التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, نوفمبر 14, 2024

داعش” بين الإبتزاز الأميركي وتحالف الأضداد 

ماجد الحاتمي –

تنظيم “داعش” التكفيري لم يولد في العاشر من حزيران يونيو الماضي، عندما دخل الموصل، ولم يولد بعد ذلك التاريخ بشهرين، عندما قرر الرئيس الامريكي باراك اوباما مضظرا، توجيه ضربات جوية له في العراق، بل مضى على ظهور هذا التنظيم اكثر من ثلاث سنوات وهو يعيث فسادا ودمارا في سوريا، دون ان تحرك اعماله الوحشية هناك ضمير سيد البيت الابيض و ضمائر صقور الكونغرس الامريكي.

ان “داعش” التي تحولت الى العدو رقم واحد لامريكا وحلفائها في المنطقة، امثال تركيا والسعودية وقطر، ودخل الجميع في تحالف فضفاض ضدها، كانت تتلقى الى جانب المجموعات التكفيرية الاخرى في سوريا ومنذ اربع اعوام كل الدعم والتمويل والاسناد من هذه الدول، الامر الذي القى ظلالا من الشك حول جدية هذا التحالف في مكافحة ارهاب “داعش”، لاسيما ان هذا التحالف يضم دولا لا تتباين سياساتها واستراتيجياتها مع بعض فحسب بل وتتناقض الى حد الصراع كما هو الحال بين محور السعودية ومصر من جانب ومحور قطر وتركيا من جانب اخر.

التحالف الدولي ضد “داعش” والذي وصفه البعض بانه اشبه بالتجنيد الاجباري، لعدم وجود ارادة حقيقة لدى امريكا وحلفائها في محاربة “داعش”، تشكل تحت ضغط عاملين الاول تغول “داعش” وتجاوزها للخطوط الحمراء وتهديدها للمصالح الامريكية والسعودية، والعامل الثاني هي الممارسات الهمجية لهذا التنظيم والتي استفزت الراي العام العالمي، الامر الذي تطلب القيام بعمل ما حتى لوكان مسرحيا، كما هو حال التحالف فعلا، للتعامل مع الراي العام العالمي الغاضب ولاسيما الراي العام الامريكي والغربي بعد ذبح غربيين على يد “داعش”، والا فان امريكا وحلفائها، ليست لديهم اية مشاكل مع كل التنظيمات التكفيرية الارهابية في سوريا مثل “داعش” و “جبهة النصرة” واخواتهما، بل ان امريكا وحلفاءها كانوا ومازالوا ينسقون مع هذه الجهات في الحرب ضد الحكومة السورية، حتى ان هذه الدول تعمل وبجد في تسويق فرع القاعدة في سوريا “جبهة النصرة” على انها مجموعة معارضة سورية معتدلة، ويمكن تلمس ذلك جيدا في اداء الاعلام القطري والسعودي، الذي ما انفك يلمع صورة هذا التنظيم الارهابي للراي العام العربي.

الى جانب ماذكرنا هناك عامل في غاية الاهمية، دفع امريكا لتشكيل هذا التحالف، بعد ان ساهمت “داعش” خلال غزوها الموصل واحتلالها لثلث اراضي العراق، وارتكابها جريمة معسكر سبايكر الرهيبة، ولتطهيرها المناطق الغربية من الاقليات الدينية والعرقية، في انضاج مشروع نائب الرئيس الامريكي جو بايدن لتقسيم العراق، وهو مشروع كان لابد من وضعه على نار ملتهبة ليستوي اسرع، وهذه النار لم تكن سوى تنظيم “داعش”.

“من وجهة نظر امريكية صرفة، ان دور تنظيم داعش في العراق، قد انتهى”

من وجهة نظر امريكية صرفة، ان دور تنظيم “داعش” في العراق، وليس في سوريا، والذي وفر الارضية لتنفيذ مخطط بايدن، قد انتهى، وكان لابد من التخلص منه، او على الاقل تقليم اظافره والاحتفاظ به الى حين تنمو هذه الاظافر مرة اخرى لاستخدامه في منازلة امريكية اخرى، في العراق او في غيره.

الامر الذي يؤكد وجود مخطط امريكي مدروس وبعناية يستهدف العراق ككيان، هو التلكؤ والتقاعس الامريكي المريب في التصدي ل”داعش” التي غزت العراق تحت اعين امريكا، وكذلك عملية الابتزاز الحقيرة التي مارستها الادارة الامريكية ضد الشعب العراقي، عندما اخذت  تضغط على الحكومة العراقية وتضع شروطا قبل تقديم اية مساعدة للعراق، بينما امريكا مكلفة قانونا ان تساعد العراق على ضوء الاتفاقية الامنية التي وقعها العراق معها، كما ان الجميع كان يعرف وفي مقدمتهم امريكا، ان كل يوم يمر على وجود “داعش” في العراق يعنى سقوط الالاف من الابرياء ضحايا لهمجية هذا التنظيم التكفيري، لكن وللاسف الشديد، لم تحرك اية من هذه الجرائم البشعة اية مشاعر انسانية لدى اصحاب القرار في امريكا، وفي مقدمة هذه الجرائم جريمة معسكر سبايكر حيث اعدمت “داعش” خلال لحظات اكثر من 1700 شاب صغير في عمر الورود، جريمتهم الوحيدة انهم من الشيعة.

