أنا ذكر وأهلي جعلوني أنثى
إلى سنوات قليلة مضت، كان يعاب على الفتاة أن تلبس سروالاً (بنطلوناً) فيما أصبح الوضع الآن عكس ذلك. ترى إذا ارتدى الرجل عندنا تنورة كما يفعل الاسكتلنديون (من اسكوتلندا: مقاطعة بريطانية) ماذا سيقول عنه رجل الشارع. هناك اسماء كعصام أو صباح أو نهاد تطلق على المذكّر والمؤنّث، وتشكل أزمة في مواقف حرجة قد يتعرض لها المرء… كأن ينادى في حفل كذكر ويكون مؤنثاً.
ان النظرة الذكورية في معظم حياتنا هي التي أدّت إلى هذه المأساة التي نعرض لها جانباً. حين تُأخذ الأمور بخفة في مثل هذه المواقف فتسبب الضرر النفسي الكبير لصاحبها. والنصيحة التي نأمل أن يأخذ بها القارئ هي ألا يتلاعب بمثل هذه المواقف مع إنسان آخر، أياً تكن صلته أو معرفته به. فالأذى النفسي الذي تسببه مثل هذه المواقف كبير، وأحياناً تُفقد صاحبها القوة والشكيمة التي يمتاز بها الفرد. والقصة التي أرويها بعثها إليّ قارئ معذّب رأيت أن تكون موضوعي لهذا الأسبوع.
كان والدي مستخدماً بسيطاً لدى شركة تجارية، وكانت والدتي تعيش في حداد شبه متواصل على أولادها الذكور الذين كانوا يولدون ثم يموتون على التعاقب في طفولتهم المبكرة في ظروف أليمة متنوعة الأسباب فيما كانت أخواتي الإناث الأربع وحدهن بمنجاةٍ من دائماً كل سوء.
وحين ولدت وشببت، نشأت وأنا أسمع من أمي همساً أنها وأبي قد اتفقا عقب مولدي على إخفاء حقيقة جنسي ردحاً من الزمن، وعلى الزعم في البداية أنني أنثى اتقاءً لشر الحسد والعين التي كانت في نظرهما مسؤولة عن انقراض كل نسلهما من الذكور أولاً بأول. وقد اختارا لي اسم (نهاد) المشتبه كي يتماشى مع هذا الزعم. وألبساني ثياب أنثى عامين كاملين إمعاناً في التعمية وحسن السبك، حتى زالت حداثة المناسبة التي أوحت إليهما بهذا التصرف الشاذ.
فتركا حقيقتي تظهر للعيان بالتدريج وكلما دعت الظروف، ولم يبقيا من تعاويذ الماضي سوى حجاب مربوط تحت إبطي على الدوام. هذه صورة مصغرّة لطفولتي الحزينة وازدواجية الجنس لديَّ وصباي القاتم، وللبيئة الممروة التي دفعت سنوات يفاعتي طابعها الكئيب، فشببت سوداوي المزاج، مشبعاً بروح التشاؤم والتطَيّر، شديد الانطواء على نفسي والعزوف عن الناس.
أكره الاجتماعات وأمقت الظهور والمباهاة!، وفي ظل هذه الظروف التعسة والتربية الخاطئة كبرت وترعرعتن فظل هذا الطابع يغلب على نفسيتي طيلة السنوات القاتمة من شبابي. أذكر أنني حين التحقت بالمدرسة كان زملائي ينعتونني دائماً بالأنوثة، إذ أنني أخذت عن أمي جمالها، فضلاً عمّا أُشبعت به من عادات الأنوثة لا تخفى عن جنسي وأنا في أحضان الطفولة.
وكانت استهزاءات رفاقي لي تجعل وجهي يتضرج على الفور إذا خجلت، وأبدي لُطفاً ورقة كلما دللني أحد، كما كنت شديد الرغبة في إرضاء الغير، واشتهرت بين التلاميذ بأنني بنت في ثياب ولد، فأطلقوا عليَّ “أنثى صبي”. وأذكر في مرة من المرات، أنني كنت منطلقاً إلى البيت بعد الدراسة فتبعني ثلاثة من زملائي، حتى إذا بلغت شارعاً يقلُّ فيه المارة، أمسكوا بي وحاولوا أن يلبسوني فستان فتاة!، ورحت أكافح للتخلص، وقد أهاجني الحادث وجعلني أشعر برغبة في التخريب والقتل، وفجأة سمعت رجلاً في الخمسين من العمر يصرخ بهم ليبتعدوا، وما إن أسرع الصبية الثلاثة بالفرار حتى ألفيت نفسي وحيداً، وقد أُلبست الفستان رغماً عني.
آه كم هي ذكرياتي حزينة بصدد ما عانيته ومازلت أعانية من موقف (الخنثى). هذه هي حالتي أرجو تحليلك لها…
أنا أقول: هل يمكن للإيحاء بالشيء أن يتحول إلى واقع؟
وإذا كانت هناك آليات تمنع هذا التحول فربما يتم ذلك نفسياً. أذكر أنني قرأت قصة الطفل الذي ضاع في الغابة وبعد سنوات حين عُثر عليه كان يشبه صوته صوت الحيوان الذي رافقه.
القصة التي ذكرناها في هذه الزاوية تشبه حالتي السادية والمازوشية. فبطلها يريد أن يشخص شخصيته كذكر، فيما الأهل يريدون أن يلبسوه صورة الأنثى إلى حين.
وتمر السنوات وبطلنا في صراع بين وضعه الطبيعي ووضع أهله له في دور تمثيلي. إن النصيحة التي تُسدى لصاحب هذه الرسالة هي الثورة على الوضع الذي يضعه به أهله حتى يسترد عافيته الذكورية ويزيل ما شابها من تمثيليات الأهل. ولعل رسالته هي البداية في هذا الاتجاه ليثابر على رأيه ولا يدع أي كان أن يلقبه بما هو ليس منه.
إن عزمه وإصراره على رأيه سيجبر الأهل والغير على ألا يضعوه في غير مكانه.