السعودية وإرهاب “داعش”: دعم أم مكافحة؟
وتزامن تصريح المفتي مع بيان لمجلس الوزراء السعودي رحب فيه بالعقوبات الدولية ضد داعش وجبهة النصرة، وهي التي وضعت عددا من الشخصيات الخليجية في القائمة السوداء بتهمة تمويل الارهاب. وذكر البيان بامر ملكي اصدره الملك عبدالله يقضي بالسجن لفترة تصل الى عشرين عاما لكل من شارك في اعمال قتالية خارج البلاد، او انتمى الى تيارات او جماعات متطرفة. وكانت الرياض تبرعت مؤخرا بمئة مليون دولار لمركز الامم المتحدة لمكافحة الارهاب في نيويورك.
وتعكس هذه الاجراءات قلقا جديا سعوديا من خطر قوات داعش بعد ان تمكنت من التهام مدن ومناطق شاسعة في العراق وسوريا مؤخرا، حتى اصبحت «دولة الخلافة» التي اعلنها ابوبكر البغدادي تماثل او تزيد عن بريطانيا في مساحتها.
وفاقم من هذا القلق استطلاع غير رسمي اجري على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، واظهر ان «نحو تسعين بالمئة من السعوديين يعتبرون ان افكار داعش تتفق مع الشريعة الاسلامية». وكان استطلاع أُجري عام 2009 أظهر أن 20 في المئة من السعوديين عبّروا عن رأي «إيجابي نوعاً ما» أو «إيجابي» تجاه تنظيم «القاعدة» .
كما اكتشفت السلطات الامنية السعودية أن بعض المعتقلين في أيار/مايو الماضي للاشتباه في انتمائهم لجماعات ارهابية، ومعظم المشاركين في تموز/يوليو بهجوم ارهابي قرب الحدود اليمنية، هم من خريجي برنامج حكومي مخصص لاعادة تأهيل «الإرهابيين التائبين» في البلاد. وأفادت وزارة الداخلية السعودية الشهر الماضي في تقاريرها أن 10 في المئة من المشاركين في البرنامج يعودون إلى التطرف.
وهكذا يتضح عمق المأزق السعودي مع الفشل المزمن للاجراءات الامنية والقانونية والسياسية لمكافحة ارهاب التطرف الديني، ما يتطلب البحث عن مقاربة شاملة تستهدف اقتلاع الجذور المحلية لثقافة التكفير، حتى وان تطلب ذلك مواجهة مع المؤسسة الدينية القوية.
وينبغي الرجوع قليلا الى التاريخ لادراك مدى تعقيد هذا الامر في بلد يقال انه اقيم على ساقين، احداهما، وربما الاكثر قوة ونفوذا، هي المؤسسة الدينية السعودية.
ورغم قيام الحكومة بتوجيه وسائل الاعلام وكتاب الاعمدة داخل السعودية وخارجها مؤخرا بشن حملة واسعة ضد افكار داعش، الا ان احدا منهم لن يستطيع البحث في علاقة افكار التنظيمات التكفيرية بالمبادئ والقيم التي طالما روجت لها المؤسسة الدينية السعودية نفسها باعتبارها من الاسس التي اقيم عليها الاسلام. كما انه لن يستطيع ان ينتقد الخطاب المتطرف من جهة اصوله الفقهية التي تبرر التعاطف الشعبي المفترض مع اولئك الارهابيين، اذ ان من شأن ذلك ان يواجه المرء اتهاما بالتشكيك في العقيدة نفسها تصل عقوبته الى الاعدام، حيث ان هذا قد يفتح الباب امام التشكيك في شرعية الحكم الملكي «الاسلامي» للبلاد.
وهكذا فانه ليس من المصادفة ان السعوديين يمثلون نسبة مهمة من مقاتلي «داعش» وجبهة النصرة التي لم يذكرها المفتي في تصريحه وهي تعتبر الفرع السوري من تنظيم القاعدة.
الواقع ان ظهور داعش واخواتها يمثل نتيجة طبيعية لفشل السعودية المتراكم خلال السنوات الماضية في تبني مقاربة شاملة وحقيقية لمكافحة الارهاب بالرغم من الثمن الباهظ الذي دفعته البلاد لدى عودة المتطرفين من افغانستان في العقد الاول من هذا القرن.
ولا يجب ان يستغرب احد اذا كرر التاريخ نفسه مع الانتشار المتسارع لافكار داعش خاصة بين الشباب، ما يفسر قدرته على خوض اكثر من معركة في جبهات متباعدة ضد جيوش ثلاث دول في الوقت نفسه.
وهكذا يجدر بالحكومة السعودية قبل ان تدعو الآخرين الى محاربة داعش ان تبدأ بنفسها، فتكافحه اولا على ارضها وفي داخل مؤسساتها الدينية والاجتماعية الرسمية التي تمثل حاضنة ثقافية وربما تمويلية لانشطته.
وبدون هكذا مكافحة شاملة فان هذا الخطر الارهابي التكفيري اصبح يمثل «قنبلة موقوتة» تهدد السعودية وغيرها، وليس السؤال ان كانت ستنفجر، لكن اين ومتى، ومن سيكون ضحيتها المقبلة؟