التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

مسيحي يروي قصة هروبه من داعش 

جميل ذو الرابعة والعشرين ربيعا يسكن ناحية مخمور في مدينة الموصل شمال العراق، شاب مسيحي حمل معه الى الجنوب قصة عائلة فتك بها بطش تنظيم داعشِ التكفيري، لترحل هربا دون معرفة احدهم مصير الآخر، واقعٌ من قضية لإلاف النازحين الذين تركوا بيوتهم بعد حكم التكفير بقطع الرقاب.

ويقول جميل صلاح : “تعرضت المناطق المسيحية في ناحية مخمور للقصف بالهاونات من قبل تنظيم داعش، ما جعل اغلب العوائل تبحث عن ملاذ امن فكان الخيار الهرب الى إقليم كردستان”، مبينا “لكنني فضلت البقاء مع أصدقائي وبعض العوائل المحاصرة في منطقتنا من قبل رجال تنظيم داعش”.

ويضيف جميل “بعد يومين وصلت الى مخمور قوة من قوات البشيمركة لحماية مناطقنا، فحدثت اشتباكات بين الأكراد وداعش لكن البيشمركة تمكنت من طرد داعش وبأقل من أسبوعين بعد ان أصبحت ناحية مخمور أمينة بيد قوات البيشمركة بدأت العوائل بالعودة الى بيوتها، لكن البعض منهم فضل السفر خارج العراق من كان لديه أقارب أو أصدقاء في الدول الأجنبية، اما من ليس لديه أقارب أو أصدقاء خارج العراق عاد الى مخمور”، موضحا انه “بعد ذلك سمعنا بان السفارة الفرنسية وافقت على اللجوء إليها لكن سرعان ما أغلق بعد أن طلب المطران ساكو من السفارة الفرنسية في إقليم كردستان بإغلاق اللجوء، بعد آخذه وعود من رئيس الإقليم مسعود البرزاني بحماية جميع مناطق المسيحين في الموصل”.

ويتابع جميل “بالفعل شاهدنا دخول قوات كبيرة من البيشمركة، وبدأت العوائل تمارس حياتها الطبيعية بالعمل والتنقل داخل ناحية مخمور، لكن لم يستمر الحال فبعد أسبوع واحد فقط تفاجئنا بانسحاب قوات البيشمركة دون إي مقاومة أو طلقة بعد مهاجمة داعش لها التي سيطرت على ناحية مخمور بالكامل، فدخلوا علينا دون رحمة وبدؤوا يقتلون المسيحين بشكل جماعي، فهربنا أنا وعائلتي دون ان يعرف احدنا مصير الأخر، فبعضنا من هرب بملابسه والبعض الأخر حافي القدمين، وفي تلك اللحظات عند احد سيطرات داعش التي نصبتها عند تقاطع الشارع الرئيسي المرابط بمدينة دهوك شاهدت بعيني موقف مازال يزعجني ويبكيني في الوقت نفسه، فقد رأيت فتاة بعمر مايقارب السبع سنوات وهي بيد أمها عندما أوقفوهما رجال داعش وسحبوا حلقات الذهب من أذانيها دون رحمة أو إنسانية، وبدأت الطفلة تنهار من الدم الذي سال على رقبتها، فكانت لحظات عصبية مرت علينا ولا اعرف كيف تمكنت من الخلاص في وقتها”.

ويكمل جميل “بعد ان وصلت الى أطراف دهوك في المخيمات، وجدت أهلي وتأكدت ان الجميع بخير ولم يصاب أي احد منهم بأذى، فكان قرارهم بعد ماحدث من تهجير، السفر خارج العراق للخلاص من الخوف والرعب الذي حل بنا”، مضيفا “وبعد مناقشة عائلتي وأصدقائي قررنا الهجرة عن طريق اليونان ومن ثم الذهاب الى فرنسا، لكن كلما فكرت ان اسافر وجدت نفسي لا استطيع رغم أنني وصلت الى الطائرة التي تقلنا الى اليونان لكنني ترددت ورجعت، فقالت لي عائلتي وأصدقائي: هل أنت مجنون؟ قلت لهم كيف أسافر وأنا أكلت وشربت وتربيت في العراق”.