في الوقت الذي كانت عصابات “داعش” تهتك اعراض الناس في المناطق الغربية من العراق، وتصادر ممتلكات المسيحيين بعد ان طردت الالاف منهم من الموصل، وتبيع الفتيات والنساء والاطفال في الاسواق ببضعة دولارات، كانت الاخبار القادمة من العراق تؤكد ان الادارة الامريكية  كانت تبتز الحكومة العراقية وتضع شروطا قبل تقديم اية مساعدة لوقف تقدم “داعش” نحو بغداد، ومن هذه الشروط العمل على حل الحشود الشعبية و قطع اية علاقة مع النظام السوري، ووقف تقديم اية مساعدات عراقية أو إيرانية عبر الأجواء العراقية، والإسراع بتشكيل قوات الحرس الوطني في المناطق الغربية وان تكون هذه القوات تحت اشراف ضباط امريكيين، بالاضافة الى تشكيل حكومة لا تستثني اية جهة كانت مهما كانت الملاحظات التي تؤخذ على هذه الجهة اوتلك.

“بیان جبر: لولا الدعم الايراني للعراق لسقطت بغداد بقبضة داعش”

بغض النظر عن حقيقة هذه الشروط، فإن الشيء الاكيد الذي وقع هو ان العراقيين دفعوا ثمنا باهظا بسبب سياسة الابتزاز الامريكي، ولم يقف نزيف العراقيين الا بفضل الفتوى التاريخية للمرجع الديني سماحة السيد السيستاني ودعوته العراقيين للتطوع من اجل الدفاع عن اهلهم ومدنهم ومقدساتهم امام الهمجية ل”داعش”، وبفضل المساعدات التي قدمتها الجمهورية الاسلامية في ايران، للعراقيين كافة دون اية شروط ودون الاخذ بنظر الاعتبار انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية، وتأكيدا لهذه الحقيقة اعلن رئيس كتلة المواطن النيابية بيان جبر الزبيدي في تصريح متلفز، انه لولا الدعم الايراني للعراق لسقطت بغداد بقبضة “داعش”، اما رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البارزاني فاعلن وبشكل واضح ان ايران كانت اول دولة في العالم قدمت السلاح للاكراد للوقوف في وجه الارهاب “الداعشي” دون ان تطلب في المقابل شيئا، اما الدور الحاسم لايران في فك الحصار المجرم لعصابات “داعش” عن مدينة آمرلي والذي استمر نحو ثلاثة اشهر، فهو حديث العراقيين هذه الايام، بينما كان العالم حينها يتفرج على هذه المأساة.

ان رفض ايران الانخراط فيما يسمى التحالف ضد الارهاب، لم يأت من فراغ او من موقف استعلائي او كرد فعل ساذج على ما يجري في المنطقة، بل هو رفض ينطلق من رؤية ثاقبة لما يجري في الاقليم، ومن معرفة بادق تفاصيل الاستراتيجية الامريكية، فايران تعرف جيدا ان افضل وسيلة لمكافحة “داعش” والارهاب بشكل عام هو اعتماد استراتيجية تستند الى الامن الاقليمي والعمل الجماعي بين دول الاقليم على تجفيف منابع الارهاب وسد جميع المنافذ التي تمد “داعش” و”النصرة” واخواتهما باسباب الحياة، وتحويل الحواضن الى خوانق، وهذا الامر يتطلب ارادة حقيقية وصادقة من دول الاقليم، وهو ما يتناقض تماما مع ما تمارسه امريكا وحلفاءها من نفاق سياسي واضح وفاضح، حيث يتم عبر هذا التحالف الاستعراضي تعزيز سياسة المحاور العقيمة التي القت بظلالها على الوضع الامني العراقي، وكانت احد اهم الاسباب في تدهور الامن في العراق وفي سوريا ايضا، كما ان ايران تعرف جيدا ان اهم مقدمات نجاح اي جهد دولي لمكافحة الارهاب هو التنسيق مع حكومات البلدان المبتلية بالارهاب، كما تنسق طهران مع الحكومتين العراقية والسورية، وبدون اي انتقائية او ازدواجية في المعايير، وهو ما لاتعترف به امريكا التي اطلقت “داعش” على العراق لابتزازه، واطلقت “داعش” على سوريا لاخضاعها، وتأتي اليوم وتتعامل مع الخطر الواحد والداهم على المنطقة وشعوبها، بازدواجية لا يمكن تبريرها باي منطق سليم، الا بمنطق الكابوي، حيث يخرج المسؤولون الامريكيون على الناس وهم يعلنون صراحة انهم سيوجهون ضربات جوية على مواقع “داعش” في سوريا دون التنسيق مع الحكومة السورية، وفي حال ردت سوريا فانها ستندم!!، الامر الذي يؤكد حقيقة المخاوف من ان امريكا تسعى لتحقيق اهداف غير معلنة في سوريا في اطار تحالفها الدولي ضد الارهاب، هذا اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان هذه الضربات ستتزامن مع تدريب 5000 مسلح من المعارضة السورية “المعتدلة”!! في معسكرات تدريب في السعودية، حيث تم تخصيص مبلغ 500 مليون دولار لهذه الغاية.

ان التجربة التاريخية وتجربة الاعوام الاربعة الماضية اكدت وتؤكد ان ايران وسوريا وحزب الله، كانوا ومازالوا يشكلون محور المقاومة للارهاب الصهيوني والتكفيري وللعنجهية الامريكية ومخططاتها الخبيثة للمنطقة، وان هذا المحور كان السباق، لمقارعة “داعش” و”النصرة” والقاعدة وباقي الزمر التكفيرية الارهابية في المنطقة، وخاصة في العراق وسوريا ولبنان، واثبتت هذه المنازلة صوابية موقف هذا المحور، في الوقت الذي كانت امريكا وحلفاءها واذنابها يسهرون على تربية هذه الوحوش الكاسرة لتحقيق اهداف تصب من الالف الى الياء في صالح الصهيونية العالمية.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق