قطر والسعودية.. هل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟!
علاء الرضائي –
انتهى أمس الأول اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي بجدة في السعودية بتبويس اللحى وبتصريحات لوزير الخارجية العماني السيد يوسف بن علوي، بأن سفراء البلدان الثلاثة (السعودية والامارات والبحرين) والذين استدعوا من محل عملهم الى بلدانهم اثر تفاقم الخلافات بين قطر والبلدان المذكورة، سيعودون الى الدوحة، دون الاشارة الى وقت عودتهم!
هذا الاجتماع الذي كان مقرراً له ان يتدارس الاوضاع في فلسطين ومأساة غزة والعراق واليمن وليبيا والملف النووي الايراني والمخاوف المتزايدة من الارهاب الداعشي الذي بات قريباً من الاردن والسعودية والكويت وهي من اهم البلدان التي احتضنته ودعمته رسمياً وبشكل غير رسمي.. اكتفى بحل المشكلة الاساسية وهي الابقاء على المنظومة الخليجية وتأجيل انهيارها بعد ان هددت قطر بالانسحاب من مجلس التعاون اذا ما قرر الاشقاء عقوبات بحقها!
لكن السؤال الاساس الذي يطرح نفسه في هذا الصدد، هو: هلت حلت بالفعل الازمة بين قطر والثلاثي السعودي الاماراتي البحريني.. وما هي اوجه الخلاف بينهم بالاساس؟ لان الجميع يدورون ضمن فلك واحد وهو اميركا ومتفقون على معظم القضايا الاقليمية والدولية.
وللاجابة على السؤال لابد ان نسجل هذه الحقيقة، وهي ان قطر هذه الايام تعيش نشوة انتصاراتها.. فأنتصار غزة أهدته “حماس” خالد مشعل مشعل الى حكومة الشيخ تميم والجزيرة “درة الاعلام العربي” حسب وصف مشعل! والانتصار الثاني كان فوز حليفها اردوغان في تركيا بمنصب رئاسة الجمهورية في اول اقتراع رئاسي بعد قيام الجمهورية، مما يعني تثبيت الاردوغانية وتحول “السلطان اردوغان” الى صنو للسلطان سليمان العثماني والرئيس مصطفى كمال اتاتورك مؤسس تركيا الحديثة..
بينما وفي الجانب الآخر تسجل المشروعات والمؤامرات والسياسات السعودية الاماراتية اخفاقات متعددة.. في سوريا والعراق ولبنان وباكستان وحتى في مصر وليبيا، بحيث اضطرت الامارات في الاخيرة الى الدخول مباشرة في عمق الازمة والاقتتال، فقصفت طائراتها مجموعات مقاتلة لصالح اخرى، الأمر الذي أثار استياء الشارع الليبي الذي تظاهر ضد مصر والامارات..
ان محور المشكلة بين قطر من جهة والسعودية والامارات والبحرين من جهة ثانية، يدور حول سعي كل طرف ان يمسك بخيوط اللعبة الأميركية بيده ويحرك بيادقه الخاصة به، هو في الحقيقة تقاتل على الأدوار التي أفردتها المخططات الأميركية والغربية بشكل عام، وخلاف حول التفاصيل ومن يستطيع أن يقوم بالمهمة بأقل الخسائر بالنسبة للغرب وأميركا!
أما المشروع القطري الذي جرى تنفيذه من خلال الانقلاب الذي اطاح بالشيخ خليفة ال ثاني وجاء بابنه حمد الى سدة السلطة عام 1995 والذي اسند بقيلق قناة الجزيرة الاخبارية عام 1996، فيقوم على الركائز التالية:
1. تجريد السعودية من عمقها السلفي وهيمنتها على الحركة الوهابية بسبب هرم وشيخوخة كل من النظام السعودي والطرح الوهابي التقليدي، وذلك من خلال صناعة خطوك موازية او خلق ما يسمى بـ”الضد النوعي”.. وهذه السياسة ظهرت الى العلن في خطاب الامير حمد عند افتتاح جامع محمد بن عبد الوهاب في الدوحة.. اذا تحدث بصريح العبارة عن تبني التيار الوهابي وشخوصه!
2. ركوب الموجة الاسلامية الحركية والتي فعلتها احداث الربيع العربي في المنطقة من خلال التحالف الاستراتيجي مع الاخوان المسلمين، وبالتالي فان قطر تقف ضد كل مشروع من شأنه ان يقوض هذه الهيمنة على الساحة السياسية والحركية الاسلامية.. لذلك بدى التضاد واضحاً عندما تبنى القطريون الاسلاميون وتبنى السعوديون السلفيون وتبنى الاماراتيون العلمانيون والمعتدلون!!
واتضح اكثر عندما تعاون السلفيون والعلمانيون على اسقاط حكم الاخوان في مصر من قبل العسكر وبدعم علني من السعودية والامارات، حتى ان هاتين الدولتين اعتبرتا الاخوان تنظيماً ارهابياً.
3. خلق مرجعية للشارع الاسلامي (السني) من خلال ما يسمى بـ” اتحاد علماء المسلمين” والذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي ويمتد عبر بعض الدعاة والاخوانيين الى العديد من البلدان في المنطقة.. ولان للسعودية مشايخها ومرجعيتها الدينية فقد تم احتضان الازهر من قبل دولة الامارات ومحاولة الحكومة السعودية الربط بين مؤسستها الدينية المتزمتة والازهر الشريف رغم مقاومة الاولى.. لذلك نشاهد ان الصدام بلغ اشده بين الازهر والشيخ القرضاوي خلال الفترة التي تلت سقوط حكم الاخوان في مصر.
4. الاثارات الاعلامية التي يعتمدها “فيلق الجزيرة” من اجل تسويق خطابه والتي تمس احياناً أمن بلدان في مجلس التعاون الخليجي.. فرغم سياسة الصمت الاعلامي التي تمارسها الجزيرة بشأن ما يجري في البحرين بفتوى القرضاوي الذي اتهم ثورة 14 فبراير في البحرين بالطائفية.. الا ان الفيلق الاعلامي القطري كان له دور في التحرك خلاف مصالح ورؤية بعض البلدان، كما حصل مع الامارات التي اصطدمت مع الاخوان واتهمتهم بتدبير محاولة لقلب نظام الحكم واتهمت القرضاوي والاخوان ومنبرهم الاعلامي الجزيرة بأدارة ذلك والتحريض ضد حكم ال نهيان، او كما حصل مع السعودية في اليمن بشاء عداء الجزيرة لحكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح المدعوم سعودياً.
5. القضیة المهمة الاخری والتي شكلت واحدة من ابرز نقاط الخلاف مع السعودیة، هي التقارب القطري الایراني ومحاولة قطر فتح طریق العلاقة مع حزب الله وسوریا من بوابة ایران، فلو انتهی هذا التقارب الی تحیید قطر وتركیا والاخوان ازاء الوضع في سوریا والعراق، فان الطاولة ستنقلب علی صانع القرار السعودي والاماراتي ..لذلك یعتبر السعودیون التقارب مع ایران خروجا علی الأمن الخلیجي وبدایة الانهیار في المنظومة الخلیجیة…!
وبهذه المعطیات فان التهدئة بین السعودیة وشقیقتیها من جهة وقطر من جهة اخری، لا یعدوا ترحیلا لبعض الملفات كي تنفجر في وقت آخر، لان قطر بدون هذه الاجندات ستتحول الی وجود لا طعم فیه ولا لون ولا رائحة.. وهو مستبعد من العقیلة القطریة الي تعتبر نفسها في لحظة قوة ونشوة كما اشرنا.. خاصة وانها كانت قد هددت بالانسحاب من مجلس التعاون، الامر الذي اقلق القیادة السعودیة التي قدمت تنازلات كثیرة ومهمة من اجل الابقاء علی قطر ضمن منطومة خلیجي، بل ان الاجتماع الخليجي سبقه زيارة لوزير الخارجية السعودي ومعه وفد يضم العديد من الامراء الى الدوحة من اجل اقناعها بالحل.
ان تعثر المشروع السعودي في تحویل مجلس التعاون الی اتحاد ومعارضة اكثر من دولة لذلك، قد ینهي المنظومة بشكلها الحالي ویسرع من ادخال عناصر جدیدة الیه، كالاردن والمغرب والیمن، لكن هذا التغییر لن یحل المشكلة السعودیة، بل سیفاقمها لما للاخوان (وبالتالي قطر) من نفوذ في المغرب والاردن والیمن ایضاً، ولوجود الحوثیین والحراك الجنوبي في الیمن.. فالحل السعودي احلاه مرّ!