ويتابع جميل “فحاولوا ان يقنعونني لكنني رفضت حتى حان وقت إقلاع الطائرة وذهبوا جميعهم فبقيت وحيدا، لكنني لم أندم على قرار البقاء في وطني ولن ارحل عنه أبدا”، موضحا “أنا عمري 24 سنه لكن ما تعلمته خلال حياتي أعطاني الكثير، فقد حصلت على بكالوريوس ودبلوم صحافة وإعلام، كما حصلت على دبلوم ترجمة سريانية وكذلك شهادة تدريبية من معهد إعلام أمريكي، فضلا عن كوني شاعر حاصل على ست جوائز من دول عربية، ورغم هذا فانا عملت في الإعمال الشاقة لأنني من عائلة طباخة في الأصل، فعملي المعروف شيف للأكلات الشرقية والغربية وللمقبلات”.

ويلفت جميل “رغم إنني قدمت الكثير من المعاملات للحصول على وظيفة، لكن لم احصل على فرصة تعين، وهذا لايهمني لأنني أرى ان الحياة لابد ان تستمر في العراق الذي يمر بازمة ونحن كشعب لابد ان نتحمل”.

ويذكر جميل “بعد ان قررت البقاء في دهوك كان لي أصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك منهم من قال لي ان بقائي في العراق خاطىء ومنهم من شجعني على حب الوطن والبقاء فيه، ومن بين هؤلاء كان لي صديق في محافظة ذي قار (مدينة الناصرية) دكتور صيدلاني اسمه علاء، بعد ان كان متواصلا معي في كل خطواتي، فبعد ان أقنعي بالمجيء الى الناصرية، مؤكدا لي انه سيوفر العمل والسكن في حال الذهاب اليه”.

ويوضح جميل “كنت في الحقيقة، متردد بالمجيء لأنني سمعت كثيرا بأن هذه المناطق قد تكون لا ترحب بالمسيحين، ورغم انه وصلتني الكثير من دعوات لحضور مهرجانات شعرية في الفترات السابقة من محافظة بغداد وميسان لكنني رفضت لخوفي من القتل فيها، لكن بعد مجيئي الى الناصرية لم أجد سوى الطيبة الحقيقية، فصديقي (الدكتور علاء) لم يقصر معي وأشعرني انني بين أهلي، بل أن ابسط إنسان في الناصرية ترى انه لا يقصر معك في كرمه، وبدأت أتأقلم مع الناس وشعرت بالسعادة وإنا أعيش بين أناس كرماء اصلاء”.

ويقول جميل بحسرة وألم “شعرت بالأسف الكبير على قادتنا من الاشورين والكلدانيين وغيرهم لأنهم خانونا وباعونا بابخس ثمن”، متسائلا “هل يستحق المسيحي ان ينام على الشوارع والأرصفة؟، هل يستحق الدمار الذي حل بنا؟، فهي وصمة عار بجبين الخونة من القادة السياسيين، وإنا أقولها رغم انني تعرضت بضربي برمانة يدوية في جامعة الموصل من قبل بعض الارهابين عام 2010، حيث هددت إثناء دراستي الجامعية في الموصل بالقتل من بعض المتطرفين، لكنني سأبقى عراقي مسيحي”.

ويضيف جميل “إنا لست طائفيا عندما اذكر الموت والتهجير مع المسيحين، لكنني دائما أقول انه لو كان التهجير بسبب العراق فانا سأستبدل هويتي المسيحية بالعراق لان العراق اكبر وأعظم من إي مسميات”، مسترسلا “نحن ابناء المسيح في الموصل ماتعرضنا له لا يختلف عما حدث عام 1915 في مذابح سميل بصوريا التي قتل فيها قرابة المليون ونصف مسيح ارمني وسرياني، إذا هو مسلسل يعاد تكراره على ابناء الشعب بمختلف طوائفه”.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق