا انعكست في المجتمع ولم تعُد محصورة بينهما وفي أحاديثهما الخاصة في المنزل. فبدأت السيدة س. بالتقرب من أصدقاء ابنتها لتصبح صديقةً لهم أيضاً، وقامت بمحادثة صديق ابنتها الحميم دَوريّاً عند زياراته للمنزل. وتصف ميرا طريقة تحدّث والدتها مع أصدقائها ومع حبيبها بأنها ليست لائقة بأمّ، لافتةً إلى أن “والدتي تتعامل مع أصدقائي وكأنهم أصدقاؤها هي، وتسعى إلى إيجاد علاقات معهم من خلال قصص طريفة عنّي في صغري”. وفيما يقوم كل الأهل بالأمر عبر الإحراج الطريف لولدهم أمام أصدقائه، في سبيل المرح اجتماعياً، إلا أن ميرا ترى أن أمها لا تفعل ذلك بنيّة بريئة، معتبرةً أنها تسعى لإحراجها حتى تبدو هي الأفضل والأذكى!

 

شعور بالتفاهة

على الرَّغم من مقاومة ميرا لتصرفات والدتها، ومحاولتها الدائمة لعدم التأثر بها، إلا أنها تعترف عبر “النهار” أنها تشعر بعدم الأهمية وبالتفاهة، جرّاء معاملة والدتها لها. “أشعر أحياناً بأني لستُ جميلة أو جديرة بأي شيء، فمعظم ما تقوله لي هو صحيح”، خصوصاً أنها عانت من كيلوغراماتٍ زائدة أخيراً وانفصل صديقها الحميم عنها.

وانعكس الأمر سلباً في دراستها الجامعية بحيث رسبت ميرا في مادتَين عليها أن تعيدهما في أيلول المقبل في دورةٍ ثانية، عازيةً السبب للحالة النفسية التي وصلت إليها، وتقول باكيةً إن ثقتها بنفسها اضمحلت ولم تعُد الفتاة الذكية المجتهدة كما كانت في المدرسة.

 

 

الأم تحسد ابنتها لأنها تهديدٌ لها

 

التصرفات “الغيورة” التي تقوم بها الأم هي نتيجة حسد الام لابنتها اليافعة، وهذا الحسد يغطّي حالة عدم الأمان التي تنتابها، فتشعر بتحسّن على حساب ابنتها ولو لفترة محدودة. إذ في انتقادها والحطّ من قدرها، رفعٌ لثقتها المتزعزعة بنفسها. فالحسد هو أشبه بذخيرة نرجسية تُستَعمَل عند الشعور بالتهديد، بحسب ما يؤكد موقع “علم النفس اليوم” في تقريرٍ له في تشرين الأول من العام الماضي، حيث ذكر أن حسد الأم لابنتها يؤدي بالابنة إلى الشعور بالعجز عن تحقيق طموحاتها وللشك المؤلم بقدراتها وإمكاناتها. فيما يلفت موقع “ذا دايلي بيست” الأميركي إلى أنه كلما ازدادت نرجسية الأم تطرّفت تصرفاتها إلى منحى يُغضِب ابنتها ويخلق دراما عائلية، حتى تحقّق الأم شعورها بالفوقية.

 

غيرة من شباب الابنة

فيما يتوجب على الأم أن تحب ابنتها وتدعمها وتفرح لنموّها، لا يغيب عند البعض من الأمهات شعور الغيرة، خصوصاً مع تحوّل الفتاة لامرأة شابة وجميلة وجاذبة، تماماً كما يحصل مع ميرا ووالدتها. إلا أن هذه الغيرة غير واضحة جراء التعتيم عليها واعتبارها حديثاً محرّماً في المجتمع، لجهة فضحه التحالف العدائي والتنافسي الأكثر حدّة داخل العائلة.

يعزو كثيرون أن هذه الغيرة لا مفرّ منها بما أن الأم تستذكر أيام صباها وتحنّ لتلك الفترة في حياتها. إذ تقارن خصوصاً جسمَ ابنتها بجسمها عندما كانت في السن نفسها، ما يشرح دقة العلاقة بينهما وصعوبتها في مرحلة المراهقة، بما أن الأم تبتعد عن الاعتراف بغيرتها من ابنتها لأن الحسد أمرٌ مخزٍ ويتردد الجميع بالبوح به.

 

انعدام الثقة بالنفس وغياب المساواة بين الرجل والمرأة

تشدد المعالِجة النفسية والأستاذة في جامعة سيدة اللويزة (NDU) ماري خوري لـ”النهار” على أن غيرة الأم من ابنتها “أمرٌ غير طبيعي وغيرُ صحي، وهو يدل إلى مشكلة عند الأم لناحية ثقتها بنفسها”، وتوضح أن السبب قد يكون “مجموعة من الإحباطات الكبيرة التي عاشَتها الأم عندما كانت في سنّ ابنتها، فيما ابنتُها لا تعاني من الإحباطات والصعوبات نفسها”، مشيرةً إلى أن الوالدة “تشعر بحسرة جرّاء التسامح الذي تتمتع فيه الفتاة في مجتمعنا اليوم، ما كان غائباً “ع إيام” الأم في صباها، إذ ترى أنها كانت محرومة من العديد من الأمور المسموحة اليوم لابنتها، في مقارنةٍ بين إحباطاتها ورفاهية ابنتها في الفترة نفسها من حياتهما”.

وتؤكد خوري أن المسألة تتعلق بالثقة بالذات عند الوالدة: “كلما كانت صورتها عن نفسها إيجابية وتعتبر أنها حققت ذاتها، كلّما زادت حصانتها أمام الوقوع في حالة الغيرة من ابنتها، فهذه الأخيرة تأتي نتيحةً لمعاناتها من الإحباطات والصدمات”. وتشرح أن عند الولد – ذكراً أو أنثى – نزعة للتماهي مع أحد والدَيه (Objet D’Identification)، فعادةً يتماهى الذكر مع والده والأنثى مع والدتها، وتكون لديه أيضاً صورة المحبوب (Objet D’Amour)، بحيث يكون المحبوب هو الوالد من الجنس الآخر، أي إن الفتاة تنافس أمها لتحصل على إعجاب والدها، والصبي يسعى للحصول على إعجاب والدته بمنافسة والده.

وفيما لا تنفي خوري انعكاس غيرة الأم سلباً على الفتاة “عبر العنف تجاه الابنة وتحقيرها، فتعاني من مشكلات نفسية كبيرة”، ترى أن المسألة تعود إلى المجتمع الذي عليه أن يعترف بالمساواة بين الرجل والمرأة: “فالمساواة تعيد للمرأة إمكانية تحقيق ذاتها في المجالات التي تحبها”، وتشير إلى أن كل مؤسسة أو علاج يساند المرأة لتحقيق طموحاتها، يُبعدها عن شعورها بالغيرة من ابنتها”.

وتنصح خوري الابنة “ذات الأم الغيورة” بأن تتخطى ضغوطات والدتها وتعلم بأن غيرتها هي محاولة منها لتأكيد ذاتها، موضحةً أنه “لا يجوز من جهة أن تكون الابنة خاضعة لأمها، لكن من جهة أخرى لا يجب أن تصبح عنيفة تجاهها”.

 

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق