حُماة “داعش”
نبيل لطيف –
الاعتراف الامريكي الغربي بخطورة “داعش” و “النصرة” ، جاء على شكل قرار أصدره مجلس الامن الدولي بالاجماع تحت الفصل السابع ، وتوعد القرار بمعاقبة الجهات التي تدعم هذه التنظيمات الارهابية التكفيرية بالمال والسلاح ، وزاد مقتل الصحفي الامريكي جيميس فولي على يد”داعش” وبشكل مقزز ، من تشدد الغرب وامريكا في التصدي لـ”داعش” واخواتها.
الحقيقة هي أن المرء يستغرب من صحوة الضمير المتأخرة للغرب ازاء هذه التنظيمات الارهابية ، بينما هذا الغرب يعرف جيدا ان مثل هذه التنظيمات تتلقى دعما ماليا وتسليحيا واعلاميا من قبل الدول العربية السائرة في فلك الغرب ، وهي دول معروفة ، كما انها لاتخفي تعاطفها مع هذه التنظيمات ، كانت ومازالت تطلق عليها ، في اعلامها ، اسم “الثوار” و”المعارضة المسلحة” ، وتدعو دوما الغرب الى تسليحها بالاسلحة الفتاكة ،
وكلنا يتذكر تصريحات المسؤولين السعوديين ، الذين اعلنوا اكثر من مرة انه سيضمنون وصول هذه الاسلحة الى المعارضة المعتدلة ، وان السعودية ستقوم بهذه المهمة في حال تخلى العالم اجمع عن المعارضة السورية ، وهي رغبة لا تجد السعودية من ينافسها عليها الا دولة القطر التي فتحت لها تركيا حدودها لارسال المال والسلاح والعتاد ، الى جانب تجنيد وسائل اعلامها وفي مقدمتها قناة “الجزيرة” لتغطية اخبار وغزوات وفتوحات هذه الزمر التكفيرية في العراق وسوريا.
صحيح ان نفاق الغرب في التعامل مع الارهابيين التكفيريين في سوريا، لم يعد خافيا على احد ، فهو يتعامل مع هؤلاء على انهم “ثوار” و”معارضة مسلحة” ، الا انهم يتحولون ، من وجهة نظر هذا الغرب ، الى ارهابيين خطرين بمجرد انتقالهم الى داخل الحدود العراقية ، الا ان المشكلة هي في ان يصل هذا النفاق الى الحد الذي يطلب فيه الغرب من البلدان العربية المسؤولة مباشرة على تاسيس “داعش” و “النصرة” ودعمهما بكل الوسائل ، الى المشاركة في مكافحة هذه التنظيمات الارهابية ، وهو يعرف حق المعرفة ان “داعش” وسواها ما كانت لتكون لولا السعودية وقطر وتركيا.
جيمس فولي الصحفي الذي قتل بيد داعش
ان على الغرب ان يكف عن ممارسة النفاق في التعامل مع الجهات التي تمول “داعش” واخواتها ، كما عليه ان يكف عن تعامله المزدوج مع جرائم “داعش” ، فالجريمة هي جريمة ، ولا يمكن ان تكون في مكان ما مسالة فيها نظر ، وفي مكان اخر تتحول الى كارثة انسانية ، كما تعامل الغرب مع المجازر والجرائم المروعة التي ارتكبتها “داعش” واخواتها ضد المسلمين الشيعة والسنة والمسحيين والايزديين ، حيث مر الغرب من امامها مرور الكرام ، بينما اقام الدنيا ولم يقعدها عندما قتلت “داعش” الصحفي فولي.
ان الجهات التي تقف وراء “داعش” واخواتها ، ليست سرا من الاسرار ، فهي معروفة للغرب ، فهذا وزير المساعدة الانمائية الالماني غيرد مولر ، اتهم في مقابلة تم بثها الاربعاء في 20 آب / اغسطس الحالي ، اتهم صراحة قطر بتمويل مقاتلي تنظيم “داعش” الارهابي ، وقال مولر الذي ينتمي الى المحافظين بزعامة المستشارة انغيلا ميركل، ان “وضعا كهذا ياتي دائما بعد مسار سابق”، متسائلا “من الذي يموّل هذه القوى؟، انني افكر في دولة قطر”.
وقبل ذلك بيوم واحد اعلن وزير المالية الاشتراكي الديموقراطي سيغمار غابريال ، ان الاسرة الدولية امام “جدل حول الجهة التي تقوم الان، وقامت في الماضي، بتامين الوسائل المالية لتسليح داعش”، مضيفا “لا يمكن ان يتم ذلك بدون اموال”، ولكنه لم يذكر اي دولة بالاسم.
اما الصحافة الغربية بشقيها الاوروبي والامريكي ، فهي متخمة بالتقارير الصحفية حول تورط المال والسلاح القطري والسعودي والتركي ، في الفوضى والدمار الذي لحق بالعراق وسوريا ، مطالبة الحكومات الغربية بممارسة الضغوط على هذه الدول لتكف عن تزويد هؤلاء الارهابيين بعوامل القدرة على البقاء.
يرى الكثير من المراقبين ان الموقف الجديد للغرب ازاء الزمر الارهابية في العراق وسوريا وفي مقدمتها “داعش” ، لم يأت بسبب احساس الغرب بخطورة هذه التنظيمات الارهابية على شعوب المنطقة ، بل جاء بسبب الاكتفاء الذاتي ماديا ل”داعش” بعد سرقة اكثر من مليار دولار من البنوك العراقية وسيطرتها على ابار النفط وتهريبه عبر تركيا بثمن بخس ، الامر الذي جعلها تخرج من بيت الطاعة السعودي القطري ، لذلك كان لابد من تحجيم “داعش” واخواتها واعادتها لهذا البيت ، عبر اضعافها من خلال قطع يدها عن ابارالنفط واستنزاف قوتها التي تضخمت واصبحت تشكل خطرا حتى على من اوجدها.
للاسف الشديد ان السعودية وبعض الدول الخليجية ، تعيد في العراق وسوريا ، تكرار ذات الخطأ الذي ارتكبته في افغانستان في بداية ثمانينيات القرن المنصرم ، عندما قامت بتاسيس القاعدة بالتعاون مع امريكا وباكستان ، الا انه لم يمر عقد واحد حتى تحولت القاعدة الى عدو للدول التي اسستها، ودفع العالم ومازال يدفع ضريبة تصنيع القاعدة من قبل الغرب والرجعية العربية ، كما يدفع العالم اليوم ايضا ثمنا باهظا لتصنيع “داعش” من قبل السعودية وقطر وتركيا ، وبضوء اخضر امريكي ، بهدف اسقاط او تركيع النظام السوري ، فانقلب السحر على الساحر ، كما انقلب بالامس في افغانستان على امريكا وحلفائها.