التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

الأزهر الشريف وخطر السلفية 

منيب السائح –

مضت عقود طويلة جدا على العلاقة التاريخية التي تربط العلماء الاجلاء في الازهر الشريف ، مع المراكز الدينية الاسلامية في مختلف انحاء العالم ، ومن بين هذه المراكز الحوزات العلمية في النجف الاشرف في العراق وقم في ايران ، انطلاقا من الرؤية الوسطية والمنفتحة للازهر الشريف على مختلف المذاهب الاسلامية.

لا اعتقد ان هناك من لم يقرأ من المثقفين كتاب “المراجعات” ، الذي يتضمن رسائل تبادلها جهبذان من جهابذة العلماء في عصرهم ، وهما السيد عبدالحسين شرف الدين والشيخ سليم البشري ، وكان نقاشا علميا وتاريخيا في غاية الادب والاحترام ، وتحول هذا الكتاب الى مدرسة في طريقة النقاش العلمي بين علماء الامة ومثقفيها.

اما الامام الأکبر الشيخ محمود شلتوت ، الرائد في التقريب بين المذاهب الاسلامية ، فكان صاحب دور البارز الى جانب كبار العلماء الشيعة من امثال آية الله البروجردي، في التقريب بين المذاهب، كان هذا العالم يقدم الدكتور القمي وهو عالم دين شيعي من إيران للإمامة في الصلاة ويصلي خلفه ، وكان العقاد محقا عندما اطلق عليه إمام التوفيق والتقريب‏ ، فهذا الامام هو صاحب الفتوى الشهيرة التي أجاز فيها للانسان المسلم التعبد بمذهب اهل البيت عليهم السلام ، وقال ما نصه: إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الامامية الاثنا عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً کسائر مذاهب اهل السنة. فينبغي للمسلمين ان يعرفوا ذلك وان يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما کان دين الله وما کانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب، فالکل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس اهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه في فقههم ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات”.

هذه مصر والازهر قبل نحو قرن من الان ، ولكن مصر اليوم وللاسف الشديد وبعد ان تسللت الافكار الوهابية والسلفية اليها ، تحت مسميات مختلفة ، لاسيما في بداية السبعينات من القرن المنصرم ، نالت هذه الافكار المتخلفة والمتعصبة القادمة من الصحراء ، من بعض ابنائها ، وان كانوا قلة ، الا انهم اعلى صوتا واقوى مالا ، فمارست هذه القلة القليلة التضييق ، كعادة المذهب الوهابي السلفي ، على اصحاب الفكر والمثقفين والاعلاميين ، ورفعت شعار معاداة الشيعة ، وهو شعار يمثل اس واساس عقيدتهم الجوفاء ، وشنت حروبا شعواء على كل عالم من علماء مصر يسعى للتقريب بين اتباع الدين الواحد، وهو ديدن المصريين منذ كانوا ، فلا يمر يوم حتى تفجر السلفية في مصر قنابل اعلامية وسياسية ضد هذا وذاك لمجرد موقف او كلمة يمكن ان يستشف منها التقريب بين المسلمين ، واخر معاركهم العبثية التي بعثروا فيها طاقات الامة في كل زمان ومكان ، هي الضجة التي أثاروها ضد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر وأستاذ الشريعة الدکتور أحمد كريمة ، لمجرد ان فضيلته زار ايران “الشيعية” والتقى عدد من علماء الشيعة في مدينة قم!!.

المؤسف ليس موقف مشايخ السلفية في مصر من الدكتور كريمة ، فهذا ديدنهم ،  ولا یمکن ان یتخذوا غیر هذه المواقف الاقصائية والتکفیرية والمتعصبة والمتخلفة ، بل المؤسف ان یٍسایر الازهر الشریف السلفية في موقفها هذا ويجمد عضوية الشيخ كريمة في الازهر.

الأستاذ أحمد كريمة في زيارته الى ايران

لم تجد في مصر من طبل لهذا الاجراء فرحا الا السلفية الوهابية ، فهذا عادل نصر، المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية، أشاد كما نقلت صحيفة “الوطن” بإحالة الدكتور أحمد كريمة الى التحقيق، وقال ” إن “الأزهر مازال حاملا لواء الدفاع عن صحابة الرسول الكريم .. هذا من حسن ظننا بالأزهر الشريف”.

هنا من حقنا ان نسأل : لم كل هذه الغضبة المضرية على الاستاذ كريمة؟، هل زار “اسرائيل”؟، لا اعتقد فهناك الكثير من يزور “اسرائيل” دون ان تعترض الوهابية وسلفية مصر ، هل جاءت هذه الغضبة خوفا على استاذ الشريعة واحد اكبر علماء الازهر من ان يتشيع خلال زيارته لايران ؟ وهل الوهابية والسلفية المتخلفة ارسخ علما من الدكتور كريمة؟، وهل هم اكثر غيرة على مذهبه منه؟، لماذا كل هذا الخوف من الشيعة؟، وهل الدكتور كريمة يجهل المذهب الشيعي ولا يمكنه الوقوف على مبادئه الا في ايران وهو العالم بكل المذاهب الاسلامية ؟

فالرجل درس الفقة الاباضي في سلطنة عمان اكثر من ست سنوات؟، السبب ليس هذا وذاك ، السبب الرئيسي يكمن في الفكر الوهابي السلفي المبني على الفتنة والصراع والنزاع والتكفير ، وهو فكر يأكل كالارضة كل بعد انساني في الانسان ، فهؤلاء الناس  يختلقون الف عدو وعدو من اجل ان يؤكدوا وجودهم القائم على النفي والرفض والتزمت والتخلف ، ويكفي مراجعة سريعة لفتاوى مشايخ الوهابية في السعودية واذنابهم ممن يدعون بمشايخ السلفية في مصر ، حتى نستشعر حربا ضروسا تشن على الحياة والعلم والثقافة والمرأة والعدالة والمساواة ، وهي فتاوى تلصق ظلما وعدوانا بالرسول الكريم (ص) وبالسلف الصالح، دون حياء او خجل.

ان على الازهر الشريف ان يحذر من تسلل السلفية الى حصنه الشامخ ، مستغلة الظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر ، وان تستغفل السذج من خلال الدفاع عن الصحابة الاجلاء ، فإن الهجمات الارهابية التي تشن على القوات المسلحة المصرية ، وجرائم قطع رؤوس الجنود المصريين في سيناء والتفجيرات التي تشهدها القاهرة ، والجريمة الداعشية بامتياز والمتمثلة بقتل الشيخ حسن شحاته ، وجرائم تكميم الافواه والتهديد بالطرد والمحاكمة للعلماء الاعلام وقراء القرآن والاعلاميين والمفكرين  والفنانين ، ما كانت لتحصل في مصر لولا تسلل الفكر الوهابي السلفي الى مصر.

على علماء الازهر ان يحولوا دون تحول مصر الى باكستان ثانية ، فالقاعدة و “النصرة” و “داعش” و”انصار الشريعة” و بوكوحرام” و “انصار بيت المقدس” وكل التنظيمات والاحزاب السلفية في العالم خرجت من رحم الوهابية ، واذا ما تباينت بعض مواقف هذه التنظيمات بين بلد وآخر ، فالسبب الظروف المحيطة بها والتي لا تسمح لبعضها ان تكشر عن انيابها وبشكل علني ، كما هو حال السلفية في مصر.

مسؤولية علماء الازهر الشريف جسيمة جدا ، فالوقت ليس في صالح الازهر والشعب المصري ، ولابد من الوقوف في وجه الوهابية السلفية قبل فوات الاوان ، وان ما يحدث في العراق وسوريا وليبيا وباكستان وافغانستان ونيجيريا ومالي والصومال ، الا جانب بعض عبث الوهابية السلفية في المجتمعات العربية والاسلامية ، التي كانت يوما ما تستصغر الوهابية والسلفية وتقلل من شأنها.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق